نزلت اللُغة على منازل، أو دَعنا نَقُل إن كُلّ طبقة من الناس سكنوا منزلاً، واتخذوهُ مسلكاً ومنهجاً في كتابة النص، بالإضافة إلى قراءةِ ما يُناسبهم من نصوص تشابِههم فكرياً ولغوياً. ومع الوقت استخدموا هذا المنزل في كتابةِ نصوصهم وتدويناتهم من القصائد والعقائد والكتابات في شتى جوانب العلوم والفنون.
وكُلُّ طبقة بشرية ذات فكرٍ وثقافة استخدمت اللغة بحسبِ مدى ثقافتها واطلاعها وانغماسها في العلوم والآداب، وهذا ما أُسميهِ المنزل اللغوي وهو النوع الذي استخدمتهُ هذهِ الطبقة من الناس في الكتابة وتكوين نصها الخاص بها.
على سبيل المثال الصوفية في كتابةِ قصائدهم ومؤلفاتهم وحتى تفاسيرهم القرآنية، وكما يعرف الجميع أن الصوفية امتازوا باللغة المُشبعة بالرموز والإشارات. فقد يكون اللفظ شيء والمعنى شيءٌ آخر تماماً، ولا يحملُ مُشتركاً لفظيا، على سبيل المثال في المنطق هناك مجاز وهناكَ حقيقة. ومثالاً: -العين- التي تشترك معها في اللفظ معانٍ عدة، فهناك العينُ الباصرة وهناك العينُ المائية وهناك العين الجاسوس.
ولكن عندَ الصوفية تختلف الالفاظُ عن المعاني وتختلف حتى في درجةِ الدلالة، فليلى وسلمى ولُبنى وسعاد في القصيدة اسماء تُشير إلى نساء، ولكن في الفِكر الصوفي ما هذهِ الأسماء إلا تجليات تحمل معاني بعيدة عن الاسم، فقد تأتي تارة بمعنى النفس أو الدنيا أو الحضرة الصوفية أو القدرة الإلهية أو الإشارة صراحةً إلى ذاتِ ذو الجلالة «الله» بشكلِ مُتوارٍ. وفي جميعِ الأحوال لا يُمكن اصطيادُ المعنى الدقيق الذي يُشيرُ إليه الشاعر الصوفي في قصيدتهِ مهما حاول الناقد الأدبي تفكيك المعنى ومُقارنتهِ بالسياقِ وما شابه للاهتداء لشيء معين.
وفي كتاب الله -القرآن المجيد- استخدم الله الحروف المُتقطعة لإيصال اشارات ورسائل، ولكن هذهِ الحروف بقيت غائبةِ المعنى، ولم يتوصل إلى معناها أحد بشكلٍ دقيق، مثل- يس، طه، طس، ألم - وغيرها. ويقولُ بعضُ المفسرينَ إنها شفرات وأسرار بين الحبيب والمحبوب، أي بينَ الله وحبيبهِ محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.
وعلى هذا سنصل إلى ان استخدام التعبير الرمزي في القصائد الحديثة أو المعاني المُغمغةِ المُطلسمةِ لم يأتِ وليدَ الطفرة الحداثية في القصيدة العربية قبل 60 أو 70 عاماً على يدِ شعراءِ التفعيلة مثل محمود درويش وأمل دنقل ونازك الملائكة وبدر شاكر السياب، بل كانت جذورهُ ضاربةً في عُمقِ اللغةِ من قديم العصور. فاللغةُ أقدمُ من الانسان بحسبِ فرضيةِ بعض المُتكلمة الذينَ يقولونَ بأقدميةِ القرآن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك