زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ولكنهم في النائبات قليلٌ
سنّة وطبيعة الحياة تقضي بمرور الإنسان بمراحل عمرية مختلفة: نكون أطفالا ثم صبيانا ثم شبانا ثم رجالا ثم شيبا ثم كهولا، ويفترض ان الانتقال من مرحلة عمرية الى أخرى يكون مصحوبا باكتساب خبرات جديدة، وقياسا على ذلك يفترض أنني شخص «حكيم»، ولكن كثيرا ما أجد نفسي أتخذ قرارات غبية، وأقوم بأفعال نتائجها وخيمة، وكل ذلك يجعلني أتشكك في الكثير من المفاهيم التي نشأت عليها، فأبناء وبنات جيلي نشأوا على الاحترام المطلق لكل من يكبرهم سنا باعتبار أنهم عقلاء، لا نفرق بين غريب وقريب، فاحترام كبار السن واجب حتى لو لم نكن نعرفهم، وقبول توجيهاتهم واجب، وحتى لو ضربنا غريب يكبرنا سنا لأنه رأى أننا على خطأ، فإننا لم نكن نصيح في وجهه بأن أمرنا «لا يخصه»
لكنني أستطيع بأن ازعم أن تجارب الحياة علمتني شيئا مهما، وهو أن لدي العديد من المعارف والقليل من الأصدقاء، بل أننا معشر الكتاب الصحفيين نحظى بمعرفة آلاف البشر، بعضهم بالاسم والشكل وعنوان العمل والمسكن، والبعض الآخر بالإيميل والواتساب والتانغو والفايبر (بالمناسبة هناك تطبيق في الهواتف الذكية يحمل اسم ميت meet تقدمه غوغل بها مزايا أكثر من الواتساب خاصة لكونه يتيح المكالمات المجانية الصوتية والفيديوية بكفاءة عالية)، وأعود إلى موضوعي فأقول إن التجارب علمتني ان «صديق» لقب، أو رتبة لا يجوز منحها لشخص ما بسهولة، عملا بقول الشاعر: وما أكثر الإخوان حين تعدّهم/ ولكنهم في النائبات قليل!
نعم فطالما أمورك ماشية وأحوالك طيبة وأنت قادر على مساعدة الآخرين، فإنك تجد نفسك محاصرا بعدد كبير من الإخوان/ الأصدقاء، ثم تعطيك الدنيا ظهرها فتكتشف أن بعضهم فص ملح وداب.. قلة منهم تتسم بالأصالة تبقى حولك تشد من أزرك مما يؤكد أنهم لم يصاحبوك ويصادقوك ل«مصلحة»، وربما كان الأمر كذلك في بداية الأمر ولكنك دخلت قلوبهم وحللت فيها أهلا ونزلت سهلا.
مثل الكثيرين قد تكون أيها القارئ قد مررت بتجربة الصديق الذي يستدين منك مبلغا تافها ثم «يقاطعك» تهربا من سداد الدين، مع أنك ربما كنت ستستحي مطالبته برد الدين أو حتى ترفض قيامه بالسداد. وهناك الصديق الذي لا ترى وجهه أبدا بعد ان تبدي أسفك لعدم قدرتك على تسليفه مبلغا معينا. عندما دخلت الحياة العملية لم أكن ولم يكن من هم حولي مهووسين بالادخار. وحتى عندما أتيت الى منطقة الخليج في أواخر السبعينات لم يكن الناس في حالة هلع بسبب المال. ولم نكن نتبادل الهدايا الباذخة ولكننا كنا نقدم لبعضنا البعض كل أشكال العون لوجه الله. ثم انقلبت الموازين. والله أعرف شخصا طلب من صديق له في حضوري مبلغا كبيرا زاعما أنه في ضائقة مالية، ولسوء حظه كنت قد سمعته قبل أيام يتحدث عن أن لديه كذا ألف دولار وأنه بحاجة الى بضع آلاف من الدولارات ليشترك في محفظة بنكية لخمس سنوات بفوائد ضخمة «مضمونة» ولسوء حظه، فإن أبا الجعافر لا يحاور ولا يداور في مثل هذه المواقف، فقد كنت أعرف ان هذا النذل يدرك ان صاحبه ذاك شهم ومعروف عنه الجود بالموجود، وبدون تردد قلت له: يعني أنت تريد تشغيل نقود صاحبك لتربح من المحفظة البنكية ثم تسدد له المبلغ «على راحتك».. وحاول الرد علي بادئا بكلمة «والله»، ولكنني قاطعته: لديك كذا ألف دولار وهي ما لا يحلم به من طلبت منه الدين، وتريد أن تستولى على القليل الذي عنده.. أنت رقيع وصفيق.. وصعق صديقه ل«وقاحتي» فسردت عليه تفاصيل ما سمعته من طالب السلفة عن استكمال المبلغ المحدد للمحفظة البنكية وأقنعته بأن خسارة مثل هذا الصديق «مكسب». وخرج ذلك النذل وقفاه مشتعل مثل فرن مايكروويف.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك