من الواضح أن الحرب الروسية الأوكرانية قد بلغت مرحلة متقدمة من التأزيم، حيث تبين للجميع -على ما يبدو- صعوبة حسم هذا الصراع عسكريا حتى الآن على الأقل وصعوبة أيضا تقبل الجهود السلمية عبر المفاوضات منذ أن ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى على الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لرفضه التوقيع على اتفاقية السلام التي تم التوصل إليها باتفاق المفاوضين الروس والأوكران في إسطنبول، ولذلك يستمر القتال سجالا بين الطرفين من دون حسم نهائي بالطرق العسكرية، وذلك نتيجة وقوف الناتو بثقله كاملا وراء الرئيس الأوكراني واستمرار تزويد أوكرانيا بالأسلحة والدعم المالي بشكل كبير ودائم في سبيل تشجيعها على مواصلة القتال.
ونتيجة للكوارث الضخمة التي تسببت فيها هذه الحرب الدامية بين الشعبين الشقيقين الروسي والأوكراني وإلحاق أكبر الأضرار بأوكرانيا بوجه خاص وبالعديد من دول العالم لما تسببه هذه الحرب من مشكلات على جميع المستويات بما في ذلك المشكلات المالية والغذائية واللوجستية وارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع والصعوبات الناجمة أيضا عن ارتفاع أسعار التأمين وعن العقوبات التي تعد بالآلاف ضد روسيا الاتحادية التي ألحقت أضرارا بالأوروبيين وبعدد كبير من الدول الأخرى.
ونتيجة لكل ذلك ونتيجة للضرر البالغ الذي ألحق بالعالم جراء استمرار هذه الحرب تحركت العديد من الدول للوساطة من أجل إيقاف هذه المعارك الدامية والجلوس على طاولة المفاوضات للوصول إلى حلول سلمية تضع حدا لهذه الحرب وتفتح صفحة جديدة ليعود الأمن والسلام للجميع من ذلك وساطة جمهورية الصين الشعبية التي بذلت جهودا كبيرة لإقناع كييف بضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات والزيارات المتعددة التي بين الطرفين، ومن ذلك أيضا الوساطة المجرية وكذلك الوساطة البرازيلية والوساطة الهندية ومن قبلها الوساطة التركية وتزايدت في الآونة الأخيرة هذه الوساطات من خلال الضغط على الغرب لوضع حد لهذه الحرب التي يبدو أن حلف الناتو هو العائق الرئيسي لوقف هذه الحرب بسبب ضغطه على الرئيس الأوكراني حتى لا يقبل أي مفاوضات مع روسيا الاتحادية مقابل استمرار تزويده بالسلاح والدعم المالي، لأن الهدف الرئيسي للناتو من وراء هذه الحرب هو إلحاق الهزيمة النهائية العسكرية والسياسية بروسيا الاتحادية، وأن أي مفاوضات سلمية ستكون في ظل الوضع الراهن في صالح القوة الروسية الغالبة على الأرض.
إلا أن جميع الوساطات في ظل العناصر القومية المتطرفة في أوكرانيا وضغوط دول الناتو لم تتمكن من تحقيق أي اختراق حقيقي وذلك لسببين:
الأول: أن روسيا الاتحادية قد سبق لها منذ الأيام الأولى للعملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا وتحديدا في مارس 2022 أن طرحت الحل التفاوضي مع الأوكرانيين وعقدت العديد من الجلسات بين المتفاوضين من مينسك إلى إسطنبول والوصول إلى اتفاق شامل وواضح ووافق عليه الطرفان يقضي بخروج القوات الروسية من المناطق الأوكرانية التي دخلتها وقبول أوكرانيا بحكم ذات كامل وحقيقي لسكان إقليم الدونباس وضمان حقوق الناطقين بالروسية الثقافية والاجتماعية والإنسانية والتزام أوكرانيا بالحياد التام وعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو وتحييد الأسلحة الأوكرانية.
تلك هي أبرز النقاط التي توافق عليها الطرفان وكان يفترض التصديق عليها من البلدين لكن الضغط الأطلسي على الرئيس زيلينسكي أدى إلى التراجع عن هذا الاتفاق واستمرار الحرب، وما حدث بعد ذلك من قتال استمر أكثر من سنتين وادى إلى خسائر مفجعة خاصة في الجانب الأوكراني، ولذلك من الصعب على دول الناتو التي ورطت أوكرانيا في هذه الحرب أن تدعو إلى مفاوضات سلمية بعد أن تغيرت الأوضاع على الأرض لصالح روسيا الاتحادية وحتى عندما حاولت ذلك عندما نظمت مؤتمر سلام يدعو إلى السخرية في جنيف لأنه تم دعوة جميع الحكومات إلا الطرف الروسي فما تحقق ليس دعوة للسلام وإنما دعوة لاستسلام روسيا فقط بالخروج من جميع الأراضي الأوكرانية بما فيها شبه جزيرة القرم ودفع تعويضات ومحاكمة مجرمي الحرب، وهي مبادرة مضحكة تكون في العادة وكأنها عملية حسم من قبل المنتصر في الحرب.
ثالثا: دعا الرئيس فلاديمير بوتين أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة إلى السلام وكان آخرها مبادئ السلام التي اقترحها قبل عدة أشهر وتضمنت أفكارا جديدة ومتوازنة وترك باب النقاش فيها مفتوحا وقبل الرئيس الروسي الضغوط من قبل الحلفاء وخاصة الذين كانوا يدعون إلى ضرورة إيقاف هذه الحرب، ولكن كان الرد الأوكراني يسير في اتجاه معاكس تماما من خلال دخول القوات الأوكرانية إلى منطقة كورسك الروسية، فكان هذا هو الرد على مبادرة السلام الروسية التي أطلقها الرئيس بوتين مما يكرس النظرة التي أصر عليها ومازال حلف الناتو وهي الحرب على روسيا حتى آخر أوكراني، ولذلك فإن فرصة السلام لا تزال بعيدة إلى حين حسم هذه الحرب عسكريا أو تغير المعادلات الدولية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك