زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
بنطلون حيواني للألماني
الإنفاق البذخي لا يعني فقط إنفاق مبالغ ضخمة في مجالات السيارات أو البيوت الفخمة أو الأثاث أو الملابس، فقط من باب «شوفوني» وليس لأن الضرورة اقتضت ذلك، فمن لا حيلة له في الحياة سوى الراتب الشهري، ثم ينفق ما يعادل راتب شهر كامل على بلوزة او جاكيت، فهو مبذر متلاف، بل ان محدود الدخل ومقدود الجيب الذي يدخن التبغ الفرجيني مبذر أشِر. الغريب في الأمر ان الأغنياء الذين بنوا ثرواتهم بالكد والجد والاجتهاد غير ميالين للإنفاق التفاخري، ربما لأن عيونهم «مليانة»، وربما لأنهم يعرفون قيمة المال لأنهم –أو معظمهم– عانى كثيرا حتى جمع ثروته، وخير مثال على ذلك الملياردير السعودي الراجحي، الذي مؤسساته تضم عشرات الآلاف من الموظفين، وكان يمر بشركاته فيحسبه الناس «طالب وظيفة»، لبساطة هندامه، فقد كان شديد النفور من العنطزة والفخفخة، وكان أبعد الناس عن البخل بدليل أنه أوقف مليارات الدولارات لصالح المشاريع الخيرية، من بينها واحدة من أكبر شركات الدواجن في العالم العربي.
وما حملني على الخوض في هذا الموضوع هو خبر قرأه الناس في كل أنحاء العالم عن شركة نمساوية أنتجت بنطلونا واحدا وباعته. البنطلون غير عادي، ومصنوع من جلود الأغنام والغزلان و... الخنازير.. وبالمناسبة فإن النفور من الخنزير أمر عام، ولا يقتصر علينا نحن لكوننا نعتبره نجسا. أقذع شتيمة توجه إليك بالإنجليزية هي وصفك بأنك خنزير؛ لأنها تعني «قذر ونتن ونهم وشره ومعفِّن». هناك أمر آخر يميز هذا البنطلون وجعل شركة شهيرة تكتفي بإنتاج عينة/قطعة واحدة منه، ألا وهو أن به أكثر من 160 قطعة ماس (ألماظ) مثبتة بقطع وخيوط ذهبية. ومن ثم فليس مستغربا ان يكون سعر هذا البنطلون 166 ألف دولار.. وأتذكر جيدا كيف تباهيت في أكثر من مقال هنا بامتلاكي 14 بدلة كاملة (فُل سوت)، ثم قلت إن قيمتها مجتمعة كانت نحو خمسمائة (500) دولار، لأنني اشتريتها من بلد كانت الاشتراكية فيه لم تلفظ أنفاسها بعد (تشيكوسلوفاكيا). ووجد ذلك البنطلون المصنوع من جلود الحيوانات من يشتريه، وهو على وجه التحديد ألماني يقيم في إمارة دبي.
لو كنت مقيما في دبي لتعلمت كذا جملة شتيمة بالألمانية، ثم بحثت عن هذا الألماني لأطلقها في وجهه: شيخن بيخن أخ توف (بالمناسبة، هذه الجملة مفبركة ولكن عموما لا يمكنك ان تنطق بجملة بالألمانية من دون أن يتطاير اللعاب من فمك في وجه من تخاطبه)، ليس ذلك لأنني «حاقد» أو حاسد لأنه أنفق على بنطلون واحد ما يعادل قيمة سيارتي وأثاث بيتي وملابس جميع أفراد أسرتي الممتدة منذ عهد كافور، ونظاراتي الـ11 (لا أتخلص من نظاراتي الطبية القديمة خوفا من الظروف التي قد تضطرني إلى استخدام واحدة منها قديمة. ورغم هذا يقول طبيب العيون إنني أعاني من قصر النظر. في حين ان احتفاظي بالنظارات الأثرية دليل على بعد النظر. شوفوا حال السوق الآن وانظروا كيف صار سعر سندويتش الفول اليوم أعلى من سعر سندويتش الشاورما قبل سنة. وقد قلت مرارا إن هناك نقطة صغيرة تفصل بين الغني والغبي. حركة كدا وللا كدا من إصبعك قد تجعل الغني «غبي»! والألماني هذا بالتأكيد ليس غنيا وإلا لما كان يعمل بعيدا عن وطنه، في دبي، بل هو من ذوي النزعات الاستعراضية. إذن فإنني لا أظلمه لو وضعت النقطة «تحت» بدلا من «فوق» في الحرف الذي يلي الغين في «غني». ولو كنت مقيما في دبي لتحرشت به كما يفعل النشالون وانتزعت كم فص ألماس من بنطلونه الخنزيري لأصبح غنيا بالنون وليس بالبون كما قال سرحان عبدالبصير!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك