ما هو التأثير المتوقع لتطور استخدام الذكاء الاصطناعي على الكفاءة الإنتاجية وخلق الثروة في المستقبل؟ هناك عدد كبير من الاقتصاديين بالإضافة الى بعض الشركات الاستثمارية والاستشارية كجولدمان ساكس وماكينزي توقعوا ارتفاعا كبيراً في حجم الاستثمار ونسب النمو الاقتصادي.
على سبيل المثال، قدرت شركة ماكينزي أن هذا القطاع يمكن أن يحقق زيادة في أرباح الشركات تصل إلى 4.4 تريليون دولار سنويا. لكن مجموعة أخرى من الاقتصاديين أبدت شكوكها في التأثيرات الايجابية للذكاء الاصطناعي خصوصا فيما يتعلق بنتائجه على عملية خلق الوظائف.
ومن المؤكد أن هناك العديد من القنوات التي من المرجح أن يحقق الذكاء الاصطناعي من خلالها تأثيرات إيجابية على الاقتصاد الكلي، بدءًا من ملخصات النصوص وحتى الرؤية الحاسوبية (Computer vision) وتصنيف البيانات والعديد من المهام الأخرى.
كذلك، يمكن لبعض الموظفين وحتى الباحثين والأكاديميين أن يصبحوا أكثر كفاءة بفضل الذكاء الاصطناعي. ويمكن أيضًا تنفيذ المهام المبرمجة بالفعل، مثل تلك المتعلقة بالأمن السيبراني على سبيل المثال، بشكل أفضل وأكثر دقة، ناهيك عن أن تطور الذكاء الاصطناعي يعتبر مصدرا لنشاطات إنتاجية اضافية كبناء الخوارزميات، والتدرب على الذكاء الاصطناعي وعلى استخدام تقنيات جديدة.
في المقابل، أظهرت مجموعة من الدراسات الحديثة تحفظا واضحا حول مدى التأثيرات الايجابية المتوقعة لتطور الذكاء الاصطناعي على الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، في دراسة بعنوان(The Simple Macroeconomics of AI) ، قام الاقتصادي الأمريكي دارون عاصم أوغلو بقياس النتائج المحتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي، وما قد يتبعه من تحسن كفاءة الموظفين، على الاقتصاد الكلي للولايات المتحدة على مدى السنوات العشر المقبلة. أبرزت النتائج أن تأثير الذكاء الاصطناعي سيكون ضعيفا، حيث إن انتاجية اجمالي عناصر الانتاج (Total factor productivity)، أي الكفاءة المشتركة لعنصري العمل ورأس المال، سترتقع بنسبة تقل عن 0.7% خلال الفترة بأكملها، أي أن معدل الزيادة السنوية في الإنتاجية لن يتجاوز 0.07%، وهي نسبة منخفضة للغاية.
كما تعتبر نفس الدراسة أن تطور الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى ظهور استثمارات يضاف تأثيرها إلى تأثير مكاسب الإنتاجية. وفي المجمل، سوف يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة حوالي 1% في غضون عشر سنوات، أو بنسبة حوالي 1.5% في حالة وجود استثمارات كبيرة. وهذه النتائج لا تمثل طفرة حقيقية على صعيد ارتفاع نسب النمو الاقتصاديً.
وبالإضافة الى ذلك، تستند أغلب الدراسات إلى فرضيات متفائلة إلى حد ما، كتلك التي تعتبر أن المهام المستقبلية التي سيؤديها الذكاء الاصطناعي ستكون أسهل وأكثر كفاءة من التي يتم تنفيذها حاليًا. لكن هناك احتمالا كبيرا أن ذلك لن يكون بالضرورة واقع الحال. فعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي قراءة الأشعة السينية بسهولة لتقديم اقتراحات في عملية تشخيص المريض. لكن ماذا عن سعال هذا المريض بطريقة معينة؟ ان من الصعب في هذه الحالة تطوير القدرة على تقديم التشخيص الصحيح لأن المتغيرات المعنية كثيرة ومهمة.
ومن ناحية أخرى، فإن أغلب الدراسات تعتني أساسا بقياس التأثيرات الإيجابية المحتملة للذكاء الاصطناعي. ولكن قد توجد أيضا اثار سلبية، مثل عمليات التزييف العميق (deepfakes)، والاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي، والهجمات الإلكترونية التي قد تكون أكثر فعالية، وما إلى ذلك.
وبمجرد أخذ كل ذلك في الاعتبار، قد لا يتبقى الكثير من النتائج الإيجابية المتوقعة، خاصة عندما نضيف الى ذلك أن أصحاب رأس المال سيستفيدون مبدئيا بشكل أكبر بكثير من الموظفين في عملية تطوير الذكاء الاصطناعي، الذي قد تتركز أرباحه في أيدي عدد قليل من المساهمين. وبالتالي قد تتزايد عدم المساواة بين عوائد رأس المال وعوائد العمل. بشكل عام، يستمر الجدل حاليا بين التوقعات المتفائلة والمتشائمة بشأن الذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن القدرة على استشراف النتائج الحقيقية والحسم في تأثيرات ذلك على الاقتصاد لن تتم الا بعد بضع سنوات من الآن.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك