العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عليك بسردينيا وأوكيناوا

يعلم‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬الملل‭ ‬والنحل‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬جاء‭ ‬الأجل‭ ‬فلا‭ ‬سبيل‭ ‬للهرب‭ ‬منه‭ ‬أو‭ ‬المراوغة‭ ‬بهدف‭ ‬تأجيله‭ ‬أو‭ ‬تبطيله،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬طرائق‭ ‬لتمديد‭ ‬العمر‭ ‬بالأخذ‭ ‬بالأسباب‭. ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مطول‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬تايم‭ ‬الأمريكية‭ ‬عن‭ ‬المعمرين،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬عن‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬تجاوزوا‭ ‬المائة،‭ ‬بالاستناد‭ ‬إلى‭ ‬دراسات‭ ‬علمية‭ ‬رصينة،‭ ‬أن‭ ‬جزيرتي‭ ‬سردينيا‭ ‬في‭ ‬إيطاليا‭ ‬وأوكيناوا‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬تضمان‭ ‬أكبر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المعمرين‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وأن‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجينات‭ ‬أو‭ ‬المورثات‭ ‬إلا‭ ‬بدرجة‭ ‬ضئيلة،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬الرّك‭ ‬والكلام‮»‬‭ ‬على‭ ‬التغذية‭ ‬وأسلوب‭ ‬الحياة،‭ ‬وكان‭ ‬عدد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المئويين‭ ‬الذين‭ ‬تناولت‭ ‬المجلة‭ ‬سيرهم‭ ‬مازالوا‭ ‬نشطين‭ ‬ويأكلون‭ ‬من‭ ‬عرق‭ ‬الجبين،‭ ‬ليس‭ ‬بمعنى‭ ‬أنهم‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬مكاتب‭ ‬مزودة‭ ‬بالهواء‭ ‬البارد‭ ‬والدافئ‭ ‬المغشوش،‭ ‬ولكن‭ ‬بمعنى‭ ‬أنهم‭ ‬في‭ ‬معظمهم‭ ‬فلاحون‭ ‬يزرعون‭ ‬المحاصيل‭ ‬ويأكلون‭ ‬مما‭ ‬تنتج‭ ‬الأرض،‭ ‬وبالطبع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بينهم‭ ‬من‭ ‬يأكل‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة،‭ ‬وكان‭ ‬القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬عواجيز‭ ‬وكهول‭ ‬سردينيا‭ ‬وأوكيناوا‭ ‬أنهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬ريفية‭ ‬ولا‭ ‬يشربون‭ ‬الخمر‭ ‬ولا‭ ‬يدخنون‭.‬

ولكن‭ ‬أهم‭ ‬ملاحظة‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬هي‭ ‬أنهم‭ ‬جميعا‭ ‬يحظون‭ ‬برعاية‭ ‬واهتمام‭ ‬الأقارب‭ ‬والأصدقاء،‭ ‬واستنتج‭ ‬الباحثون‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬الرعاية‭ ‬توفر‭ ‬للمتقدمين‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬راحة‭ ‬البال،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أقوى‭ ‬عقار‭ ‬لتنشيط‭ ‬أنظمة‭ ‬المناعة‭ ‬ضد‭ ‬أسلحة‭ ‬الدمار‭ ‬الصحي‭ ‬الشامل،‭ ‬المتمثلة‭ ‬بالتوتر‭ ‬والشد‭ ‬العصبي‭ ‬والقلق‭ ‬والإحساس‭ ‬بالوحدة،‭ ‬وكان‭ ‬الدليل‭ ‬القاطع‭ ‬على‭ ‬صحة‭ ‬ذلك‭ ‬الاستنتاج‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬سردينيا‭ ‬وأوكيناوا‭ ‬الذين‭ ‬يتنقلون‭ ‬إلى‭ ‬المدن،‭ ‬أو‭ ‬يجارون‭ ‬أساليب‭ ‬الحياة‭ ‬العصرية‭ ‬السريعة،‭ ‬لا‭ ‬يعيشون‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬سن‭ ‬الخامسة‭ ‬والستين‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كانوا‭ ‬أحفاد‭ ‬رجال‭ ‬ونساء‭ ‬مئويين،‭ ‬ومن‭ ‬الملاحظات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬الثروة‭ ‬لا‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬في‭ ‬إطالة‭ ‬العمر،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬معظم‭ ‬المعمرين‭ ‬‮«‬على‭ ‬قدِّ‭ ‬حالهم‮»‬،‭ ‬يعني‭ ‬ليسوا‭ ‬ميسوري‭ ‬الحال‭ ‬ومبحبحين‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المادية،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬فرضية‭ ‬أن‭ ‬راحة‭ ‬البال،‭ ‬وليس‭ ‬المال،‭ ‬عنصر‭ ‬مهم‭ ‬للوقاية‭ ‬من‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬المزمنة‭ ‬مثل‭ ‬ارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬والسكري‭ ‬والقرحة‭ ‬واضطرابات‭ ‬القلب‭ ‬والجهاز‭ ‬الهضمي،‭ ‬ومتوسط‭ ‬عمر‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الغنية‭ ‬كذا‭ ‬وستين‭ ‬سنة،‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬يدخل‭ ‬إنسان‭ ‬في‭ ‬السبعين‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬عرضة‭ ‬لأمرين‭: ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬له‭ ‬أو‭ ‬لها‭ ‬‮«‬الأولاد‮»‬‭: ‬يا‭ ‬والد‭/ ‬يا‭ ‬والدة‭ ‬خلاص‭ ‬عملتم‭ ‬اللي‭ ‬عليكم‭ ‬ولا‭ ‬داعي‭ ‬للعمل‭ ‬والحركة‭. ‬الزم‭ ‬سجادة‭ ‬الصلاة‭ ‬ونحن‭ ‬لن‭ ‬نقصر‭ ‬في‭ ‬تلبية‭ ‬طلباتك‭! ‬بعبارة‭ ‬أخرى‭ ‬نقول‭ ‬لذلك‭ ‬الشخص‭: ‬راحت‭ ‬عليك‭ ‬واستعد‭ ‬لملاقاة‭ ‬ربك‭ ‬قريبا،‭ ‬ولا‭ ‬نريد‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تموت‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬طريقك‭ ‬إلى‭ ‬السوق‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬لعمل‭ ‬أو‭ ‬لزيارة‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬حبيب،‭ ‬ونفعل‭ ‬ذلك‭ ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬مطالب‭ ‬بالاستعداد‭ ‬لملاقاة‭ ‬ربه‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬يبلغ‭ ‬الرشد‭ ‬وكمال‭ ‬العقل،‭ ‬ولكن‭ ‬بمطالبته‭ ‬بلزوم‭ ‬سجادة‭ ‬الصلاة‭ ‬نعني‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬أيامه‭ ‬باتت‭ ‬معدودة‭ ‬وإن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يركز‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬رصيده‭ ‬من‭ ‬الحسنات‭ ‬وأن‭ ‬يعمل‭ ‬فقط‭ ‬لآخرته،‭ ‬وأن‭ ‬ينسى‭ ‬أن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬لدنياه‭ ‬كأنه‭ ‬يعيش‭ ‬أبدا،‭ ‬وإما‭ ‬يتم‭ ‬نقله‭ ‬إلى‭ ‬مستشفى‭ ‬تحت‭ ‬أي‭ ‬ذريعة‭ ‬وتركه‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬ليرتاح‭ ‬ويريح»؛‭ ‬يعني‭ ‬يوضع‭ ‬على‭ ‬الرف‭ ‬كأنه‭ ‬سلعة‭ ‬انتهت‭ ‬صلاحيتها‭. ‬

ومثل‭ ‬غيري‭ ‬فقد‭ ‬ظللت‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬أعيش‭ ‬لأحمل‭ ‬أحفادي‭ ‬ولما‭ ‬جاء‭ ‬الأحفاد‭ ‬صرت‭ ‬أتمنى‭ ‬لو‭ ‬أشهد‭ ‬زواج‭ ‬أحفادي،‭ ‬ولكنني‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬ارتفاع‭ ‬ضغط‭ ‬الدم‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬التوتر‭... ‬أكون‭ ‬في‭ ‬سيارتي‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬فيحاول‭ ‬بعضهم‭ ‬قتلي‭ ‬أو‭ ‬التحرش‭ ‬بي‭ ‬لأقتلهم‭... ‬نشرات‭ ‬الأخبار‭ ‬تجعل‭ ‬الدم‭ ‬يتدفق‭ ‬عبر‭ ‬منخاري‭... ‬وفاروق‭ ‬الفيشاوي‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬كان‭ ‬يسبب‭ ‬لي‭ ‬الفشل‭ ‬الكلوي،‭ ‬أما‭ ‬روبي‭ ‬ونانسي‭ ‬وبنات‭ ‬آوى‭ ‬عموما‭ ‬فيعطينني‭ ‬الإحساس‭ ‬بأنني‭ ‬أنتمي‭ ‬إلى‭ ‬عصر‭ ‬آخر‭ ‬وإنني‭ ‬أعيش‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬بدل‭ ‬الضائع‭... ‬يعني‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬لا‭ ‬مال‭ ‬ولا‭ ‬جمال‭ ‬ولا‭ ‬راحة‭ ‬بال‭. ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الرضا‭ ‬بما‭ ‬قسم‭ ‬الله‭ ‬لي،‭ ‬ولكنني‭ ‬حزين‭ ‬لأن‭ ‬الآخرين‭ ‬يحرمونني‭ ‬راحة‭ ‬البال‭ ‬الحقيقية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا