زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
منحاز للحكومات طبيا
قبل أن أسرد عليكم تفاصيل واقعة معينة، أؤكد ربما للمرة العشرين أنني أخوض في بعض الأمور وفق تقديري الخاص من دون أن يعني ذلك أنني مرجع في هذا الأمر أو ذاك. وأحدثكم اليوم عن رسالة تنضح ألما تلقيتها من أم خليجية مكلومة، وليس من عادتي تبني شكاوى القراء، لأن الموضوعية تتطلب إفساح المجال للطرف المشتكى منه أو عليه، ومن ثم لا استطيع الجزم بأن شكوى أتتني من شخص في السودان أو البحرين أو السعودية «صادقة/كاذبة»، ولكن كل كلمة في رسالة تلك السيدة كانت تنضح صدقا مفجعا، فقررت الخروج عن مألوف هذه الزاوية: البداية كانت سعيدة فقد تأكد لها انها حامل، وبحرص الأم الغريزي لجأت الى مستشفى خاص، حيث كان نصيبها طبيبة عربية مسلمة ما جعلها تطمئن بأن جنينها سيلقى الرعاية السليمة، وفي الشهر الثالث من الحمل أبلغتها الطبيبة أنها تعاني من قصر عنق الرحم ما قد تنجم عنه ولادة مبكرة أو إسقاط الجنين «ما لم تلزمي الراحة التامة»، ولأن المؤمن صديق فقد لزمت السيدة الراحة التامة، كي تضمن بلوغ الجنين نموه الكامل بلا متاعب.. وفي الشهر السادس من الحمل أحست بآلام مبرحة ولجأت الى مستشفى (غير خاص) فقالوا لها إن رحمها مفتوح وإنه يتعذر ربطه لأن عنق الرحم يصبح أقل طولا مع نمو الجنين، وإنه كان من المفترض ان يتم ربط الرحم وهي حامل في شهرها الثالث على أبعد مدى.. وبعد نزول ماء الجنين لم يكن من بد سوى توليدها بعملية جراحية، ورزقت بولد مازال منذ يوم مولده قبل عدة أشهر نزيل حاضنة طبية لأنه يعاني من ثقب في القلب ونزف بالرئة وخلل في وظائف الدماغ، قيل لها انه قد يكون ناجما عن أدوية تعاطتها في الأشهر الأولى للحمل! ما أقسى أن يكون لك طفل تنظر اليه كل ساعة وتتساءل: هل سيعيش ساعة أخرى؟ طبعا كلنا لا نعرف ما إذا كنا سنعيش ساعة او حتى دقيقة إضافية، ولكن الشخص المعافى لا يطرح سؤال الموت والحياة على نفسه على مدار اليوم.
يا سيدتي أقول لك عن تجربة إنني أصدق طبيبا في مستشفى حكومي يقول لي ان الحساسية التي أعاني منها ستزول إذا استأصلت أنفي بالكامل، أكثر من كلام طبيب في بقالة طبية بأن أقراص كلاريتين ستخفف من وطأة الحساسية! طبعا من الظلم تعميم الكلام عن المستشفيات والعيادات الخاصة، فبعضها يعمل في ظل ضوابط أخلاقية عالية ولكن البعض منها يعمل بطريقة (كومار) البقال، فكلما دخلت عنده لأشتري جريدة يقول: ما يريد كُبُس (خبز)؟ مع أنه لم يحدث قط ان اشتريت منه خبزا وإذا قلت له ذلك سألني: تيِّب ما يريد روب؟ بتري؟ (ابتسم كلما حدثني هندي في بقالة عن بتري أي بطارية لأن الكلمة في لغتي الأم (النوبية) تعني اللعب، فأحسبه لثوان قليلة يدعوني الى اللعب.
بعض أطباء البقالات سيم سيم: تشتكي من تساقط الشعر فيطلب منك فحص البول والفسحة والتصوير بالموجات الصوتية ويكتب لك تشكيلة من الأدوية: مضادات حيوية على مضادات حموضة على مضادات الهستامين على مُدِر للبول على فيتامينات على حبوب فحم للغازات وبخاخ للربو.. وستجد تلك الأدوية في الصيدلية الملحقة بالعيادة او المستشفى.. وقبل أعوام سافرت بزوجتي الى بريطانيا وقرر جراح يدير بقالة طبية خاصة في مدينة خارج لندن أن مشاكلها ستزول باستئصال ضلع زائد في أعلى رقبتها (كل النساء ناقصات ضلع وأنا نصيبي واحدة بضلع زائد) فهرعت بها الى مستشفيات حكومية في الخليج وأثبت لي ثلاثة جراحين ان الجراح البريطاني بلطجي كان يريد فقط أن (يذبح) زوجتي نظير بضعة آلاف من الاسترليني.
خليكي مع الحكومة أحسن يا سيدتي. قد تكون مستشفياتها مبهدلة ولكنهم لا يضحكون عليك من أجل مالك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك