متابعة: زينب علي البحراني
لا يزدهرُ مُستقبَل أرضٍ إلا بمُنجزات الحاضِر التي تغترف من نجاح تجارب الماضي، ولا يستمر صعود الحضارات إلا باستمرار تدفُّق الفِكر الذي يُذكّر بأبرز اللمحات المُضيئة في عصور البُلدان، وحينَ تتضافر جهود الأفراد ودعم المؤسَّسات لتعزيز دور فاعل في تحقيق هذا النوع من الأهداف السامية؛ تتجلَّى الآمال المُتفائِلة بانتعاش الوعي الجماهيري تجاه تفاصيل قيّمة قادرة المُساهمة في تنشيط اتساع مدارك المُتلقّي ورفع مستوى ذائقته الفنيَّة ومخزون معلوماته التاريخيَّة، وهو ما أبدعهُ التعاون بين الفنان والباحث التاريخي البحريني «محمود عبدالصاحب البقلاوة» وفُندق «داون تاون روتانا – المنامة» عند تقديم «ورشة العلامات الرمزية الدلمونيَّة» – لجَمعٍ من المُهتمينَ – بصُحبة معرضٍ فني تشكيلي يُسلط الضوء على ذاك الجانِب المُضيء من حضارة دِلمون الخالِدة.
عبرَ ورشة «العلامات الرمزية الدلمونيَّة» أوضحَ الفنان محمود البقلاوة جوانب قيّمة من حضارة دِلمون التي عُرِفَت خلال الألفيَّة الثالِثة قبل الميلاد باسم «أرض الخلود»، وأشارَ إلى أن نظام العلامات الرمزية الدلمونية قد تم تطويره في تلك الحضارة المُفعمة بالحيويَّة المُجتمعيَّة والدينيَّة والتجاريَّة بين عامي 1500 – 1950 قبل الميلاد بعد أن تم اشتقاقها من حضارة وادي السند، وهي رموز اتصاليَّة تم اكتشافها على الأختام والمنقوشات الحجريَّة والأواني الفخاريَّة، وبالنظر إلى تلك الرموز نراها مُقتبسة من موضوعات شتَّى ذات صلة وثيقة بالواقع المحلّي مثل: أغصان شجار النخيل، المذابِح، المعابِد، الأهلَّة والشمس والنجوم.. مع التأكيد على أن تلك الرموز كانت ثقافة حصريَّة بمؤسسة المعبد وبعض الشخصيات المهمة في المُجتمع المدني الدلموني خلال تلك المرحلة الزمنيَّة، وقدَّم المُحاضِر 35 رمزًا دِلمونيًا وما يُقابلها من العلامات الصوتيَّة باللاتينيَّة، ما يُساعد على فك شفرة بعض النصوص القادمة من ذاك الزمان، ومن ثم اكتشاف ما كان يدور من هموم وشؤونٍ وشجونٍ في فِكرِ انسان تلكَ الأيَّام، واختُتمت الفعاليات العملية للورشة بتدرُّب الحاضرين على نقش الرموز فوق ألواح طينيَّة مُحاكاة لتجربة الإنسان القديم الذي ابتدعَ تلكَ الرموز وكتبها، قبل أن يستمتعوا بالتجوال بين 37 لوحة تُركز على الموضوع ذاته من لوحات معرض الفنان المُقام في بهو الفندق، مُذكرة المُتلقين بإبداع الفنان البحريني الذي كان يعكس أفكاره ومُعتقداته وخُلاصة مشاعره على جُدران المعابد القديمة في عصورٍ مضَت.
إن «داون تاون روتانا» باحتضانه هذا النوع من الفعاليَّات الفنية والثقافيَّة يؤكد حرصهُ على دعم المعرفة الجادَّة والقِيَم العُليا التي تهتم بالإنسان ككيانٍ عظيم أهم من كونه من مُجرَّد «سِلعة» أو لُعبة من ألعاب طُغيان النظام الرأسمالي، فالورشة أُقيمت مجانًا دون أن يُطالَب الحاضرين برسوم ماديَّة مع أن الإدارة القائمة على تنظيمها اختارت قاعةً فخمةً شاسعةً تليق باسم الفندق ومكانة المُحاضِر، وحرِصَت على توفير مُترجمٍ فوري من العربيَّة إلى الإنجليزيَّة لتيسير وصول المعلومة للجميع، وقدَّمت للحاضرينَ الذين قارب تعدادهم الخمسين ضيافةً مجانيَّة بمستوى خمس نجوم، وهي لفتةٌ تستحق التقدير والإكبار بالنظر إلى أن فنادق الخمس نجوم غالبًا ما تستقطب الفعاليَّات التجاريَّة ذات العائد المادي المُرتفع لتتمكن من تغطية تكاليفها التشغيليَّة العالية، ما يُشير إلى أن القائمين على هذا المكان يمتازون بحرصٍ حقيقي على تأدية دورهم المُجتمعي بصدقٍ وإيمانٍ حقيقي برسالتهم تجاه الفن والجمال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك