زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ابسطوا وجوهكم
كتبت هنا قبل أيام قليلة عن الابتسامة النابعة من القلب والتي تشرح الصدر، وعن الابتسامة المتكلفة التي يتم تدريب بعض الناس عليها كأحد فنون التعامل مع الجمهور، ولكن الوجه المتزين بابتسامة متكلفة يريح الآخرين أكثر من الوجه البلاطي الذي لا تعبير فيه أو الوجه المتجهم.
تفيد نتائج الدراسة التي أجرتها جامعة نورث وسترن في شيكاغو بالولايات المتحدة، بأن ذوي الشخصيات العصبية أو المتغطرسة أو الانطوائية أكثر عرضة من غيرهم لأمراض القلب والأوعية الدموية، وأخذا في الاعتبار أن مجلة سِجِل الأوبئة «أنالز أوف إبيدومولوجي Annals of Epidemology»، التي نشرت تلك النتائج، من أكثر الدوريات رصانة ومنهجية، وأن الدراسة استغرقت 50 سنة. تأسيسا على كل ذلك، يمكن القول إن أخذ الأمور ببساطة ومعاملة الناس بالحسنى، ومخاطبتهم بالقول اللين اللطيف منجاة من الكثير من الأمراض القاتلة. وليس هذا استنتاجا من عندي بل إن أي طبيب مبتدئ سيقول لك إن الشد العصبي والتوتر يؤديان الى ارتفاع في ضربات القلب وضغط الدم الشرياني ومعدلات هرمونات التوتر (الكورتيزول. وهو غير الكورتيزون الذي هو مادة ينتجها الجسم بشكل طبيعي، لكن الإفراط في انتاجها يسبب الكثير من الأمراض، والتي تشمل الارتباك، الأرق، صداع الرأس، الغثيان، التقيؤ، مشاكل الجلد وحب الشباب، التعرق الشديد وزيادة الوزن وهو عقار طبي يستخدم لعلاج الآلام وغيرها). وتقول نفس الدراسة إن الشخص الانطوائي الذي يتفادى مخالطة الناس، وليس لديه أصدقاء يكون معرضا لنفس مخاطر ذوي الشخصيات الانفعالية المتوترة والعصبية. وبإمكان أي واحد منا أن يلاحظ أن الانطوائيين يميلون إلى الهدوء تجنبا للتعامل مع الآخرين، ولهذا تكون ردود أفعالهم مبالغا فيها إزاء أمور عادية. مثلا يكون مثل هذا الشخص جالسا بين زملائه في المكتب ويسقط كوب زجاجي وينكسر، فتجده قد قفز إلى أعلى، وكأن أحدهم فجَّر سلاحا للدمار الشامل أخفاه صدام حسين في المكتب حتى لا يقع في يد جورج بوش. أو يفجر أبو محمد إحدى ضحكاته المدوية العابرة للقارات فتنتقل العدوى إلى بقية الزملاء ما عدا الأستاذ الانطوائي الذي يعتبر الضحك تعديا على المياه الإقليمية لأذنه الوسطى، ويغلي من الغيظ ولكنه يكتمه. وشخصيا فإنني أعاني كثيرا من النظرات والكلمات الاستنكارية كلما عطست، لأن عطساتي من النوع الزلزالي: إتشششش بوووم... ويكون ذلك ثلاث مرات متتالية فيحسب من هم حولي أنني أعاني من انفلونزا البعير والحمير، وقد حاولت مجاراة الخواجات بكتم العطسة بحيث تخرج وكأنها حشرجة، فأصبت باختناق، وبعدها قررت التمتع بحرية العطس حتى لو حسب زميل انطوائي لي في العمل أنني من تنظيم القاعدة.
فكر في زيد أو عبيد. لماذا هو دائما كالسيارة المفخخة تفخيخا سيئا ينفجر عند ملامسته لأي شيء، ويسبب أذى لأناس لا يريدون له إلا الخير؟ لماذا هناك دائما قوم جباههم معقودة ومليئة بالمطبات من فرط التكشير المتواصل؟ لماذا لا يمكن ان تقابل خالتك من دون ان تجدها تشكو من كل أمراض الدنيا وتقول إنها تعاني مرض القلب، «ولكن الدكتور اللي ما يفهم قال لي عندك حموضة وغازات من عسر الهضم»، أجب على السؤال الذي طرحه عليك الشاعر إيليا أبو ماضي: هشت لك الدنيا فما لك باكيا/ وتبسمت فعلام لا تتبسم؟ ما عندك فلوس ولهذا لم تسافر خلال الصيف؟ يا عزيزي أنت تقوم برحلة طويلة حول الشمس على مدار اليوم والسنة مجاناً. قسط السيارة صار مستحقا؟ صح، ولكن هل النرفزة والتوتر سيوفران لك مبلغ القسط؟ لماذا تجعل الهم الواحد همين؟ الدراسة آنفة الذكر تقول ان الزواج وإحاطة النفس بالأصدقاء خير وسيلة لمكافحة التوتر والقلق، لأنه ما من إنسان مهما علا مقامه الاجتماعي لا يحتاج إلى رفقة طيبة. أكرر طيبة. فلا خير في زواج يقوم على الأمر والنهي والسباب والعويل، ولا خير في أصدقاء تلجأ إليهم بمشاكلك فيقولون لك «أعطيها كاس.. خذ نفسين» وجماعة الكأس والنفسين يزعمون دائما أن كؤوسهم وأدخنتهم تعالج الشيء ونقيضه: الإسهال والإمساك مثلا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك