زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
خذوا حب اللغة من نوبي
أقف لليوم السادس على التوالي منافحا عن اللغة العربية، ليس بوصفي ممسكا بقرونها، بل معتزا بأنها لم تكن لساني الأم، وتم تلقيني إياها بالقطارة والعصا في المدرسة، وهكذا وإن لم أكن عربي الهوية (العرقية) فإنني عربي الهوى، واعتز بأنني أكسب قوتي وقوت عائلتي من استخدامها بموازاة اللغة الإنجليزية، ومن ثم استاء كثيرا وأنا المس نفورا من العربية من بعض جيل الشباب العربي، في وقت تتمدد فيه اللغة الإنجليزية في كل القارات.
وأنت تقرأ هذه السطور، هناك مليار شخص يدرسون اللغة الإنجليزية في مختلف أنحاء العالم، بينما يبلغ عدد من يستخدمون الإنجليزية لتسيير أعمالهم في هذه اللحظة زهاء 950 مليون شخص، وتسهم الكتب وأشرطة الفيديو والأفلام الإنجليزية بخمسة مليارات من الجنيهات الاسترلينية في الاقتصاد البريطاني، وتبلغ حصة المواد التعليمية وحدها نحو مليار ومائتي مليون جنيه، من النوع الذي تزينه صورة الملكة اليزابيث الثانية.
كل ذلك حدا بالحكومة البريطانية إلى زيادة مخصصات المجلس الثقافي البريطاني، ليكثف من حملاته لتدريس الإنجليزية، بحيث تصبح لغة قطاع الأعمال عالمياً بلا منازع، وخاصة أن ظهور الإنترنت جعل تلك اللغة الأداة الرئيسة لنقل وتبادل المعلومات والمراسلات. أما الولايات المتحدة، فإن عائداتها من المواد الترفيهية باللغة الإنجليزية، تبلغ تريليونات الدولارات سنويا، وكم من فيلم أمريكي كانت عائداته مليار دولار في اليوم الأول لعرضه، وتكسب مطربة مثل بيونسي ناولز من «شريط» واحد، أكثر مما تجنيه سبع دول عربية من المستحقة للزكاة، من صادراتها في سنة كاملة، ويعتقد البعض خطأ أن الشباب العربي يبذل المال الكثير للاستماع للعجرمية واختها في الـ«*****» هيفاء بنت وهبي، في حين أن حقيقة الأمر، هي أن شبابنا معجبون بتضاريس كل مطربة تستخدم معظم أعضاء جسمها، لشد الانتباه، وليس بأصواتهن، ومن ثم يتابعون «إنتاجهن» على يوتيوب في الإنترنت، بعقلية «سمع وشوف»، وبلا مقابل.
والشاهد هو أن سدنة اللغة الإنجليزية، يستخدمونها لإنتاج مواد تشد الشعوب الناطقة بلغات أخرى وتشجعها على تعلمها، وبالمقابل تقوم وزارات التربية العربية، بجهد ضخم لتنفير الطلاب من اللغة العربية، بحشو مناهج العربية بمواد سخيفة ثقيلة على القلب، أكثر من نصفها ينضح بالنفاق ومسح الأجواخ للحاكمين بأمرهم، بحيث تصبح خطبهم هي النبع الذي يستقي منه الطلاب أصول التعبير والبلاغة، وقواعد النحو. ويحلو لكثير من الحكومات العربية التبجح بتعريب المناهج الدراسية، مع أن كل ما في الأمر، هو أن المقررات الأكاديمية مكتوبة بلغة عربية فصيحة، ولكن التدريس يتم باللغة العامية الدارجة: نحط الخلطة ع نار هادية وايش راح يصير؟ وأبو ضبي عاصمة الإمارات والغاهرة عاصمة مصر. والسلفر لونه أصفر، ما يدوبش في الميه وما ينجذبش بالمغنطيس
ويوكل تدريس مناهج اللغة العربية على وجه الخصوص، لأناس بلا حافز ولا دافع، فمدرس اللغة العربية، أقل مرتبة في نظر مسؤولي التعليم من مدرسي بقية المواد، ولا يحلم بالترقية إلا بعد أن يشيب الغراب، ويكون هو وقتها قد شاب وأصيب بالقرف، والخرف، الذي هو علة تصيب المدرسين في سن مبكرة، والدليل القاطع على ذلك هو أنني بدأت حياتي المهنية مدرساً!!!!!
وما من أب أو أم في العالم العربي، إلا وأصابه هوس تعليم أبنائه وبناته الإنجليزية، وذلك عين العقل لأنها لغة أساسية للمعارف والعلوم، ولكن أن يسعى إنسان لإجادة لغة أجنبية بينما إلمامه بلسانه الأصلي، مثل إلمام فيفي عبده بموقع سيناء في الخريطة، فهذا عيب ونقيصة. أقول هذا وأنا أعرف أنني لا أجيد العربية كما أتمنى، لأنها لغة مفخخة فما إن تقول أو تكتب شيئاً حتى ينبري لك أحدهم صائحاً: قل كذا ولا تقل كذا! وكتبت مرارا هنا في أخبار الخليج أن عذري في عدم إجادة العربية كما اشتهيتها هو أنني نوبي أعجمي، تعلمت العربية في المدرسة، في زمان كان يتم فيه تدريس المناهج كافة في السودان بالإنجليزية، ثم عشقتها وعشقتني و«عشق ناقتها بعيري»، ولو جاءت مقالتي هنا خلواً من الأخطاء فالشكر في ذلك بعد الله للمدقق اللغوي الذي مهمته تحويل فسيخ الكُتَّاب إلى شربات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك