زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
فعل خير أفاد البشرية
من أجمل ما قال الشاعر الحطيئة: «من يفعل الخير لا يعدم جوازيه»، ومصداقا لذلك تعالوا نطالع حكاية فليمنغ، وكان مزارعا اسكتلنديا بائس الحال، يعتاش وأهله من زراعة رقعة أرض صغيرة المساحة تطل على مستنقع. ذات صباح سمع فليمنغ صرخات استغاثة، وتوجه نحو مصدر الصوت، ووجد صبيا صغيرا مغروسا في الطين، ونجح بعد محاولات متكررة في إنقاذ الصبي، وصبيحة اليوم التالي توقفت أمام كوخه مركبة فارهة نزل منها أحد أشهر أثرياء المنطقة، وتوجه نحو فليمنغ وشكره على إنقاذ ابنه من الموت ثم أضاف: أريد مكافأتك على حسن صنيعك، ولكن المزارع قال له بحزم إنه لا يريد أي مكافأة، ثم لوح بيده مودعا النبيل، وفي تلك اللحظة خرج ولد فليمنغ من الكوخ فصاح النبيل في المزارع: عندي لك اقتراح أرجو ان تقبله.. ابنك هذا في سن ابني الذي أنقذته من الموت.. أرجو ان تسمح لي بإلحاقه بنفس المدرسة التي يدرس فيها ولدي، وقبل المزارع العرض ودخل ابنه الكساندر مدرسة خاصة وتفوق حتى أصبح طبيبا. نعم هو نفسه الكساندر فليمنغ الذي اكتشف البنسلين وغير مسار الطب الحديث كما لم يفعل طبيب من قبله ولا من بعده.
بعد ذلك بسنوات أصيب الفتى الذي كاد يغرق في وحل المستنقع بالتهاب رئوي، ولكنه شفي منه باستخدام البنسلين. أتعرف من كان النبيل والد ذلك الفتى؟ اللورد راندولف تشيرتشل.. عليك نور.. وكان الفتى الذي نجا من الغرق والالتهاب الرئوي هو ابنه ونستون تشيرتشل أشهر رئيس وزراء بريطاني.
مرة أخرى، من يفعل الخير لا يعدم جوازيه. ملأ الله وقتك بالعمل الطيب وجيبك بالمال الحلال وقلبك بحب الناس والخير. توقف بين الحين والآخر لتمد يد العون لشخص تعطلت سيارته، او يقف في الهجير في انتظار سيارة أجرة، فالناس بالناس ومن يعِن، يُعَن. تخيل حال البشرية ما لم ينقذ ذلك الفلاح الاسكتلندي الشهم طفلا من الموت غرقا في الوحل، ليكافئه والد الطفل بأن يتولى تعليم ابنه ليصبح نابغة في الطب ويكتشف العقار الذي أنقذ حياة بلايين البشر، وليصبح الطفل الذي نجا من الموت غريقا في الوحل رئيسا لحكومة بلاده ويقود الحلفاء للانتصار على النازية الوحشية.
قد أعربت مرارا عن إعجابي اللامحدود بصاحب شركة مايكروسوفت بيل غيتس، ليس لأنه غني، وقد يسمع بإشادتي به ويوصي لي بواحد على الألف من ثروته (أي بضع مئات الملايين)، ولكن لأنه قرر ترك وظيفته في الشركة والتفرغ لمكافحة الفقر والمرض والجهل في إفريقيا وآسيا، وخصص لهذا الغرض 49 مليار دولار من ثروته الخاصة. ولكن وارين بافيت كبر في نظري لأنه وبرغم انه ملياردير من الوزن الثقيل، لم يتردد في التبرع بـ 31 مليار دولار لبيل غيتس. ملياردير يتبرع لملياردير؟ يا للهول. فعلها بافيت لأنه يعرف ان مؤسسة غيتس الخيرية تقوم بعمل نبيل، فقرر ان يهبه ذلك المبلغ الضخم وكله ثقة في أن غيتس سيستخدمه لما فيه خير البشرية.. وبالمقابل فإن بعض الأغنياء عندنا لا يتبرعون بمليم نحاسي حتى لشخص يتوقف شفاؤه من مرض عضال على بضعة ملاليم ما لم تكن الكاميرات حاضرة.
البروفسورة اليزابيث دان من جامعة بريتش كولمبيا الكندية والدكتور مايكل نورتن من جامعة هارفارد الأمريكية أجريا دراسة مطولة عن الناس والثراء والسعادة، وبعد استطلاعات شملت عشرات الآلاف استنتجا أن غالبية الناس تجد سعادة في العطاء اكثر من السعادة في اكتناز المال.. فالإنسان يسعد بالمال في بادئ الأمر ولكن ما ان تتوفر لديه أساسيات الحياة حتى يفقد المال كونه عنصر «إسعاد». بعبارة أخرى فإن غالبية الناس تسعد بتقديم التبرع او العون المادي ولو كان ضئيلا لآخرين.. شخصيا لا أملك من المال ما يجعلني في وضع أحل فيه مشكلات الآخرين، ولكنني أسعد كثيرا بجمع ملابس أفراد أسرتي وتقديمها لجمعيات رعاية الأيتام والمشردين في بلادي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك