العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

كلام من ذهب عن الذهب

أكرمني‭ ‬الله‭ ‬بأن‭ ‬بَرَّأني‭ ‬من‭ ‬التعصب‭: ‬لا‭ ‬أتعصب‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬ولا‭ ‬لفريق‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬ولا‭ ‬لمطرب،‭ ‬ولا‭ ‬لعرق‭ ‬ولا‭ ‬لجنس،‭ ‬وبحكم‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭ ‬والمرئية‭ ‬سنين‭ ‬عددا،‭ ‬فقد‭ ‬أعجبتني‭ ‬كتابات‭ ‬وأحاديث‭ ‬كثيرة‭ ‬لنقاد‭ ‬رياضيين‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أتابع‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يعلقون‭ ‬عليها،‭ ‬فطريقة‭ ‬عرضهم‭ ‬للمواضيع‭ ‬تجعلها‭ ‬شيقة‭ ‬وجذابة،‭ ‬وبسبب‭ ‬عقدة‭ ‬مترسخة‭ ‬من‭ ‬علم‭ ‬الحساب،‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أقرا‭ ‬الصفحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬قضية‭ ‬مهمة‭ ‬مثار‭ ‬جدل‭ ‬ومطروحة‭ ‬بلغة‭ ‬سهلة،‭ ‬وربما‭ ‬طفشني‭ ‬من‭ ‬الصفحات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬كثيرين‭ ‬من‭ ‬القائمين‭ ‬عليها‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لهم‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬ك«علم‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬ومن‭ ‬تجربتي‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬العربية‭: ‬قد‭ ‬يستيقظ‭ ‬محرر‭ ‬رياضي‭ ‬يوما‭ ‬ليكتشف‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬القسم‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬الثقافي‭ ‬أو‭ ‬الإعلانات،‭ ‬وقد‭ ‬يتم‭ ‬تحويل‭ ‬مندوب‭ ‬إعلانات‭ ‬إلى‭ ‬محرر‭ ‬في‭ ‬‮«‬المحليات‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬يصبح‭ ‬مصمم‭ ‬ومخرج‭ ‬الجريدة‭ ‬مصححا‭ ‬لغويا‭ ‬بفرمان‭ ‬‮«‬رئاسي‮»‬‭. ‬ولكنني‭ ‬أقرأ‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬لأصحاب‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬رغم‭ ‬أنني‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬يقولونه،‭ ‬إدراكا‭ ‬مني‭ ‬بأن‭ ‬عدم‭ ‬الإلمام‭ ‬بمجريات‭ ‬الأمور‭ ‬الاقتصادية‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬قصور‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬الأحوال‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

ومن‭ ‬عجيب‭ ‬ما‭ ‬قرأته‭ ‬عن‭ ‬شؤون‭ ‬المال‭ ‬والاقتصاد‭ ‬مقال‭ ‬للصحفي‭ ‬البريطاني‭ ‬المخضرم‭ ‬وليام‭ ‬ريس‭ ‬موق،‭ ‬كتبه‭ ‬قبل‭ ‬سنوات،‭ ‬وطلعت‭ ‬من‭ ‬المقال‭ ‬باستنتاج‭ ‬بأنني‭ ‬لست‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬عندما‭ ‬أستخف‭ ‬بهوس‭ ‬زوجتي‭ ‬باقتناء‭ ‬المشغولات‭ ‬الذهبية،‭ ‬حتى‭ ‬أصبتها‭ ‬بعقدة‭ ‬من‭ ‬الذهب‭. ‬ويقول‭ ‬الكاتب‭ ‬إن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسبق‭ ‬جورج‭ ‬دبليو‭ ‬بوش‭ ‬كان‭ ‬شؤما‭ ‬على‭ ‬دنيا‭ ‬المال،‭ ‬فعندما‭ ‬صار‭ ‬رئيسا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬20‭ ‬يناير‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬2001،‭ ‬كان‭ ‬سعر‭ ‬أونصة‭ (‬أوقية‭) ‬الذهب‭ ‬266‭ ‬دولارا،‭ ‬ومع‭ ‬نهاية‭ ‬ولايته‭ ‬الأولى‭ ‬كان‭ ‬السعر‭ ‬قد‭ ‬ارتفع‭ ‬إلى‭ ‬450‭ ‬دولارا،‭ ‬في‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬كان‭ ‬السعر‭ ‬الرسمي‭ ‬لأونصة‭ ‬الذهب‭ ‬35‭ ‬دولارا،‭ ‬ثم‭ ‬طار‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬850‭ ‬دولارا‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1980،‭ ‬والكارثة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الدولار‭ ‬هو‭ ‬اللغة‭ ‬الرسمية‭ ‬لمعظم‭ ‬المعاملات‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وانهيار‭ ‬أسعاره‭ ‬يؤدي‭ -‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬السبعينيات‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬التضخم‭ ‬وأسعار‭ ‬النفط‭ ‬والفوائد‭ ‬البنكية‭ ‬والاضطرابات‭ ‬العمالية‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬البطالة‭. ‬والدولار‭ ‬في‭ ‬التحليل‭ ‬الأخير‭ ‬مجرد‭ ‬ورقة،‭ ‬يتوقف‭ ‬حجم‭ ‬المطبوع‭ ‬والصادر‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬تقدير‭ ‬البنك‭ ‬الاحتياطي‭ ‬المركزي‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وكون‭ ‬الدولار‭ ‬‮«‬نقود‮»‬‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬عُرف‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أمر‭ ‬متفق‭ ‬عليه،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الذهب‭ ‬نقود‭ ‬حقيقية‭ ‬في‭ ‬‮«‬ذاته‮»‬،‭ ‬وخلال‭ ‬المائة‭ ‬عام‭ ‬الماضية‭ ‬فقد‭ ‬الدولار‭ ‬95%‭ ‬من‭ ‬قوته‭ ‬الشرائية،‭ ‬وفقد‭ ‬الإسترليني‭ ‬98%‭ ‬من‭ ‬قوته‭ ‬الشرائية‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الفقد‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العملات‭ ‬الأوروبية‭ ‬والين‭ ‬الياباني‭ ‬100%‭. ‬وبالمقابل‭ ‬كان‭ ‬سعر‭ ‬أونصة‭ ‬الذهب‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1904‭ ‬نحو‭ ‬أربعة‭ ‬جنيهات‭ ‬إسترلينية‭ ‬وبنهاية‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬كان‭ ‬سعره‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬235‭ ‬إسترلينيا‭ (‬سعره‭ ‬اليوم‭ ‬21‭ ‬سبتمبر‭ ‬2014‭ ‬نحو‭ ‬2586‭ ‬دولار‭ ‬للأونصة‭). ‬وبقيت‭ ‬قوته‭ ‬الشرائية‭ ‬ثابتة‭ ‬‭ ‬تقريبا‭ ‬‭ ‬رغم‭ ‬التقلبات‭ ‬في‭ ‬قيمته،‭ ‬فالذهب‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬قيمته‭ ‬لمدى‭ ‬طويل‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬قيمة‭ ‬العملة‭ ‬الورقية‭ ‬تصل‭ ‬حتما‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر‭. ‬وكل‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬إما‭ ‬فعلية‭ ‬ملموسة‭ ‬أو‭ ‬سائلة،‭ ‬ولا‭ ‬تكون‭ ‬الاثنين‭ ‬معا‭. ‬البيت‭ ‬مثلا‭ ‬استثمار‭ ‬واقعي‭ ‬ملموس‭ ‬ويحتفظ‭ ‬بجزء‭ ‬من‭ ‬قيمته‭ ‬ولكن‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬نقد‭ ‬يتطلب‭ ‬وقتا،‭ ‬والسندات‭ ‬الورقية‭ ‬‮«‬سيولة‮»‬‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحوال،‭ ‬ولكن‭ ‬خطأ‭ ‬متعمدا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬مقصود‭ ‬من‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬تصدرها‭ ‬قد‭ ‬يفقدها‭ ‬بعض‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬قيمتها،‭ ‬بينما‭ ‬الذهب‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬سند‭ ‬يتحكم‭ ‬فيه‭ ‬طرف‭ ‬ما‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬نقد‭ ‬سائل‭ ‬يكون‭ ‬مقبولا‭ ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬بعض‭ ‬العملات‭ ‬الورقية‭ ‬مرفوضة‭.‬

يعني‭ ‬نساؤنا‭ ‬لسن‭ ‬عبيطات‭ ‬لأنهن‭ ‬مغرمات‭ ‬بتكويش‭ ‬الذهب،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬ذوق‭ ‬بعضهن‭ ‬تالف،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالقلادات‭ ‬التي‭ ‬تتدلى‭ ‬من‭ ‬الرقبة،‭ ‬فتبدو‭ ‬الواحدة‭ ‬مثل‭ ‬درويش‭ ‬يعلق‭ ‬في‭ ‬رقبته‭ ‬أشياء‭ ‬غير‭ ‬متجانسة‭. ‬وهناك‭ ‬أساور‭ ‬المعصم‭ ‬الاستعراضية‭ ‬عندما‭ ‬تضع‭ ‬الواحدة‭ ‬نحو‭ ‬كيلو‭ ‬من‭ ‬المشغولات‭ ‬على‭ ‬يديها‭ ‬فتبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬مجرم‭ ‬في‭ ‬طريقه‭ ‬إلى‭ ‬سجن‭ ‬سويدي‭ (‬الكلبشات‭ ‬في‭ ‬السويد‭ ‬من‭ ‬النحاس‭ ‬اللامع‭. ‬احتراما‭ ‬للمجرمين‭)‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا