في دراسة تم التكليف بالقيام بها من قِبَل «المنتدى الاستراتيجي العربي» في دبي بدولة الإمارات للمؤسسة الاستشارية «مجموعة يورو آسيا» eurasiagroup وموقعها نيويورك لحساب «كلفة غياب السلام في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي»؛ وجدت أن الكلفة تُقدر بمقدار تريليون دولار خلال السبعين عامًا الأخيرة من الإنفاق المباشر.
في غياب الحرب، فإن كلفة الفرصة البديلة من النشاط الاقتصادي والاستثمارات تساوي نفس القدر من الإنفاق. وقبل الحرب الحالية أي حرب غزة الخامسة، فإن عدد الضحايا من العرب والفلسطينيين منذ 1948 كان أكثر من 105 آلاف، بينما كانت من الإسرائيليين 25 ألفًا تقريبًا.
ثمن السلام المفقود مُعْتَبر يصل إلى 1.7 تريليون دولار خلال عشر سنوات من الفوائد المباشرة من زيادة النشاط الاقتصادي الذي ينتجه التكامل الاقتصادي الإقليمي. خارج الدراسة فإن الخسائر الاستراتيجية وغير الاقتصادية غير قابلة للحساب.
الواضح حتى الآن أن السلام لا يزال بعيدًا منذ العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023؛ وتوسع الحرب إلى الضفة الغربية، وانتشارها الإقليمي على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وكما تسمى الحرب بين الحروب في سوريا، ومشاركة قوات حشد الشعب العراقية والحوثيين في اليمن في البحرين الأحمر والمتوسط. وخلف هذه الجبهات توجد إيران في مواجهات مباشرة وغير مباشرة ومحسوبة مع إسرائيل.
ورغم الأهوال التي تشهدها الحروب الجارية، فإن علينا أن نلحظ أن السلام أيضًا تطور منذ التحول الكبير في الصراع من كونه وجوديًّا تسود فيه المعادلة الصفرية بين الأطراف العربية وإسرائيل إلى صراع غير وجودي بعد حرب أكتوبر 1973.
وبعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 1979، وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق أوسلو مع إسرائيل في 1993، وتبعتها الأردن في وادي عربة على اتفاقية سلام مع إسرائيل في 1994. هنا ينبغي الملاحظة أن خمسة من القادة الذين شاركوا في هذه الاتفاقيات حصلوا على جائزة نوبل للسلام: محمد أنور السادات، ومناحيم بيجين، وياسر عرفات، وإسحق رابين، وشيمون بيريز. وبين هذه الاتفاقيات وما اعتراها من نجاح أو فشل، كانت هناك كثرة من المبادرات والمحاولات للتوصل إلى سلام نهائي وشامل بين العرب والإسرائيليين مثل: مباحثات الحكم الذاتي، مبادرة الملك فهد، ومبادرة السلام العربية، ومفاوضات كامب ديفيد وطابا، وإعلان جنيف، وخريطة الطريق، وجهود اللجنة الرباعية للسلام التي ضمت الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فالحقيقة هي أن البحث من أجل السلام لم يكن أقل إصرارًا ولا أقل جهدًا من الحرب.
ولكن، للأسف، فإن الدراسات عن الحروب العربية - الفلسطينية مع إسرائيل كانت أشد غزارة بكثير من بحوث السلام، ما ولّد شعورًا مستمرًّا بالإحباط لدى الرأي العام الإقليمي والدولي من إمكانيات حل الصراع. كان اليأس دائمًا يتغلب على الفرص التي تجعل السلام ممكنًا حتى بعد حروب مدمرة ودامية.
الحرب الراهنة ليست استثناء، حيث تتنازعها شدة القتال، وكثرة الخسائر، بينما جهود وقف إطلاق النار الممهدة للسلام تبدو بعيدة عن النظر، الأمر في جوهره يتطلب نظرة جديدة ليس فقط على تكرارية الحروب وتتابعها وشدة قسوتها، وإنما أيضًا على أساليب السلام وتوجهاته.
الثابت هو أن تجارب السلام المستقرة السابقة قد جرت أولًا من دول وطنية ملتفة حول قيادتها دون انقسام أو تشتت؛ وثانيًا أنها جرت مباشرة ووجهًا لوجه؛ وثالثًا أن الولايات المتحدة، وإن أيدت جهود السلام من قِبَل طرفيها، فإنها لم يكن لها دور جوهري، وإنما كانت المصالح القومية للدول هي الحاكمة.
في الحالة المقابلة، فإن الانقسام الفلسطيني الذي كان لإسرائيل فيه دور كبير، وأعلنها نتنياهو بصراحة أنه عندما يقدم كل التأييد لحماس في انفصالها عن السلطة الوطنية والضفة الغربية فإنه يكون قد منع الدولة الفلسطينية من الوجود.
وفيما عدا عقد اتفاق تخطيط استغلال حقل الغاز المشترك بين إسرائيل ولبنان مع مباركة من «حزب الله»، فإنه من ناحية أخرى حافظ على الانقسام اللبناني والثلث المعطل لكل قرارات السلطة التنفيذية في اختيار رئيس للدولة واختيار حكومة وعقد انتخابات مجلس النواب حينما يحل وقتها.
الأمر يصدق على الحوثيين في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، والحرس الثوري في سوريا، فلا تعود هناك دولة ولا سلام ولا تنمية ولا رخاء. ما يحدث هو العكس تمامًا أن تصبح دول عربية مقسمة عمليًّا بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، والساحل والداخل، وتكتفي فقط بنضال لا يحرر أرضًا ولا ينهي صراعا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك