الدخول في عوالم وتلاطم أمواج المجموعة القصصية «ورد الغريب» للقاصة أمل عبدالوهاب، الصادرة أبريل العام 2023 عن دار أفكار للثقافة والنشر، الحاملة بين طياتها14 قصة قصيرة، بإهداء تقدم المجموعة: «إلى فريد رمضان.. رمشاً يتساقط وجداً» صمم غلافها الروائي جمال الخياط والإخراج والتنضيد الفني أفكار للثقافة والنشر.
مجموعة حملت بين أوراقها معاني إنسانية احتضنتها الكاتبة أمل عبد الوهاب لتشير ناحية البعد النفسي وتصادمات الحياة بين خيال متقن واشتغالات فنية واضحة بين قصص المجموعة، تضع نفسها في هالةٍ من الواقع الممزوج بنكهة الخيال، فإسقاطاتها رُصدت كسيكولوجية تداعبها رياح النسيم وخطوات الهوينا، لتتحدث عن نفسها وتنقل لنا ألماً يضج منه سكان العالم الآخر قبل روحنا التي تكتظ كهدير الماء في النهر الجاري.
أول العتب نبدأها بعتبة عنوان المجموعة «ورد الغريب» التي تقلب كقارئ صفحات المجموعة القصصية بإحساس المكتشف أو الفاحص لمَ تحويه القصص من اشتغالات فنية حرصت الكاتبة على العمل عليها، ضمن مونولوج داخلي، أثارت فيه الكاتبة إحساسها بفيض إنساني وغربة طوت بين أحلامها ذلك الحنين الجارف نحو الحياة والخوف من الفقد.
فجاء العنوان ليشير نحو تلك الغربة التي انشغلت بها الكاتبة، فجاء العنوان «ورد الغريب»، فحينما ربطت الكاتبة نفسها بعنوان مجموعتها (بالغربة)، فلم يكن العنوان فقط مأخوذاً من إحدى القصص التي يحتويها الكتاب في جنبيه، بل كان شاملاً لمحطات برزت في سطور الغالبية من قصصها، فإن المنولوج الداخلي التي أبرزته أمل عبد الوهاب عن طريق استيطان روح الشخصية الرئيسية من خلال التكلم بلسانها وطرح إيقاعات الألم الداخلي، نرى أن فقد الوالدين والأصدقاء سواء كان روحيا أو جسديا في غالب القصص قد ربط بالغربة، فمعطيات القص الذي سرت به أمل في المجموعة القصصية صار كالغربة الروحية المصاهرة لواقع لا يتعايش مع شخصياته، وهذا ما يقودنا إلى سؤال، (لماذا طغت على المجموعة القصصية هذا الجانب السوداوي؟)، كقولها: «جلست نهارُ القرفصاء عند قبر أبيها تتلو ما تحفظه من سورة يس» (الواقعة)، «حين عدت في أحد الأيام من المدرسة؛ كي أجد بيتنا يعجّ بالنسوة المتشحات بالسواد، يولولن، ويبكين أمي وأبي الذين توفيا إثر حادث دهس..» (إبراهيم وأنا).
فجميع القصص في المجموعة وكأنها اختيرت بعناية خاصة، وكأن أمل عبد الوهاب تخيط جراحها بواقع الألم في شخصياتها في المجموعة، ولعل ذلك بوفاة من عاشرته حباً ومسكناً روحياً لها الروائي والسيناريست والمنتج السينمائي فريد رمضان.
تتخطى الرسائل لتخرج من حدود كل دار من ديار شخصيات القصص لتحوم حول الشخصية الواقعية، فأسدلت أمل ستار مجموعتها القصصية بطغيان الأسلوب الوصفي والتشبيهي على القصص محتوية بذلك الأسلوب السردي، فهذا الجانب التشبيهي والوصفي قد برز كوضوح الشمس في ظهيرة النهار، مما أتاح فرصة ضئيلة لإظهار الأسلوب السردي نفسه في قالب القصص المتشح بكمية التشبيهات، فدخول الكاتبة لهذا المدخل قد يكون من أجل تجلي الصور الفنية في القصة ولكن في الوقت ذاته أدخلها في دهاليز قد أفقدت بعض القصص بريق فكرتها، وهذا أيضاً ما جعل من القصص أن تفقد واقعيتها بكثرة التشبيهات، خصوصاً الترداد منها! فحصر الكاتبة نفسها في قوقعة من التشبيهات والصفات المتكررة والذي قد أظهر بأن أمل عبد الوهاب قد افتقدت شيئا من الخيال والفكر الجديد، وهذا ما لا نعرفه عنها..، وفي جانب آخر من تكرارها لبعض تشبيهاتها كان من الإبداع الفني وذلك بمحاكاة الامتداد اللانهائي للكون، «سار مبتعداً عن الحشود قليلاً، وأنا أتبعه بحبور خيل حرة» (أيام الله)، «في أحد الأيام وأنا وسط البحر أنتظر غنيمتي، رأيت جنية بارعة الحسن، ريانة القد، شعرها خيول لا تعرف انحدارات الصهيل» (بين البحرين)، «كان يتمتع بصحة حصان، بل عدة أحصنة، برغم أنه يدخن باستمرار حتى وهو نائم» (وهد)، فكثرة استعمالها للخيل في التشبيهات قد ربطها بعلاقة حميمية مع هذا الثدي من الثديات، هذا غير أنها ربطت الكثير من المشبهات بتشبيهات الحيوانات، مما فتح فصلاً جديداً بارتباط الكاتبة بعالم الحيوان والطبيعة.
نعود إلى ما ضممته وبدأت به في عنواني لهذه القراءة، «إنسانيات.. من الفنتازيا إلى الواقع»، ففي بداية المجموعة القصصية قد بدأت أمل عبد الوهاب رحلتها بقصص الفنتازيا، حيث نقلت الكاتبة عقل القارئ لعوالم لا أثر لها في الحقيقة وفي الوقت ذاته هي حقيقة بينة!، فارتحالها لعالم الأموات والأحلام كان مربوطاً بحلقة من الحقيقية والواقع، فكونها في الدنيا ثم دخولها لرحاب البرزخ في البداية ثم خروجها بعد ذلك لتصبح نتيجته حلماً ما كان إلا تنفساً لواقع قاسٍ عاشته الكاتبة، فالضغوط النفسية هي من تولد تلك الأضغاث من الأحلام، وبذلك قد انتقلت أمل بقصصها من هذا الرحاب إلى عالم الدنيا في القصص التي توسطت جنبات المجموعة القصصية.
«ورد الغريب» عنوانا في حبكته تجلت معاني الإنسانية والسمو بالذات، حيث تمددت هذه المعاني من بداية المجموعة القصصية حتى نهايتها، فلم تكن هناك عقدة إلا ولها حل ما عدا بعض القصص التي شذت عن هذا المسلك فكانت بخاتمة مفتوحة، وهذا ما اتقنته وأبدعت به الكاتبة أمل عبد الوهاب بانتشال الحل وجعل القارئ هو من يرمي حبر قلمه لإكمال الخاتمة.
الكاتبة أمل عبد الوهاب لم يكن وليدها محل الوصف بالترهات، فكان جليا أن يكون حاويا للغة الأقلام المثقفة، ومشعلاً لأنوار المنائر في غسق الليل ودجاه.
ومن الجدير ذكره إن القاصة أمل عبد الوهاب هي زوجة الروائي الراحل الباقي فريد رمضان، الذي غادرنا تاركاً فينا اندهاش الأعمى من رؤية الضوء.
صدر لها قبل هذه المجموعة عن دار مسعى للنشر والتوزيع مجموعة بعنوان «وقت ليس لي» وذلك في عام 2017م.
r.alstrawi10@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك