زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
خذوا الحكمة من الأطفال
قبل الدخول في لب موضوعي لهذا اليوم، أقف حزينا على أطلال الصحافة الورقية، بل حزينا لأنني صرت محروما منها، وقد كنت من قبل أشتري في اليوم الواحد عددا من الصحف العربية والبريطانية، ولب موضوع اليوم استطلاع أجرته صحيفة تايمز اللندنية، شمل آلاف الأطفال في المرحلة الابتدائية من الدراسة، وسألتهم عن رؤاهم حول الأشياء التي يعتقدون أنها ستجعل العالم أكثر سعادة، وجاء الأطفال بأفكار ومقترحات تنمّ عن ذكاء عال، ولن أخوض في تفاصيلها، ولن أتناول تلك المتعلقة بحماية البيئة، التي قال معظمهم إن سعادة بني البشر تتوقف عليها، فهذه قضية لا تهمنا (عندما ننجح في حماية الإنسان نبقى نفكر في حماية البيئة). ولكنني سأتوقف قليلا عند اقتراح لطفلة رأت أنه من الواجب عدم الإسراف في استخدام المياه، واقترحت أن يتوقف الناس عن الغناء أثناء الاستحمام.
فكر أنت في هذا الأمر، أعني مسألة الغناء أثناء الاستحمام، وتذكر أشخاصا معينين في عائلتك يتحولون الى كاظم الساهر ونجوى كرم بمجرد وقوفهم تحت الدش، ولعلك انتبهت إلى أنه من الغريب في أمر مطربي الحمامات هو أنه كلما كان الماء باردا ارتفعت أصواتهم بالغناء بما يشبه الصراخ، وهناك أناس ينبغي الإبلاغ عنهم لدى الجهات المسؤولة من حماية الموارد المائية: فكثيرون -من بينهم عديدون من أفراد عائلتي- يقضون في الاستحمام وقتا يكفي لـ«تحميم» ثلاثة من الأفيال البالغة من العمر 30 عاما.
هذا أمر محير: فكلنا لدينا أعضاء متشابهة نغسلها عند الاستحمام، فلماذا أفرغ من الاستحمام في ثلاث دقائق وغيري يقضي عشرين دقيقة أو أكثر تحت الدش (ولي سؤال أتمنى لو أجد الإجابة له: لماذا نحرص على ان يكون في كل حمام بانيو «حوض»؟ اسأل أول 20 شخصا تلتقي بهم متى كانت آخر مرة استخدموا فيها البانيو، وسيجيبك نحو 15 منهم بأنهم لم يستخدموه قط. ثم اسأل كم واحدا فقد توازنه وهو يقف داخل البانيو أو يخرج منه بعد الاستحمام بالدش وتعرض لكسور وسجحات وستكتشف أن نحو 15 منهم تعرضوا للانزلاق بسبب البانيو. شخصيا أتعرض لحادث بسبب البانيو مرة كل سنة على الأقل! والشاهد هو أن وجود البانيو مسألة وجاهة.. فطالما البانيو جزء من تصميم الحمام الإفرنجي فلا بد ان يكون مركبا في كل حمام، حتى ونحن نعرف أننا لن نستخدمه)، والشاهد في وجهة نظر الطفلة تلك التي تربط بين حماية البيئة والغناء أثناء الاستحمام هو أن الاستغراق في الغناء يجعلك تستهلك مياها أكثر بينما موارد المياه على الأرض محدودة.
صبي اسمه تيش كارلس قال إن السعادة تكمن في تناول العائلة وجبات معدّة في البيت، ارفع صوتك يا تيش كي يسمعك عيالنا الذين يعتقدون أن «أكل البيت» بلا طعم، ويعتقدون أن السعادة تكمن في شراء الأكل من المطاعم. بينما يرى تيش أن تناول العائلة للأكل سويا يخلق جواً من الألفة. عندما كنا صغارا لم يكن هناك بديل لأكل البيت، ومن ثم فإن الدم يغلي في عروقي عندما أدعو عيالي إلى وجبة ما فأسمع المواويل المعتادة: عملت سندويتش.. أكلت فطائر في المدرسة/ مكان العمل.. اتركوني في حالي وسأدبر حالي لاحقا... وهكذا لجأت إلى الأساليب التربوية الديمقراطية: وجبة الغداء بالذات ليس فيها حرية قبول أو رفض. كلنا نجلس سويا على المائدة. لكن بيني وبينكم فإن أكلاتنا الشعبية مملّة ورتيبة ومكررة، وفي موقع عمل سابق كان لي زميل خليجي يدعوني أحيانا إلى قرمشة البطاطس المحمرة والمعبأة في أكياس، قبل نهاية يوم العمل بقليل، فأشكره وأسأله لماذا تأكل هذه الخزعبلات وأنت بصدد التوجه الى البيت بعد دقائق فيقول: الغداء كالعادة إما مكبوس لحم أو مكبوس دجاج أو سمك.. 45 سنة على ها الحال.. خلاص مليت.. وما ودي أقول ها الكلام قدام العيال يلعوزوني بطلب الوجبات السريعة تسليم المنازل.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك