من حسن الحظ أن العلماء بعد عقود طويلة وشاقة من الزمن، وبعد دراسات معمقة ومستفيضة أُجريت في مختلف دول العالم، أجمعوا على بعض العوامل التي تُشكل خطراً مشهوداً وتهديداً لصحة الإنسان، وتُعتبر من الأسباب التي تُسهم في سقوط الإنسان في هذا المرض العضال، وهو السرطان بأنواعه الكثيرة المختلفة.
ولذلك من الضروري التعرف من كثب على جميع عوامل الخطر والتهديد الصحي للإصابة بالسرطان من أجل درء هذا الوباء عن أنفسنا وأهلنا ومجتمعنا، ومنع أجسادنا من الوقوع ضحية وفريسة سهلة لهذا المرض.
ومن الأسباب والعوامل الرئيسة والموثقة التي بيد الإنسان التحكم فيها، والسيطرة عليها، ومنعها كليا من حياته وممارساته وعاداته اليومية هي التدخين، سواء السجائر التقليدية، أو السجائر الإلكترونية، وسواء كانت تحت مسمى الشيشة، أو غير ذلك من المسميات الأخرى الكثيرة. والتدخين كما هو معروف عند الأطباء لا يؤثر في المدخن نفسه فيصيبه بالسرطان، وبالتحديد سرطان الرئة والفم والحنجرة، وإنما يمتد تأثيره في الجالسين والمرافقين مع المدخن، والذي يُطلق عليه بالتدخين القسري، أو التدخين السلبي.
كما أن هناك العامل الثاني المرتبط أيضاً بسلوك الإنسان، والذي بإمكانه أن يتجنبه ويقطعه كلياً من حياته وهو تناول الكحوليات، علماً بأن المجتمع الطبي يؤكد أن هذه المشروبات تسبب عدة أنواع من السرطان منها الكبد، والفم، والبلعوم، والحنجرة، والمريء، والعنق. ومن عوامل الخطر والتهديد الصحي للوقوع في السرطان هو التعود على نمط حياة الكسل والخمول وقلة الحركة، وعدم ممارسة أي نوع من أنواع الرياضة الكثيرة والمتنوعة، أو عدم القيام بأي نشاط جسدي وعضلي بشكلٍ يومي مستدام.
كذلك من الأسباب الأخرى التي بقدرتنا أن نتعود على القيام بها يومياً في حياتنا هو تناول الوجبات الصحية من حيث الكمية والنوعية، إضافة إلى تناول الخضراوات والفواكه الطازجة والألياف، إضافة إلى تجنب استهلاك اللحوم الحمراء والخضراوات المعالجة. ومن العوامل التي بدأت تتفشى في كثير من المجتمعات، وبخاصة بين الأطفال والشباب هو الوزن الزائد المفرط، أو السمنة والبدانة نتيجة لقلة الحركة والنشاط الرياضي وسوء التغذية من الناحيتين النوعية والكمية، والإفراط والإسراف في الأكل والشرب. وعلاوة على ما سبق، هناك التعرض للأشعة فوق البنفسجية سواء من الشمس كمصدر طبيعي لهذه الأشعة الضارة والمسرطنة، أو المصدر الذي من إنتاج وصنع البشر، ومن أخطره تهديداً للصحة هو مصابيح «التانينج» (Tanning) التي يتعرض لها الفرد طواعية وبإرادته الكاملة لتغيير لون جلده وبشرته إلى اللون البرونزي الذهبي، مما يسبب لنفسه مخاطر الإصابة بسرطان الجلد، وبالتحديد النوع الأشد خطورة وهو الميلانوما.
وآخر دراسة طبية سبرت غور هذه القضية الصحية العامة الخاصة بكل إنسان يعيش على سطح الأرض، وتعاني منها كل مجتمعات العالم، نُشرت في 11 يوليو 2024 في مجلة «الجمعية الأمريكية للسرطان» تحت عنوان: «نسبة وعدد حالات السرطان والوفيات التي تُعزى إلى عوامل الخطر المحتملة القابلة للتغيير في الولايات المتحدة في عام 2019». فقد قام هذا البحث بتقييم «عوامل الخطر» التي تؤدي إلى الإصابة بالسرطان، وتُسهم في ارتفاع أعداد المصابين حول العالم. والهدف هو معرفة هذه العوامل الخطرة، ونسبة مساهمة كل منها في احتمال الإصابة بثلاثين نوعاً من أنواع السرطان المعروفة عند المجتمع الطبي. فالتعرف على هذه العوامل تساعد الإنسان على اتخاذ كل الإجراءات والاحتياطات اللازمة لمنع وتجنب السقوط في السرطان والوقاية منه، وحماية الجسم من المعاناة من هذا المرض الخبيث.
وقد شملت عينة الدراسة الشباب الأمريكيين الذين تبلغ أعمارهم 30 عاماً فما فوق في عام 2019، و30 نوعاً من السرطان منها: سرطان تجويف الفم، الحنجرة، المريء، المعدة، القولون والمستقيم، الكبد، الرئة، البنكرياس، تجويف الأنف، الرحم، المبيض، المثانة، الدم، العنق، الثدي، الجلد، الكلية، المخ.
وقد تمخضت عن الدراسة النتائج التالية:
أولاً: قرابة 40% من جميع حالات السرطان، أي 713340 حالة من إجمالي الحالات السرطانية، والتي بلغت 1781649، باستثناء سرطان الجلد غير الميلانوما، و44% من الوفيات من جميع أنواع السرطان، أي 262120 من إجمالي 595737 بين الشباب، كانت لها علاقة بعوامل الخطر التي يستطيع كل إنسان تجنبها والابتعاد عنها. وهذه النتيجة تؤكد أن الإنسان يستطيع وقاية نفسه من هذا المرض إذا تجنب العوامل والمسببات التي ذكرناها سابقاً، أي أن الإنسان إذا غيَّر نمط وأسلوب حياته، وترك العادات والممارسات السيئة غير الصحية وغير السليمة للجسم، فإنه يستطيع تجنب هذا المرض إن شاء الله.
ثانياً: أما بالنسبة إلى أشد العوامل السابقة الذكر خطورة وتهديداً لصحة الإنسان من شر الوقوع في السرطان فهو التدخين بكل أنواعه وصوره ومسمياته، حيث أسهم في 19.3% من حالات السرطان، وتسبب في وفاة 28.5%، ثم في المرتبة الثانية من ناحية المخاطر فقد جاء الوزن المفرط والبدانة والسمنة، حيث تمثل في 7.6% من الحالات، و7.3% من الوفيات. وفي المرتبة الثالثة كانت المشروبات الكحولية، بنسبة 5.4% من حالات السرطان و4.1% من الوفيات.
ثالثاً: أما بالنسبة إلى أكثر حالات السرطان علاقة بعوامل الخطر، فقد كان الأول والأعلى سرطان الرئة من حيث عدد الحالات، حيث بلغت 201660 حالة مرضية، و122740 وفيات، ثم جاء ثانياً سرطان الثدي عند النساء وعدد الحلات 83840 حالة، وثالثاً كان سرطان الجلد (ميلانوما) بـ 82710 حالة، وسرطان القولون والمستقيم 78440 حالة، والوفيات بالنسبة إلى سرطان القولون والمستقيم بلغت 25800 حالة وفاة، والكبد 14720، والمريء 13600 حالة وفاة.
ومثل هذه الدراسة، ودراسات كثيرة أخرى حول أسباب مرض السرطان تَخْلُص إلى عدة استنتاجات، منها أن نسبة معينة من الذين يصابون بالسرطان تكون لأسباب الجينات الوراثية التي تنتقل عبر الأجيال، وأُطلق عليها بالقضاء والقدر، وتقدر بأكثر من 40% من حالات السرطان غير معروفة الأسباب، ونسبة ثانية مرتفعة تصل إلى نحو 50% من حالات السرطان لها علاقة مباشرة بنمط حياة الإنسان، وعاداته اليومية، ونوعية شرابه وغذائه. وهذا الجانب يجب التركيز عليه كثيراً في المجتمع من أجل أن يأخذ كل إنسان بالأسباب والوسائل التي تقيه من السقوط في شر هذا المرض. وفي الوقت نفسه على الجهات الصحية والتعليمية القيام بحملات توعوية مكثفة واسعة النطاق حول عوامل الخطر التي تسبب السرطان، سواء على مستوى المناهج الدراسية، أو وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، أو منظمات المجتمع المدني.
ismail.almadany@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك