العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

اللوبي الصهيوني والانتخابات الأمريكية

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الأحد ٢٩ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

لا‭ ‬ننكر‭ ‬براعة‭ ‬اللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬‮«‬إيباك‮»‬‭ ‬وأخواتها‭ ‬وقدرتها‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬الأموال‭ ‬وصرفها‭ ‬لدعم‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لكننا‭ ‬نظن‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬اللوبي‭ ‬الأخطبوطي‭ ‬يمر‭ ‬بـ«أزمة‭ ‬هوية‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬حياته‭ ‬أصبحت‭ ‬معقدة،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬اللافتة‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬والمجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وبعد‭ ‬إطلاق‭ ‬ائتلاف‭ ‬من‭ ‬جماعات‭ ‬المصالح‭ ‬التقدمية‭ ‬مبادرة‭ ‬تسمى‭ ‬‮«‬ارفض‭ ‬إيباك‮»‬‭.‬

وفقا‭ ‬للاستطلاعات‭- ‬ورغم‭ ‬التأثير‭ ‬الأكبر‭ ‬لـ«اللوبي‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الأمريكية‭ ‬‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حسابات‭ ‬تقول‭ ‬إنّ‭ ‬أصوات‭ ‬الأمريكيين‭ ‬العرب‭ ‬هذه‭ ‬المرّة‭ ‬‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬أقليات‭ ‬أخرى،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬‮«‬الولايات‭ ‬المتأرجحة‮»‬‭ ‬والتي‭ ‬توصف‭ ‬بولايات‭ ‬‮«‬ساحة‭ ‬المعركة‮»‬‭.‬

وبعد،‭ ‬دعونا‭ ‬نتساءل‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬تجعل‭ ‬نخبة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬السياسية‭ ‬تتغاضى‭ ‬عن‭ ‬مصالحها‭ ‬الحيوية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬دعما‭ ‬مطلقا؟‭ ‬

وحقا،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬الإجابة‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬الأبعاد‭ ‬الكامنة‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬الدينية‭ ‬الوثيقة‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬بين‭ ‬الحركة‭ ‬المسيحية‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬بالحركة‭ ‬الصهيونية،‭ ‬وإنما‭ ‬تجمعها‭ ‬أيضا‭ ‬التقاء‭ ‬المصالح‭ ‬السياسية‭ ‬والإستراتيجية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والتاريخية‭ ‬وهي‭ ‬أمور‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التغاضي‭ ‬عنها‭.‬

وكما‭ ‬شهدت‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تراجعًا‭ ‬في‭ ‬شعبية‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وخاصة‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬استقطبت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬داخل‭ ‬قطاعات‭ ‬صاعدة‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬مثل‭: ‬الشباب،‭ ‬والقوى‭ ‬التقدمية،‭ ‬والأقليات‭ ‬العرقية،‭ ‬وحتى‭ ‬داخل‭ ‬الحزب‭ ‬الجمهوري،‭ ‬وارتفاع‭ ‬وتيرة‭ ‬الأصوات‭ ‬المتزايدة‭ ‬المنادية‭ ‬بفك‭ ‬الاشتباك‭ ‬الأمريكي‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭ ‬والصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وتقليص‭ ‬الدور‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وإعطاء‭ ‬الأولوية‭ ‬للقضايا‭ ‬الداخلية‭ ‬والمصالح‭ ‬الوطنية،‭ ‬مع‭ ‬تفضيل‭ ‬شريحة‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬الناخبين‭ ‬المستقلين‭ ‬أصلا‭ ‬لسياسة‭ ‬خارجية‭ ‬انعزالية‭ ‬وموقفًا‭ ‬أمريكيًا‭ ‬محايدًا‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

ولقد‭ ‬أدت‭ ‬الأحداث‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬تحالف‭ ‬واسع‭ ‬بين‭ ‬عديد‭ ‬القوى‭ ‬الرافضة‭ ‬للدعم‭ ‬الأمريكي‭ ‬للعدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬والمطالبة‭ ‬بوقف‭ ‬كامل‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وإيجاد‭ ‬حل‭ ‬عادل‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومقاطعة‭ ‬الشركات‭ ‬المتعاونة‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.. ‬إلخ‭. ‬

يضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬نجاح‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬الآني‭ ‬والنسبي‭ (‬وبالذات‭ ‬جامعات‭ ‬النخبة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬وتخرج‭ ‬الطبقة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والجيل‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬القادة‭) ‬والتي‭ ‬مثلت‭ ‬ثورة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭- ‬الإسرائيلي،‭ ‬وسيكون‭ ‬لها‭ ‬بعدها،‭ ‬بعد‭ ‬اكتشاف‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬البشع‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وما‭ ‬تم‭ ‬من‭ ‬سلب‭ ‬قديم‭/ ‬جديد‭ ‬للحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

لقد‭ ‬احتاج‭ ‬التحول‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬من‭ ‬الكمي‭ ‬إلى‭ ‬النوعي‭ ‬إلى‭ ‬صاعق‭ ‬مفجر،‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬والفظاعات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المستمرة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬أساساً‭ (‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬أيضاً‭) ‬فتفجرت‭ ‬المسألة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬تحول‭ ‬نوعي‭ ‬في‭ ‬الجدل‭ ‬السياسي‭ ‬والمجتمعي‭ ‬الأمريكي‭ ‬حول‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إذ‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬تصبح‭ ‬مسألة‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬قضية‭ ‬خلافية‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭.‬

ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لهذه‭ ‬التطورات‭ ‬تأثير‭ ‬في‭ ‬السياسات‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬المتوسط‭ ‬والبعيد،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬خروج‭ ‬الأجيال‭ ‬الأكبر‭ ‬سنا‭ ‬والأكثر‭ ‬ولاء‭ ‬لإسرائيل‭ ‬من‭ ‬المجال‭ ‬السياسي،‭ ‬وصعود‭ ‬الأجيال‭ ‬الأصغر‭ ‬إلى‭ ‬المواقع‭ ‬القيادية‭.‬

المطلوب‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الانفضاح‭ ‬العالمي‭ ‬هو‭ ‬استثماره‭ ‬بطريقة‭ ‬تضمن‭ ‬ديمومته‭ ‬والبناء‭ ‬عليه‭ ‬منذ‭ ‬اللحظة‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬مأسسته،‭ ‬وهذه‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬الطريقة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تكريس‭ ‬وتعزيز‭ ‬وترسيخ‭ ‬الصورة‭ ‬القبيحة‭ ‬للكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الانتصار‭ ‬للحقيقة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬الرواية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬ولأول‭ ‬مرة‭ ‬تناطح‭ ‬وتفكك‭ ‬السردية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬هيمنت‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭.‬

وعملية‭ ‬الاستثمار‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭ ‬الانفضاح‭ ‬مسؤولية‭ ‬فلسطينية‭ ‬في‭ ‬الأساس،‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬ولا‭ ‬تؤتي‭ ‬أكلها‭ ‬إلا‭ ‬بدعم‭ ‬ضروري‭ ‬من‭ ‬المنظومتين‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬وجميع‭ ‬القوى‭ ‬الرسمية‭ ‬والشعبية‭ ‬العالمية‭ ‬الشاهدة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الانفضاح‭. ‬

وغني‭ ‬عن‭ ‬الذكر‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬الاستثمار‭ ‬المنوه‭ ‬عنها‭ ‬تحتاج،‭ ‬أولاَ‭ ‬واخيراً،‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بوحدة‭ ‬وطنية‭ ‬فلسطينية،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬من‭ ‬النضال‭ ‬السياسي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬‮«‬الناعم‮»‬،‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬المقاومات‭ ‬غير‭ ‬الناعمة‭ (‬اقرأ‭: ‬الكفاح‭ ‬المسلح‭) ‬التي‭ ‬لطالما‭ ‬استخدمتها‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬معاركها‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬والاستعمار‭ ‬والاضطهاد‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكاله‭.. ‬وبالتأكيد‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬أقرته‭ ‬القوانين‭ ‬والشرائع‭ ‬الدولية‭.‬

وكما‭ ‬تلعب‭ ‬الصهيونية‭ ‬المسيحية‭ ‬دورًا‭ ‬حيويًا‭ ‬في‭ ‬توجيه‭ ‬السياسة‭ ‬الغربية‭ ‬عموما‭ ‬والأمريكية‭ ‬خصوصا‭ ‬نحو‭ ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬محدود،‭ ‬ونصرتها‭ ‬ظالمة‭ ‬أو‭ ‬ظالمة‭!‬؛‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إيجاد‭ ‬وتقوية‭ ‬لوبي‭ ‬فلسطيني‭/‬عربي‭/‬إسلامي‭ (‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬الشرفاء‭ ‬الأمريكيين‭) ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬لإزالة‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬خلقها‭ ‬اللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬الأمريكي‭ ‬وما‭ ‬أكثرها‭- ‬في‭ ‬غير‭ ‬صالح‭ ‬قضايا‭ ‬العرب‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

ويبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الأزلي‭: ‬متى‭ ‬نؤسس‭ ‬ونمؤسس‭ ‬لجنة‭ ‬عربية‭ ‬تواجه‭ ‬لجنة‭ ‬اللوبي‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬الـ«إيباك‮»‬‭ ‬وأخواتها،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬استحواذ‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬مساحات‭ ‬التأييد‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الأمريكي،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬والعالمي‭ ‬أيضا؟

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا