نعيش ويعيش من حولنا أناس كثر، ربما لا نعرف ما تكنه أنفسهم لنا أو للمجتمع الذي يعيشون فيه، فمثل هذه الأمور لا يعرفها إلا الله سبحانه، ولكن مع استمرار الحياة والتقدم في السن، نكتشف أن الذين نعايشهم لم يكونوا بالأشخاص الذين كنا نعتقد، وهنا يحدث أحد أمرين؛ إما أن نبتعد عنهم بهدوء وإما أن نقول في أنفسنا: «ما لنا ولصفاتهم، لنستمر».
أما الأشخاص الذين يبتعدون فإنهم يكونون بخير، أما الفئة الثانية فإنهم سيعيشون في حياة لن تخلو من المشاكل والمصاعب، وربما تصل إلى حد أزمات، لا تنتهي، فينقلونك من مشكلة إلى أزمة، ومن أزمة إلى أخرى حتى تفنى حياتك قبل أن تفنى.
خلال الفترة الماضية حضرت في دولة شقيقة محاضرة بنفس عنوان المقال، جلست أستمع باهتمام وأستمتع، وأنا أفكر في أشخاص ربما لا يعيشون حولي الآن وأنا في هذا السن، ولكني صادفتم في حياتي، وخاصة عندما كنت في منصب ما. وبعد الانتهاء من المحاضرة، جلسنا وبعض الأفراد مع الأخ الذي ألقى المحاضرة، وتحدثنا وتعرفنا على بعض وطلبت منه أن يسمح لي أن أنشر تلك المحاضرة كمقال فوافق، على أن أرسل له نسخة من المقال، وهذا أمر هين، وإليكم بعض نوعيات الأفراد الذين تحدث عنهم، وكل المطلوب منك عزيزي القارئ وأنت تقرأ أن تفكر في كل من يحيطون بك، وذلك من أجل سلامتك.
1- الإنسان المستغل؛ هذا الإنسان يستغل كل شيء فيك، ويمكن أن يستغل ظروفك، ومنصبك، وحياتك الاجتماعية وكذلك اسمك، فيذهب إلى فلان فيقول له أنا قادم من طرف فلان من أجل الموضوع الفلاني، أو ربما يحاول أن يستغل ظروفك الاجتماعية بأن يتطفل على حياتك. هذا الإنسان يظهر لك الحب إلى أقصى درجاته المتطرفة، وعندما تنتهي الفائدة التي يمكن أن تقدمها له، يتركك.
2- الشخص كثير الشكوى؛ هذا الإنسان سيدمر كل إيجابية وسعادة تعيشها أنت، فهو يشتكي من راتبه وظروفه وزوجته وأولاده. تخرج معه للتنزه أو لقضاء وقت أو إنجاز عمل فإنه لن يكف عن الشكوى في كل شيء، هذا الشخص الذي يسير أمامه في الشارع لا يعرف أن يسوق السيارة، وذاك الشخص تافه لأنه لا يفكر بطريقة إيجابية، وزوجته لا تعرف الطبخ، وأبناؤه مهملون، ومدرسة أبنائه لا يحترمون الأطفال، والمعلم الفلاني قليل أدب، والشارع هذا مزدحم، فهو طوال الوقت يتحدث بشكوى ولا يعرف غير ذلك.
3- الشخص اللوام؛ هذا الشخص دائمًا يلقي اللوم على الآخرين في كل شيء، فاليوم مسؤوله تنمَّر عليه بسبب تافه وهو أنه تأخر عن الدوام نصف ساعة، ماذا يحدث إن تأخر؟ وتصل به الحال أنه يلقي اللوم عليك بسبب ظروفه الاجتماعية ومشاكله هو مع زوجته، فأنت الملام – ربما– لأنك تعيش في حياة أفضل منه، المدرسة تكره أطفاله لذلك يتسببون في فشلهم في فصولهم الدراسية، الحياة مملة وتافهة ولا متعة فيها – ربما– لأنك أنت موجود فيها.
4- الشخصية التنافسية؛ هذا الشخص يتسابق معك في كل شيء، بسبب أو من غير سبب، ففي الوظيفة يسابقك على الدرجة، وعندما ترغب في شراء سيارة ذات نوعية ما تجده وأنت ما زلت تفكر فإنه قد يشتري نفس السيارة التي ترغب، عندما تذهب إلى التنزه مع زوجتك فإنك ستجده هناك قبلك، هذا الشخص يبحث في حياة الآخرين وخاصة المقربين ليتسابق معهم وكأن الحياة سباق على بعض الأمور، إذ إنه لا يستطيع أن يبدع أو يفكر.
5- الشخص الذي يسيء إليك؛ بعض الأفراد لا يكتفي بالتذمر أو بالتقليد، وإنما يحاول أن يسيء إليك ويضرك أيضًا، وهذا هو هدفه الأسمى، وخاصة زملاء العمل، فمن السهل على هؤلاء أن يذهب إلى المسؤول الإداري ويتحدث عنك بسوء، وخاصة إن كان المسؤول الإداري على استعداد أن يسمع إليهم. هذه النوعيات من البشر وخاصة النساء عندما يجدون أحد زملائهم يتحدث مع امرأة حتى ولو كان من قبل إنجاز مهام العمل فإنهم ببساطة يرفعون سماعة الهاتف ويحادثون زوجة ذلك الشخص ليعلنوا عن الخيانة العظمى التي يرتكبها الآن.
6- الحساد؛ إحدى أقبح الشخصيات التي يمكن أن نعاشرها. فالحسود لا يفرح لفرح البشر، بل على العكس يدخل معهم في سباق لسرقة ما هو لهم، ويزاحمهم على أمور تخصهم، لأن الخير بنظر هؤلاء، يجب أن يحصل لهم فقط، وليس لأحد سواهم. لا يفرح الحسود إلا عندما يرى الناس الذين يعيشون حوله يتساقطون ويحزنون عندها يفرحون هم.
7- مطلقو الأحكام؛ هؤلاء يصدرون الأحكام والقرارات والاتهامات حول أي عمل ينفذه أي إنسان إلا هم، وحول أي قرار يتخذونه، وحول أي خطوة ينوون القيام بها، سواء كانت مهنية أو شخصية. انتقاد الأفراد يشكل جزءا من تركيب شخصياتهم. لا يملكون أدنى مقومات التواصل مع الآخرين، لأنهم ببساطة لا ينصتون إلى الآخر وآرائه وأهوائه وتفضيلاته، بمعنى أنهم لا يملكون ثقافة الإصغاء، ولا يؤمنون بالاختلاف وبضرورة احترام الآخر. هؤلاء إن قررنا إبقاءهم في حياتنا فإنه ينبغي ألا نسألهم نصيحة أو استشارة، لأنهم يقيسون الأمور من منطلقات مختلفة.
8- الذين يتصرفون وكأنهم محور الكون؛ بعض الأفراد يعتقد أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الكون إلا من أجلهم، ومن أجلهم فقط، وأنه يعرف كل شيء، ويفهم كل شيء، ومن حقه هو أن يأخذ كل شيء، وأما بقية البشر مجرد توابع وليس من حقهم أن يعيشوا وأن يتمتعوا بأي شيء حتى وإن كان تافهًا صغيرًا، فعندما يتسلط هذا الآدمي على بعض البشر في إدارة ما فإنه يتصرف معهم تصرف المدير أو المعلم مع الطلاب، لأنه هو (السوبرمان)، وأنه النابغة الوحيد الذي يعرف كل شيء، أما البقية فإنهم مجرد خدم يقدمون له كل ما يريد، هؤلاء لا يصغون وإنما يعطون الأوامر فقط.
9- الكاذبون؛ هؤلاء لا يمكن معرفة إذا كانوا يقولون الحقيقة أم لا في تلك اللحظة، فهو يصور الحدث وكأنه الحقيقة، ولكن إن استطعت أن تتمعن في كلامه وحديثه فإنك ببساطة تجد التضارب في أقواله، فتجلس بينك وبين نفسك تتساءل كيف حدث هذا الحدث مع وجود كل هذا التعارض والتضارب، فتكتشف أنه يكذب، وعلى الرغم من ذلك يستمر هو في الحديث الكاذب من غير أي وازع. وذلك بسبب بسيط لأن الكذب جزء أصيل من كينونتهم ووجدانهم، لدرجة أن الكذب يمكن أن يقودهم إلى السرقة، ولا نقصد سرقة الأموال هنا وإنما حتى المعلومات والأسرار المهنية، أو حتى الأسرار التي لا يمكن البوح بها.
10- النمامون؛ هؤلاء همهم الأكبر الثرثرة ونقل الأخبار وكذلك تحويرها، وهؤلاء يدخلون المجالس والديوانيات، وربما مكاتب المسؤولين فينقلون الكلام والأخبار لمجرد أنه قاموا بالتحدث، والأسوأ من ذلك فإنهم قد ينقلون الكلام عن فلان إليك، وبعد ذلك ينقلون إلى فلان كلامك عنه، ويستمر في التحدث ونقل الكلام من جهة إلى أخرى، ومن فرد إلى آخر، ربما بقصد الإساءة إلى الأشخاص أو لمجرد المتعة فقط، وهؤلاء قادرون على تحوير الحقائق وقلب الوقائع رأسًا على عقب، وإعادة تمثيل الأحداث، حتى يظن الإنسان أنها حقائق.
11- المتسلّطون؛ على الرغم من إن هؤلاء يشبهون الفئة (الذين يتصرفون وكأنهم محور الكون) وخاصة في موضوع الإصغاء وذلك لأنهم ببساطة يعرفون كل شيء، وكأنهم يمتلكون الحقيقة، إلا أنهم لا يجيدون القيام بعمل الأشياء، لا يعرفون كيف يجب أن تسير الأمور، وإنما يوهمون الناس أنهم يعرفون ويعرفون، وكذلك يوهمون الناس أنهم قادة بالفطرة، لذلك تجدهم يتسلطون على البشر من حولهم ويحولون الحياة إلى كابوس، وخاصة في الوظيفة والحياة الزوجية والاجتماعية.
12- السلبيون؛ هؤلاء قادرون على امتصاص كل ما لدى الإنسان من طاقة إيجابية، كل ما لديهم من حماس للقيام بمغامرة أو بعقد صفقة أو اتمام أي عمل آخر. هم ببساطة لا يرون إلا الجانب القاتم من الأمور ويركزون تفكيرهم على الاحتمالات السلبية مهما بدت احتمالات النجاح كبيرة، هؤلاء هم أعداء النجاح والفرح.
13- العشوائيون؛ وهنا لا نقصد التخطيط والعشوائية في العمل الإداري، وإنما ونحن نتحدث عن الحياة، تجد هؤلاء أمامك في كل مكان، فمثل هؤلاء لا يتقيدون بوقت لإنجاز الأعمال، ولا يتقيدون بالمواعيد أو القيم، وكل حياتهم قائمة على الفوضى، يقوم كل صباح ولا يعرف ماذا أو ما المطلوب منه أن يفعل، فهو يعمل لمجرد أن هذا عمل، ويعيش لمجرد أنه موجود في الدنيا، هؤلاء ليس لديهم هدف في الحياة ولا أولويات ولا حتى تنظيم على أبسط مستويات الحياة.
14- الذي يلعب دور الضحية؛ ومثل هؤلاء وجدناهم في الفترة الأخيرة، لأنهم يعتقدون أن الحياة مجرد دراما ومأساة، وإنهم هم فقط ضحايا هذه المأساة، فالفيضانات التي تحدث في بنجلاديش تحدث لأن الكون ينسج مؤامرة لهم، وإذا حدث خطأ في طريقة تعامل معهم يشعرون أن هذا نتيجة مؤامرة تحاك لهم شخصيًا، فالجميع يتآمر عليهم، لأن الجميع يحسدهم ويكرههم. هؤلاء يتمتعون إن شعروا أنهم الضحية.
هذه بعض الصفات التي ذكرها المحاضر، ويصعب أن نتحدث عن باقي الصفات لضيق مساحة الصفحة، وربما نعود إلى هذا الموضوع مرات أخرى، ولكن المهم أن هؤلاء بعض الأفراد وبعض الصفات، فهل تجدهم عزيزي القارئ حولك؟
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك