زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
كم نحن طيبون وبسطاء
سردت بالأمس بعض ذكرياتي خلال زياراتي للندن، كطالب علم ثم كخبير أجنبي (عندما عملت صحفيا في تلفزيون بي بي سي)، وتحدثت عن مخاطر العيش في لندن المعاصرة، حيث ارتفعت معدلات الاعتداء على الأقليات المسلمة والسوداء بوتيرة عالية، ومنذ أواخر يوليو المنصرم والأيام الأولى من أغسطس الجاري والمصلون في بعض مساجد بريطانيا يتعرضون للعدوان من قبل مجموعات يمينية فاشية، وعنصرية استعلائية.
وبالتأكيد هناك ممارسات عنصرية في جميع بلدان العالم، وما من بلد عربي، إلا وبه أقوام/ أقليات تستخف الغالبية بها، وتجعلها موضع تندر. ولكن وبالتأكيد لا يتعرض إنسان في دولة عربية لاعتداء لأنه أسود او أسمر أو ذا بشرة فاتحة، ولكن تبقى العنصرية أمرا بغيضا في كل أشكالها وتجلياتها، لأن منشأها الاستعلاء على الآخرين، والاستعلاء مرض اجتماعي ونفسي قد يصيب الجماعات والأفراد. والغني الذي يستخف بشخص ما لأنه فقير، والمدير الذي يستهزئ بالخفير، والمبصر الذي يضحك على الضرير. كلهم خسارة فيهم الشعير!! وعموما فالاستعلاء على الآخرين كثيرا ما يكون ناتجا عن مركب نقص.
وعودا الى ذكرياتي اللندنية التي كتبت عنها طوال اليومين الماضيين أقول إن ديارنا بخير وعافية مقارنة بما يسمى بالعالم المتقدم من حيث احترام آدمية «الإنسان».. تستطيع ان تمشي في شوارع الرياض والدوحة والمنامة والكويت والخرطوم (هذه في غير هذه الأيام حيث هناك حرب تطحن العظام والمرافق). تستطيع السير في أي عاصمة عربية في الثالثة فجرا من دون خوف من ان يتعرض لك شخص لا تعرفه بسوء. فحتى المجرمون عندنا «على قد حالهم»: هذا يخطف حقيبة يد سيدة ويجري. وهذا يسرق سيارة ليطوف بها بضع ساعات ثم يتخلص منها حيثما اتفق، وذلك يكسر متجرا لسرقة كذا ساعة او هاتف جوال. ففي العواصم الغربية أمريكية كانت أو أوروبية، يضع أحدهم سكينا على رقبتك ويطلب هاتفك الجوال فتعطيه إياه، وزيادة في الكرم تعطيه (دون طلب منه) ساعتك الرولكس وكل المبلغ الذي في جيبك، فيأخذ كل ذلك ويطعنك في رقبتك وبطنك. ويتسلل اللص الى بيتك في الغرب وعندما لا يجد شيئا يستحق السرقة يوقظك من النوم. ويربطك بالحبال لتخبره عن الأشياء الثمينة المخفية، فتقول له: يا ولد الناس والله أغلى شيء في بيتي هو التلفزيون «أبيض وأسود» الذي تراه أمامك! تأتيك ضربة في أنفك تقطع أنفاسك. ويقلب اللص البيت فوق تحت بحثا عن مخابئ الثروة وعندما يقتنع بأنك فعلا مفلس يضع شريطا لاصقا على فمك حتى لا تصرخ، وقد تبقى مربوطا وغير قادر على الاستنجاد بأحد حتى تلفظ أنفاسك في مدن لا يتزاور فيها حتى الآباء والأبناء.
كنت مع عائلتي في لندن عندما هجم أحدهم على طلاب مدرسة ابتدائية في دمبلين في اسكتلندا وقتل منهم بالساطور خمسة عشر طفلا كلهم دون الثانية عشر، ولم تكن لهذا القاتل علاقة بالمدرسة ولا ثأر مع أحد معلميها. فقط شخص رأى ان ممارسة القتل بالجملة أمر ممتع فارتكب تلك المجزرة. وكما ذكرت أعلاه كنت وقتها أعمل في تلفزيون بي بي سي، وكنت أحيانا أقوم بتسجيل تقرير بصوتي، فأوقف التسجيل واتصل هاتفيا بالبيت: البنت رجعت من المدرسة؟.. كلكم بخير وكويسين؟.. وأخيرا فرجت وغادرنا لندن.. كانت زوجتي تقول إنها وفور وصولها الى مطار هيثرو مغادرة لندن ستزغرد.. وفور وصولنا الى مطار الدوحة الذي كان وجهتنا ستزغرد.. يا بنت الناس عيب.. ولكن ومن فرط فرحتها بمغادرة لندن وبسبب الحياء الوراثي لم تزغرد في أي من المطارين، ولكن ما أن دخلنا البيت المخصص لنا في الدوحة، حتى فتحت التلفزيون «على الآخر»، وأطلقت زغرودة لو سمعها الجيران لأعادتنا السلطات القطرية إلى لندن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك