لا يزال هناك فئة مسرفة على نفسها من بعض المثقفين العرب الذين يريدون تفريغ النص القرآني من محتواه الإعجازي، والادعاء بأنه من وضع الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وأنه ليس بمعجز في بلاغته، وروعة بيانه، وأنه لا يشكل تحديًّا بيانيًّا، ولا علميًّا، ولا ندري من نصدق، هل نصدق الحق سبحانه وتعالى عند حديثه عن كتابه الذي تحدى به الإنس والجن، وقال سبحانه عنه: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) (الإسراء/88)، هل نصدق الله سبحانه وتعالى أم نصدق هؤلاء الذين حين أراد أحدهم أن يدعو إلى استخدام العامية في الكتابة والتخاطب كتب كتابًا باللغة العربية ليوصل إلى الناس دعوته المتخلفة، ولو كانت العامية التي يدعو إليها تغني لدعا الناس بها، إنه الشاعر اللبناني سعيد عقل، وهذا أبلغ ردٍ على فساد دعوته، وقصورها عن تلبية حاجته وحاجة من يشايعه ويتبنى دعوته، ومن هؤلاء الذين يحملون رايته الدكتور صادق جلال الأعظم، وسلامة موسى، والشاعر العراقي معروف الرصافي في كتابه الضخم « الشخصية المحمدية» والكاتب الليبي الصادق النيهوم، والذي رددت عليه، وفندت مقولاته في مجلة « الناقد» التي كانت تصدر في لندن، ونشرت في كتابه الذي أصدره بعد ذلك بعنوان «إسلام ضد الإسلام» هؤلاء بعض نفر تصدروا الحملة إلى الدعوة إلى أن رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) كان عالمًا بالقراءة والكتابة، فيبطلون بذلك الدعوة إلى أن القرآن معجزة أظهرها الله تعالى على يد رسول الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، وبالتالي ينكرون نبوة محمد (صلى الله وسلم عليه) أو هكذا توهموا!
بل هم يذهبون إلى أبعد من ذلك، فيقولون إنه كان صلى الله عليه وسلم أستاذًا متمكنًا، وعالمًا متفردًا، وهم يرجعون ذلك إلى بلاغة القرآن، وحسن بيانه، ولا يعقل أن يكون القرآن على هذا المستوى من البلاغة المعجزة إلا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو كذلك، ويعني هذا في نظرهم أن القرآن العظيم ليس بمعجزة وإنما هو من وضع محمد (صلى الله عليه وسلم)، ونقول لهؤلاء وأمثالهم من الذين عجزت هممهم عن إدراك الإعجاز الإلهي في القرآن، وأنه هو المعجزة الوحيدة التي تناسب العصر الذي بُعِثَ فيه رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) في أمة العرب المشهود لهم بالفصاحة، وسحر البيان، لهذا كانت أمية الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) تمنحه قدرًا عظيمًا، ودليلًا على صدق رسالته، وعظيم منزلته عند الله تعالى وأنه قد تلقى العلم عن الله ولَم يتلقاه عن بشر، وحاله صلى الله عليه وسلم كحال أبيه آدم (عليه السلام) الذي علمه ربه الأسماء كلها، وكيف عرضها على الملائكة وتحداهم أن يذكروا شيئًا منها فعجزوا عن ذلك!
ولقد أكد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أميته حين طلب منه جبريل (عليه السلام) أن يقرأ، وكررها عليه ذلك ثلاث مرات، وهو في كل مرة يقول: ما أنا بقارئ، وكان صلوات ربي وسلامه عليه يغطه جبريل في كل مرة حتى يبلغ به الجهد، ثم يسر عليه عندما علمه ما يقرأ، وكانت الآيات الخمس الأولى من سورة العلق، في قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم (5)) سورة العلق.
وفي مقابل المحاولات اليائسة من بعض المثقفين العرب إلى تفريغ القرآن من مضمونه المقدس نذكر هنا بعض شهادات بعض الكتاب والمفكرين النصارى الذين أكدوا أمية الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) وأشادوا بعظمة رسول الإسلام (صلوات ربي وسلامه عليه) ومكانته بين إخوانه من الأنبياء والمرسلين، يقول الكاتب والمفكر نصري سلهب: «محمد (صلى الله عليه وسلم) كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، فإذا بهذا الأمي يهدي الإنسانية أبلغ أثر مكتوب حلمت به الإنسانية منذ كانت الإنسانية ذاك كان القرآن الكريم، الكتاب الذي أنزله الله على رسوله هدى للمتقين» انظر كتاب «قالوا عن الإسلام د. عماد الدين خليل، ص69».
وتقول يوجينا غيانة، وهي باحثة بولونية درست الإسلام: «إن القرآن الكريم مع أنه أنزل على رجل عربي أمي نشأ في أمة أمية، فقد جاء بقوانين لا يمكن أن يتعلمها الإنسان إلا في أرقى الجامعات. كما نجد في القرآن حقائق علمية لم يعرفها العالم إلا بعد قرون طويلة». (المصدر السابق /ص68).
ويحدثنا جاك س. ريسلر، وهو باحث فرنسي معاصر، وأستاذ بالمعهد الإسلامي بباريس عن القرآن باعتباره كتاب جامع مانع، فيقول: «كان القرآن فوق أنه كتاب ديني خلاصة جميع المعارف.. وظل زمنًا طويلًا أول كتاب يتخذ للقراءة إلى الوقت الذي شكل فيه وحده كتاب المعرفة والتربية، ولا يزال حتى اليوم النص الذي تقوم عليه أسس التعليم في الجامعات الإسلامية، ولا تستطيع الترجمات أن تنقل ثروته اللغوية (إذ يذبل جمال اللغة في الترجمات كأنها زهرة قطفت من جذورها) ولذلك يجب أن يقرأ القرآن في نصه الأصلي» (قالوا عن الإسلام، د. عماد الدين خليل، ص 66).
ولقد جمع القرآن العظيم بين دفتيه مع الأحكام الشرعية الإعجاز البلاغي، كما أنه جمع مع كل هذا القصص القرآني الذي يوثق تاريخ البشرية مع أنبياء الله ورسله، وهذا القصص القرآني هو حقائق يرويها القرآن ليضع بين يدي الأمم مفاتيح المعارف والعلوم التي هي إشارات علمية موحية.
والقرآن بكل معنى من هذه المعاني هو المعجزة الخالدة الدالة على صدق الرسول، وكمال الرسالة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك