العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

محاولة اغتيال «ترامب» والعنف المتأصل في أمريكا!

{‭ ‬لو‭ ‬دخلنا‭ ‬إلى‭ ‬سجل‭ (‬العنف‭ ‬الرئاسي‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭)‬،‭ ‬فإن‭ ‬اغتيال‭ ‬رؤساء‭ ‬ومحاولات‭ ‬اغتيالهم،‭ ‬هي‭ ‬كثيرة‭ ‬ومتعددة‭ ‬منذ‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬أبراهام‭ ‬لينكولن‮»‬‭ ‬محرر‭ ‬العبيد‭ ‬إلى‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬كينيدي‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬اغتيال‭ ‬آخرين،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬نفسه‭ ‬تعرّض‭ ‬لعدة‭ ‬محاولات‭ ‬سابقة‭ ‬لاغتياله‭! ‬هذا‭ ‬يضع‭ ‬ستارًا‭ ‬أسود‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الامريكية،‭ ‬التي‭ ‬تبدو‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مازق‭ ‬كبير،‭ ‬بسبب‭ ‬الميل‭ ‬المتزايد‭ ‬للعنف‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬مخاوف‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬أهلية،‭ ‬وترجيح‭ ‬لغة‭ ‬الصدام‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬السلاح‭ ‬بيد‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬الأمريكيين‭!‬

ولذلك‭ ‬جاءت‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬السبت‭ ‬الماضي،‭ ‬خلال‭ ‬التجمع‭ ‬الانتخابي‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬بنسلفانيا،‭ ‬لتبدو‭ ‬وكأنها‭ ‬غير‭ ‬مستغربة‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬هجوم‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬‭ ‬وأنصاره‭ ‬وشيطنة‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬خطاباته،‭ ‬بما‭ ‬دفع‭ ‬‮«‬نائب‭ ‬ترامب‮»‬‭ ‬السيناتور‭ ‬الأمريكي‭ ‬‮«‬جيمس‭ ‬ديفيد‭ ‬فانس‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬القول‭ ‬بعد‭ ‬محاولة‭ ‬الاغتيال‭ ‬إن‭ ‬‮«‬ما‭ ‬حدث‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬واقعة‭ ‬منفردة‭... ‬الفرضية‭ ‬الأساسية‭ ‬لحملة‭ ‬بايدن‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ (‬ترامب‭) ‬فاشي‭ ‬استبدادي‭ ‬يجب‭ ‬إيقافه‭ ‬بأي‭ ‬ثمن،‭ ‬وأدى‭ ‬هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‮»‬‭.‬

{‭ ‬محاولة‭ ‬الاغتيال‭ ‬بدت‭ ‬وكأنها‭ ‬إحدى‭ ‬لقطات‭ ‬أفلام‭ ‬هوليوود‭ ‬الاستخباراتية‭! ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬الواقع‭ ‬أكثر‭ ‬افراطًا‭ ‬في‭ ‬الخيال‭ ‬حين‭ ‬مرت‭ ‬الرصاصة‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬أذنه‭ ‬ولم‭ ‬تخترق‭ ‬رأس‭ ‬ترامب،‭ ‬ليقف‭ ‬بعدها‭ ‬وسط‭ ‬المحيطين‭ ‬به‭ ‬أمنيًا،‭ ‬فيرفع‭ ‬يده‭ ‬قائلاً‭ ‬‮«‬قاتلوا‮»‬‭ ‬فيما‭ ‬الدم‭ ‬يظهر‭ ‬على‭ ‬أذنه‭ ‬اليمن‭ ‬وخده‭! ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬قالوا‭ ‬إن‭ ‬‮«‬الرصاصة‭ ‬الطائشة‭ ‬قرّبت‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬أخطأته‭ ‬ولكنها‭ ‬أصابت‭ (‬بايدن‭) ‬في‭ ‬مقتل،‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬جماهيرية‭ (‬ترامب‭) ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬مستوى‭ ‬بعد‭ ‬نجاته‭ ‬من‭ ‬محاولة‭ ‬الاغتيال‮»‬‭!‬

{‭ ‬حين‭ ‬قال‭ (‬بايدن‭) ‬‮«‬لا‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬لهذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬العنف‭ ‬إنه‭ ‬أمر‭ ‬مقزز‮»‬‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬قبل‭ ‬غيره‭ ‬أنه‭ ‬يكذب‭ ‬فيما‭ ‬يقول،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬يتجاهل‭ ‬حقيقة‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬العنف‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬تأسيس‭ ‬أمريكا‭ ‬الحديثة‭ ‬أو‭ ‬التي‭ ‬عرفناها‭! ‬حيث‭ ‬قام‭ ‬ذلك‭ ‬التأسيس‭ ‬على‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬ضد‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر،‭ ‬التي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬حوالي‭ (‬112‭ ‬مليونا‭ ‬من‭ ‬الهنود‭ ‬الحمر‭)‬،‭ ‬ربما‭ ‬يسجلها‭ ‬التاريخ‭ ‬كأكبر‭ ‬جريمة‭ ‬حرب‭ ‬إبادة‭!‬

وحين‭ ‬وصلت‭ ‬أمريكا‭ ‬إلى‭ ‬مرتبة‭ ‬الدولة‭ ‬العظمى‭ ‬والمستفردة‭ ‬بالعالم‭ ‬في‭ ‬التسعينيات،‭ ‬واصلت‭ ‬حروب‭ ‬إبادتها‭ ‬التي‭ ‬بدأتها‭ ‬في‭ ‬فيتنام،‭ ‬لتقتل‭ ‬في‭ ‬حروبها‭ ‬ما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ (‬عشرة‭ ‬ملايين‭) ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬وكان‭ ‬نصيب‭ ‬العراق‭ ‬وحدها‭ (‬2‭ ‬مليون‭ ‬عراقي‭)! ‬وفي‭ ‬تلك‭ ‬الأثناء‭ ‬توالت‭ ‬أيضًا‭ ‬اغتيالات‭ ‬الرؤساء‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬لتؤكد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬العنف‭ ‬السياسي‮»‬‭ ‬من‭ ‬الخلفيات‭ ‬الأصيلة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وأنه‭ ‬امتد‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬أكبر‭ ‬عامل‭ ‬إرهاب‭ ‬دولي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭!‬

{‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬شلينجرز‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬مؤرخ‭ ‬أمريكي‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬يهودي‭ ‬ألماني،‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬هناك‭ ‬‮«‬أمة‭ ‬أمريكية‮»‬‭ ‬بالمعنى‭ ‬المعروف‭ ‬للأمم‭! ‬ما‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭ ‬الأمريكي‭ ‬هو‭ ‬إجمال‭ ‬الدخل‭ ‬القومي‭ ‬ونصيب‭ ‬الفرد،‭ ‬وأمريكا‭ ‬في‭ ‬تكوينها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬شركة‭ ‬كبرى‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬مجمع‭ ‬صناعي‭ ‬عسكري‮»‬‭ ‬تتداخل‭ ‬في‭ ‬تكوينه‭ ‬آليات‭ ‬عمل‭ ‬الاستخبارات‭ ‬والإعلام‭ ‬وسطوة‭ ‬المال‭ ‬وأشبه‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬بعصابات‭ ‬المافيا‭!‬

والديمقراطية‭ ‬الأمريكية‭ ‬قائمة‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬بدورها‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬المال‭ ‬وتأثيره،‭ ‬وعلى‭ ‬قيم‭ ‬العنف‭ ‬المتسرب‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭!‬

مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬بين‭ ‬المتنافسين‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الرئاسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬خاضعين‭ ‬بدورهم‭ ‬للولاء‭ ‬للممولين،‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬الصهيونية‭! ‬والمواطن‭ ‬الواقع‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬اللوبيات‭ ‬وسطوة‭ ‬الإعلام،‭ ‬يختار‭ ‬ما‭ ‬يُراد‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬حرّ‭ ‬في‭ ‬اختياره‭ ‬وانتخابه‭! ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأمريكية‭ ‬مفرغة‭ ‬من‭ ‬محتواها‭!‬

{‭ ‬ستبقى‭ ‬قضية‭ ‬محاولة‭ ‬اغتيال‭ ‬ترامب‭ ‬ربما‭ ‬داخلة‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬غموض‭ ‬اللاكشف‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬حدث‭! ‬تمامًا‭ ‬مثلما‭ ‬بقيت‭ ‬قضية‭ ‬اغتيال‭ ‬‮«‬كينيدي‮»‬‭ ‬بعد‭ (‬60‭ ‬عامًا‭) ‬محاطة‭ ‬بالغموض‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭! ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الغموض‭ ‬قد‭ ‬يستمر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬ودوامة‭ ‬العنف‭ ‬السياسي،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الطرفين‭ ‬‮«‬بايدن‭ ‬وترامب‮»‬‭ ‬يدعوان‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬وحدة‭ ‬الصف‮»‬‭!‬

وفيما‭ ‬العالم‭ ‬ينتظر‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬وسياستها‭ ‬الخارجية،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬غير‭ ‬مرشح‭ ‬للتحقق‭ ‬سواء‭ ‬بعودة‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬الرئاسة‭ ‬أو‭ ‬وصول‭ ‬غيره،‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬العميقة‮»‬‭ ‬الحاكمة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬المتغيرات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬أمريكا‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬سياستها‭ ‬الخارجية‭! ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬المأزق‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأمريكية‭ ‬هو‭ ‬المرشح‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬المآزق،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬مخاوف‭ ‬نشوب‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬وتصاعد‭ ‬فكرة‭ ‬الصدام‭ ‬رغم‭ ‬التهدئة‭ ‬المؤقتة‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬المتنافسين‭ ‬‮«‬ترامب‭ ‬وبايدن‮»‬‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا