زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن رهق الأمومة
أعربت بالأمس عن حزني لعدم تمكني من الاطلاع على الكثير من الصحف الورقية، ومن بينها صحافة بريطانيا التي أدمنتها بعد ان صرت عميلا لبريطانيا لبعض الوقت عندما عملت كضابط إعلام ومترجم بالسفارة البريطانية في الخرطوم، ونقلت بالأمس مادة عن صحيفة تايمز البريطانية، وأنقل اليوم بعضا من مادة وجدتها في مجلة نيوزويك الأمريكية تحت عنوان «عائلتك وصحتك» (المجلات الأمريكية الرصينة كثيرا ما تجعل على أغلفتها مواضيع بعيدة عن السياسة).
المهم جاء في المجلة ان أفراد العائلة - حتى لو تكن تربطهم رابطة قرابة دم - كالزوج والزوجة مثلا، يعانون من نفس الأمراض، وذلك بسبب البيئة المشتركة التي يعيشون فيها متقاسمين نفس الأطعمة ومتنفسين نفس الهواء. ولتقريب الصورة، أقول ان الزوجين اللذين يأكلان الفسيخ مثلا عرضة للتسمم والاضطرابات الهضمية، وإذا كان بيتهما سيئ التهوية أو قذرا أو يقع قرب منطقة ملوثة الهواء فإن احتمال إصابة كليهما بالحساسية في الأنف أو الصدر او الربو الشعبي تبقى كبيرة.
وتأثير العائلة على الصحة، يتجلى أيضا في أن حدوث أمر مأساوي وفاجع لأحد أفراد الأسرة يترك انعكاسات قد تكون مدمرة للصحة العضوية والنفسية لبقية أفرادها، وأكدت أبحاث في عدة جامعات أمريكية ان نسبة الوفيات بين الأزواج من الجنسين تكون مرتفعة بعد وفاة أحدهما بسنة أو اثنتين، وفي عائلتي شاهد محزن على ذلك، فقد ظلت أختي فاطمة رحمها الله متزوجة بابن عمتها (وعمتي) حسن لنحو 35 سنة لم يرزقا خلالها بعيال، وكانا متحابين لا يكادان يفترقان.. يسافران الى كل مكان سويا.. ويزوران الناس سويا.. وكان الزوج (حسن) لا يتناول أي وجبة خارج البيت مهما كانت ارتباطاته العملية، وكان لحسن حظه يمارس العمل الحر، وفجأة توفي حسن بنوبة قلبية، وبدأت أختي فاطمة تذوي، وتذبل، بعد أن فقدت القدرة بدون سبب طبي معروف على تناول الطعام، وبعد أن رفض جسمها الاستجابة للتغذية الوريدية، ولحقت به بعد أقل من شهرين. رحمهما الله، ولا أذكر أنني رأيت أختي فاطمة مريضة بغير نزلات البرد العادية، ولكن، وبعد وفاة زوجها تكالبت عليها أدواء لم يعرف الطب لها تفسيرا، وسرعان ما لقيت ربها.
ولكن تأثير الأحداث المأساوية على أفراد العائلة لا يقتصر على «الموت»، فإصابة فرد بإعاقة تستوجب توفير رعاية على مدار الساعة له، قد يكون لها تأثير قوي على حياة بقية أفراد العائلة، فمن يعاني من إعاقة يجب ان يحظى بأكبر قدر من الاهتمام، ومعنى ذلك ان بقية أفراد الأسرة، خاصة الصغار والمراهقين منهم قد يتعرضون لبعض الإهمال، وبما ان عبء الرعاية ذلك غالبا ما يقع على الأم/ الزوجة فإن الزوج/الأب قد يتساءل بكل غباء: لماذا صارت تهملني وتهمل أمر نفسها؟ وإذا كان للمعاق إخوة صغار فإنهم يحسون في تلك السن الغضة أنهم غير مرغوب فيهم وهامشيون، وأن الذي يعاني من الإعاقة يحظى بتدليل هم أحق به، بل وقد يحس بعضهم بالذنب لكونه معافى بينما هناك أخ أو أخت تعاني من إعاقة.
ويقودنا هذا الحديث الى معاناة الأم التي تتفاقم بقدوم مولود جديد، ولو كان ذلك المولود في كامل صحته، وقد أثبت مسح أجراه معهد طبي أمريكي ان 42% من الأزواج يعتقدون - بعد ولادة الطفل الأول - ان زوجاتهم مقصرات في حقهم. وبداهة فإن أولويات الزوجة تتغير بمجرد الإنجاب لأن ساعات لنوم تصبح أقل، ويكون هناك عمل منزلي إضافي وحركة دائبة: الرضيع بلل جسمه ولابد من غسله.. وهناك البامبرز.. والرضاعة (والرجال لا يعرفون أن شفط الوليد للبن من ثدي أمه يؤلم الأم في أحيان كثيرة).. وبكاء الرضيع بسبب وبدون سبب (والزوج يصيح: سكِّتي الثور هذا)، وكم من زوج يحمل مخدته وينتقل الى غرفة أخرى بعيدا عن الرضيع المزعج.. ولهذا تتعرض النساء لنوبات من الاكتئاب أكثر من الرجال.. والاكتئاب يقتل الفرح والضحكة وقد يؤدي الى انفجارات عائلية تنتهي بالفركشة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك