العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

السلام الصعب بين روسيا وأوكرانيا

بقلم: د. نبيل العسومي

الأربعاء ٢٥ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬قد‭ ‬بلغت‭ ‬مرحلة‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬التأزيم،‭ ‬حيث‭ ‬تبين‭ ‬للجميع‭ -‬على‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭- ‬صعوبة‭ ‬حسم‭ ‬هذا‭ ‬الصراع‭ ‬عسكريا‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬وصعوبة‭ ‬أيضا‭ ‬تقبل‭ ‬الجهود‭ ‬السلمية‭ ‬عبر‭ ‬المفاوضات‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬ضغطت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬فلاديمير‭ ‬زيلينسكي‭ ‬لرفضه‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليها‭ ‬باتفاق‭ ‬المفاوضين‭ ‬الروس‭ ‬والأوكران‭ ‬في‭ ‬إسطنبول،‭ ‬ولذلك‭ ‬يستمر‭ ‬القتال‭ ‬سجالا‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬حسم‭ ‬نهائي‭ ‬بالطرق‭ ‬العسكرية،‭ ‬وذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬وقوف‭ ‬الناتو‭ ‬بثقله‭ ‬كاملا‭ ‬وراء‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬واستمرار‭ ‬تزويد‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالأسلحة‭ ‬والدعم‭ ‬المالي‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬ودائم‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تشجيعها‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬القتال‭.‬

ونتيجة‭ ‬للكوارث‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تسببت‭ ‬فيها‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬الدامية‭ ‬بين‭ ‬الشعبين‭ ‬الشقيقين‭ ‬الروسي‭ ‬والأوكراني‭ ‬وإلحاق‭ ‬أكبر‭ ‬الأضرار‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬بوجه‭ ‬خاص‭ ‬وبالعديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬لما‭ ‬تسببه‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬المستويات‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬المشكلات‭ ‬المالية‭ ‬والغذائية‭ ‬واللوجستية‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والسلع‭ ‬والصعوبات‭ ‬الناجمة‭ ‬أيضا‭ ‬عن‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬التأمين‭ ‬وعن‭ ‬العقوبات‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬بالآلاف‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬التي‭ ‬ألحقت‭ ‬أضرارا‭ ‬بالأوروبيين‭ ‬وبعدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭.‬

ونتيجة‭ ‬لكل‭ ‬ذلك‭ ‬ونتيجة‭ ‬للضرر‭ ‬البالغ‭ ‬الذي‭ ‬ألحق‭ ‬بالعالم‭ ‬جراء‭ ‬استمرار‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬تحركت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬للوساطة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيقاف‭ ‬هذه‭ ‬المعارك‭ ‬الدامية‭ ‬والجلوس‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬حلول‭ ‬سلمية‭ ‬تضع‭ ‬حدا‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬وتفتح‭ ‬صفحة‭ ‬جديدة‭ ‬ليعود‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬للجميع‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وساطة‭ ‬جمهورية‭ ‬الصين‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬بذلت‭ ‬جهودا‭ ‬كبيرة‭ ‬لإقناع‭ ‬كييف‭ ‬بضرورة‭ ‬الجلوس‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬المفاوضات‭ ‬والزيارات‭ ‬المتعددة‭ ‬التي‭ ‬بين‭ ‬الطرفين،‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬أيضا‭ ‬الوساطة‭ ‬المجرية‭ ‬وكذلك‭ ‬الوساطة‭ ‬البرازيلية‭ ‬والوساطة‭ ‬الهندية‭ ‬ومن‭ ‬قبلها‭ ‬الوساطة‭ ‬التركية‭ ‬وتزايدت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬هذه‭ ‬الوساطات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الغرب‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬هو‭ ‬العائق‭ ‬الرئيسي‭ ‬لوقف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بسبب‭ ‬ضغطه‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬الأوكراني‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬أي‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬مقابل‭ ‬استمرار‭ ‬تزويده‭ ‬بالسلاح‭ ‬والدعم‭ ‬المالي،‭ ‬لأن‭ ‬الهدف‭ ‬الرئيسي‭ ‬للناتو‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬هو‭ ‬إلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬النهائية‭ ‬العسكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬بروسيا‭ ‬الاتحادية،‭ ‬وأن‭ ‬أي‭ ‬مفاوضات‭ ‬سلمية‭ ‬ستكون‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬القوة‭ ‬الروسية‭ ‬الغالبة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬جميع‭ ‬الوساطات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العناصر‭ ‬القومية‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وضغوط‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬لم‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬اختراق‭ ‬حقيقي‭ ‬وذلك‭ ‬لسببين‭:‬

الأول‭: ‬أن‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬قد‭ ‬سبق‭ ‬لها‭ ‬منذ‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للعملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الخاصة‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وتحديدا‭ ‬في‭ ‬مارس‭ ‬2022‭ ‬أن‭ ‬طرحت‭ ‬الحل‭ ‬التفاوضي‭ ‬مع‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬وعقدت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجلسات‭ ‬بين‭ ‬المتفاوضين‭ ‬من‭ ‬مينسك‭ ‬إلى‭ ‬إسطنبول‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬شامل‭ ‬وواضح‭ ‬ووافق‭ ‬عليه‭ ‬الطرفان‭ ‬يقضي‭ ‬بخروج‭ ‬القوات‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬دخلتها‭ ‬وقبول‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بحكم‭ ‬ذات‭ ‬كامل‭ ‬وحقيقي‭ ‬لسكان‭ ‬إقليم‭ ‬الدونباس‭ ‬وضمان‭ ‬حقوق‭ ‬الناطقين‭ ‬بالروسية‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والتزام‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بالحياد‭ ‬التام‭ ‬وعدم‭ ‬انضمام‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬وتحييد‭ ‬الأسلحة‭ ‬الأوكرانية‭.‬

تلك‭ ‬هي‭ ‬أبرز‭ ‬النقاط‭ ‬التي‭ ‬توافق‭ ‬عليها‭ ‬الطرفان‭ ‬وكان‭ ‬يفترض‭ ‬التصديق‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬البلدين‭ ‬لكن‭ ‬الضغط‭ ‬الأطلسي‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬زيلينسكي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق‭ ‬واستمرار‭ ‬الحرب،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قتال‭ ‬استمر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سنتين‭ ‬وادى‭ ‬إلى‭ ‬خسائر‭ ‬مفجعة‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الأوكراني،‭ ‬ولذلك‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬التي‭ ‬ورطت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬مفاوضات‭ ‬سلمية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تغيرت‭ ‬الأوضاع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬لصالح‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬حاولت‭ ‬ذلك‭ ‬عندما‭ ‬نظمت‭ ‬مؤتمر‭ ‬سلام‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬السخرية‭ ‬في‭ ‬جنيف‭ ‬لأنه‭ ‬تم‭ ‬دعوة‭ ‬جميع‭ ‬الحكومات‭ ‬إلا‭ ‬الطرف‭ ‬الروسي‭ ‬فما‭ ‬تحقق‭ ‬ليس‭ ‬دعوة‭ ‬للسلام‭ ‬وإنما‭ ‬دعوة‭ ‬لاستسلام‭ ‬روسيا‭ ‬فقط‭  ‬بالخروج‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الأراضي‭ ‬الأوكرانية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬شبه‭ ‬جزيرة‭ ‬القرم‭ ‬ودفع‭ ‬تعويضات‭ ‬ومحاكمة‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب،‭ ‬وهي‭ ‬مبادرة‭ ‬مضحكة‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬العادة‭ ‬وكأنها‭ ‬عملية‭ ‬حسم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المنتصر‭ ‬في‭ ‬الحرب‭.‬

ثالثا‭: ‬دعا‭ ‬الرئيس‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬وفي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬مبادئ‭ ‬السلام‭ ‬التي‭ ‬اقترحها‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أشهر‭ ‬وتضمنت‭ ‬أفكارا‭ ‬جديدة‭ ‬ومتوازنة‭ ‬وترك‭ ‬باب‭ ‬النقاش‭ ‬فيها‭ ‬مفتوحا‭ ‬وقبل‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬الضغوط‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحلفاء‭ ‬وخاصة‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يدعون‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭  ‬إيقاف‭ ‬هذه‭ ‬الحرب،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬الرد‭ ‬الأوكراني‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬معاكس‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دخول‭ ‬القوات‭ ‬الأوكرانية‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬كورسك‭ ‬الروسية،‭ ‬فكان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬مبادرة‭ ‬السلام‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬أطلقها‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬مما‭ ‬يكرس‭ ‬النظرة‭ ‬التي‭ ‬أصر‭ ‬عليها‭ ‬ومازال‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬وهي‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬أوكراني،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬فرصة‭ ‬السلام‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بعيدة‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬حسم‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬عسكريا‭ ‬أو‭ ‬تغير‭ ‬المعادلات‭ ‬الدولية‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا