زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن العطل والإجازات
فذلكة لغوية: الإجازة هي الإذن، والاستجازة هي طلب طالب العلم من أستاذه، وشيخه أن يجيزه بمسموعاته ومروياته، التي حصل عليها، وأن يأذن له بالنقل عنه، فالطالب مجازٌ له، والأستاذ مجيزٌ. وهي في مجال العمل منح العامل الإذن بـ«عطلة» ليتوقف عن العَمَل، أي أن العطلة هي يوم أو أيام البطالة.
في دول الاتحاد الأوروبي هناك 11 عطلة عامة ثابتة خلال السنة، مما أصاب البريطانيين بعد مغادرة بلادهم للاتحاد الأوروبي بعقدة «التخلف» لأن عدد عطلهم العامة السنوية ثمان فقط، ومن ثم تم تكليف لجنة حكومية لتحديد التوقيت المناسب لعطلة تاسعة على أن تكون ما بين أغسطس وديسمبر لأن الناس يعملون زهاء 111 يوما متصلة (مساكين) ما بين آخر عطلة عامة في أغسطس وعطلة الكريسماس في أواخر ديسمبر. يعني أكثر بلدان العالم رفاها وبحبحة وإنتاجية ترى أنه لا يجوز حمل إنسان على العمل لأكثر من شهرين متصلين، وفي المقابل فإن معظم الدول العربية لا تعرف سوى عطلة عيدي الفطر والأضحى، و.... ربما اليوم الوطني (وغالبا ما يكون يوم الاستقلال)، ولكن في البلدان المحكومة بأنظمة عسكرية انقلابية يكون هناك «عيد الثورة».
يعني الفضل في تمتع معظم المواطنين العرب بيوم عطلة في غير العيدين يعود إلى الاستعمار، فلولا أنه حكم بلداننا، ثم تركها، لما صار يوم الاستقلال عطلة عامة. وفي جميع دول العالم المنتجة يحترمون حقوق العاملين ويفتعلون المناسبات ويجعلون من وقائع عامة ووطنية «حجة» لمنح الناس بضعة أيام من الراحة مدفوعة الأجر، فالمسألة لا تتعلق فقط بأن الإجازات تجدد النشاط وتكسر رتابة الحياة العملية، بل بأن الناس بحاجة إلى وقت فراغ يكرسونه لتعزيز وتمتين الحياة العائلية، وفي زماننا هذا صار هناك عدد كبير من الناس لا يتسنى لهم قط تناول وجبة مع بقية أفراد العائلة إلا في عطلة نهاية الأسبوع، وحتى هذه العطلة قد لا تسمح للكثيرين بالاندماج في برنامج منزلي عائلي لأن هناك مجاملات «واجبة» تستنزفها: فتقديم العزاء لفلان الذي توفي أبوه يوم الثلاثاء، وزيارة علان في المستشفى الذي دخله قبل خمسة أيام وفحص السيارة لدى الميكانيكي... إلخ، كلها يجب أن تتم (عندنا) ما بين الخميس والسبت. وأرباب العمل والحكومات عندنا يعتقدون أن الإجازات «دلع ع الفاضي» ومضيعة للوقت والإنتاج.. أي إنتاج وأي بطيخ الله يهديكم؟
دراسة نشرتها الصحف السعودية قبل بضع سنوات قالت إن متوسط ساعات العمل اليومي الفعلية للموظف لا يتجاوز الساعتين. وهذا الرقم غير دقيق لأنه يحسب بنفس الطريقة التي يحسب بها متوسط دخل الفرد، فإذا قالوا إن متوسط دخل الفرد في بلد عربي ما 3 آلاف دولار في السنة فإن هذا لا ينفي أن دخل الفرد الفعلي لأكثر من نصف سكان ذلك البلد لا يزيد على 300 دولار في السنة، بينما هناك بضعة آلاف في نفس البلد يبلغ دخلهم الشهري أكثر من 300000 دولار، (في أمريكا مثلا يحوز 10% من السكان 90% من ثروات البلاد)، وفي بيئات العمل هناك عشرة أشخاص بين كل مائة يعملون بجدّ نحو ست ساعات يوميا، بينما التسعون الآخرون موظفون ترانزيت يدخلون ويخرجون دون «إقامة» في مكان العمل. وعند حساب المتوسط نجمع جهد المجتهدين مع «جهد» الخاملين ونوزعه عليهم بالتساوي! وأقول بكل ثقة إن خفض ساعات العمل من 8 إلى 6 ساعات يوميا قد يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وخاصة في القطاع الحكومي، فتطويل ساعات العمل يغري بالتسيب، وتأجيل عمل السابعة من صباح الأحد إلى الثانية من بعد ظهر يوم الثلاثاء المقبل!
وقد يعتبر البعض شططا في قولي إن منح العاملين عطلا عامة عديدة خلال السنة حق أساسي من حقوق العمل التي هي من حقوق الإنسان، ولكن ممارسة هذا الحق لا تهدد الأمن العام أو الوحدة الوطنية، ولن تؤخر استقلال فلسطين، فلماذا تحرموننا منه؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك