بقلم: م. إسماعيل الصراف*
في المشهد المتطور باستمرار للتنمية الاقتصادية في مملكة البحرين، يظل السعي لتحقيق الكفاءة والاستخدام الأمثل للموارد أمرًا بالغ الأهمية. وأحد السبل لتحقيق ذلك هو من خلال إعادة الهيكلة الاستراتيجية للسلطات الحكومية، إما عن طريق دمجها مع الوزارات وإما عن طريق تقليص حجمها للعمل بتكليف واحد أكثر تركيزا وبميزانيات أقل. ولا يَعِد هذا النهج بفوائد اقتصادية كبيرة فحسب، بل يمهد الطريق أيضا لقطاع عام أكثر تنظيما وفعالية.
ومن الممكن أن يؤدي دمج السلطات الحكومية ذات الصلاحيات المتداخلة في وزارات أكبر إلى تحقيق وفورات كبيرة في التكاليف. ومن خلال إزالة الطبقات الإدارية الزائدة عن الحاجة وتبسيط العمليات، تستطيع الحكومة خفض التكاليف التشغيلية، وبالتالي تحرير الموارد التي يمكن إعادة توجيهها إلى الخدمات العامة الأساسية أو مشاريع التنمية. ويضمن هذا الدمج تنفيذ سياسات أكثر تماسكا، وتجنب مخاطر الحوكمة المجزأة، حيث تعمل سلطات متعددة في صوامع، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم الكفاءة وعدم اتساق السياسات.
كما أن تقليص حجم السلطات التي تخدم صلاحيات فردية ومحددة يمكن أن يؤدي أيضًا إلى فوائد كبيرة. ومن خلال إعادة توزيع المهام التي لا تتطلب هياكل بيروقراطية ضخمة إلى سلطات أصغر حجما وأقل حجما تعمل بميزانيات أقل، تستطيع الحكومة تحقيق تركيز وكفاءة أفضل. ويمكن لهذه الكيانات الصغيرة أن تتخصص في ولاياتها المحددة، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية من خلال أساليب أكثر استهدافًا وقائمة على الخبراء. ومن الممكن أن تساهم عملية إعادة الهيكلة هذه في تحقيق ميزانية حكومية أكثر توازناً. إن تخفيف العبء المالي الناجم عن الحفاظ على سلطات كبيرة متعددة يسمح بإدارة مالية أفضل، وربما خفض الدين العام وإتاحة مجال أكبر للاستثمار في المجالات الحيوية مثل الاقتصاد والصحة والتعليم والبنية التحتية.
وبالترادف مع إعادة الهيكلة الحكومية، لا ينبغي لنا أن نتجاهل الدور الذي تلعبه الجمعيات غير الربحية. ويمكن لهذه المنظمات، التي غالبًا ما تكون مدفوعة برسالة واضحة وروابط مجتمعية عميقة، أن تكون شريكًا لا يقدر بثمن للوزارات والسلطات. ومن خلال تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الجمعيات غير الربحية، تستطيع الحكومة الاستفادة من خبراتها، وأساليبها المبتكرة لمعالجة مختلف القضايا الاجتماعية والاقتصادية. يمكن للجمعيات غير الربحية المساعدة في تطوير وتنفيذ البرامج التي تتوافق مع الأولويات الحكومية، مثل التنمية الاقتصادية والتعليم والرعاية الصحية والاستدامة البيئية. إن وجودهم على أرض الواقع وفهمهم للاحتياجات المحلية يجعلهم متعاونين مثاليين في وضع سياسات وبرامج فعالة.
إن الآثار الاقتصادية الإيجابية لهذه الإصلاحات متعددة. أولاً، يمكن لحكومة أكثر تنظيماً وكفاءة أن تعزز ثقة المستثمرين. إن السياسات الواضحة والمتماسكة والحد من الروتين البيروقراطي تشكل عوامل جذب للمستثمرين المحليين والدوليين، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحفيز النمو الاقتصادي. ثانيا، يمكن إعادة استثمار الوفورات المالية الناتجة عن انخفاض تكاليف التشغيل في القطاعات الرئيسية، مما يعزز الخدمات العامة والبنية التحتية. علاوة على ذلك، فإن زيادة الإنتاجية داخل العمليات الحكومية يمكن أن تؤدي إلى سرعة اتخاذ القرارات وتنفيذ السياسات، مما يمكّن البحرين من التكيف بسرعة أكبر مع التغيرات والتحديات الاقتصادية العالمية. وتعد هذه المرونة أمرا بالغ الأهمية في عالم تتغير فيه الديناميكيات الاقتصادية باستمرار. وأخيرا، من الممكن أن تؤدي الاستفادة من قدرات المجتمعات غير الربحية إلى حلول سياسية أكثر إبداعا وشمولا، مما يضمن استفادة جميع شرائح المجتمع من النمو الاقتصادي. إن إعادة الهيكلة الاستراتيجية للسلطات الحكومية، إلى جانب مشاركة الجمعيات غير الربحية، تمثل طريقًا مقنعًا للبحرين لتعزيز الكفاءة الاقتصادية والإنتاجية والصحة المالية. ومن خلال تبني هذه الإصلاحات، تستطيع المملكة بناء قطاع عام أكثر تنظيما واستجابة وفعالية، مما يدفع النمو الاقتصادي المستدام ويحسن النتائج المجتمعية. وهذا النهج يضع البحرين كنموذج للحوكمة المبتكرة في المنطقة والعالم.
* ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية (MIET)
عضو بجمعية المهندسين البحرينية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك