العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

خذوا الحكمة من الأطفال

قبل‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬لب‭ ‬موضوعي‭ ‬لهذا‭ ‬اليوم،‭ ‬أقف‭ ‬حزينا‭ ‬على‭ ‬أطلال‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية،‭ ‬بل‭ ‬حزينا‭ ‬لأنني‭ ‬صرت‭ ‬محروما‭ ‬منها،‭ ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أشتري‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الواحد‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬العربية‭ ‬والبريطانية،‭ ‬ولب‭ ‬موضوع‭ ‬اليوم‭ ‬استطلاع‭ ‬أجرته‭ ‬صحيفة‭ ‬تايمز‭ ‬اللندنية،‭ ‬شمل‭ ‬آلاف‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الابتدائية‭ ‬من‭ ‬الدراسة،‭ ‬وسألتهم‭ ‬عن‭ ‬رؤاهم‭ ‬حول‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬يعتقدون‭ ‬أنها‭ ‬ستجعل‭ ‬العالم‭ ‬أكثر‭ ‬سعادة،‭ ‬وجاء‭ ‬الأطفال‭ ‬بأفكار‭ ‬ومقترحات‭ ‬تنمّ‭ ‬عن‭ ‬ذكاء‭ ‬عال،‭ ‬ولن‭ ‬أخوض‭ ‬في‭ ‬تفاصيلها،‭ ‬ولن‭ ‬أتناول‭ ‬تلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحماية‭ ‬البيئة،‭ ‬التي‭ ‬قال‭ ‬معظمهم‭ ‬إن‭ ‬سعادة‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬تتوقف‭ ‬عليها،‭ ‬فهذه‭ ‬قضية‭ ‬لا‭ ‬تهمنا‭ (‬عندما‭ ‬ننجح‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬الإنسان‭ ‬نبقى‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭). ‬ولكنني‭ ‬سأتوقف‭ ‬قليلا‭ ‬عند‭ ‬اقتراح‭ ‬لطفلة‭ ‬رأت‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬عدم‭ ‬الإسراف‭ ‬في‭ ‬استخدام‭ ‬المياه،‭ ‬واقترحت‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬الناس‭ ‬عن‭ ‬الغناء‭ ‬أثناء‭ ‬الاستحمام‭.‬

فكر‭ ‬أنت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬أعني‭ ‬مسألة‭ ‬الغناء‭ ‬أثناء‭ ‬الاستحمام،‭ ‬وتذكر‭ ‬أشخاصا‭ ‬معينين‭ ‬في‭ ‬عائلتك‭ ‬يتحولون‭ ‬الى‭ ‬كاظم‭ ‬الساهر‭ ‬ونجوى‭ ‬كرم‭ ‬بمجرد‭ ‬وقوفهم‭ ‬تحت‭ ‬الدش،‭ ‬ولعلك‭ ‬انتبهت‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬مطربي‭ ‬الحمامات‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬كان‭ ‬الماء‭ ‬باردا‭ ‬ارتفعت‭ ‬أصواتهم‭ ‬بالغناء‭ ‬بما‭ ‬يشبه‭ ‬الصراخ،‭ ‬وهناك‭ ‬أناس‭ ‬ينبغي‭ ‬الإبلاغ‭ ‬عنهم‭ ‬لدى‭ ‬الجهات‭ ‬المسؤولة‭ ‬من‭ ‬حماية‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭: ‬فكثيرون‭ -‬من‭ ‬بينهم‭ ‬عديدون‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬عائلتي‭- ‬يقضون‭ ‬في‭ ‬الاستحمام‭ ‬وقتا‭ ‬يكفي‭ ‬لـ«تحميم‮»‬‭ ‬ثلاثة‭ ‬من‭ ‬الأفيال‭ ‬البالغة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬30‭ ‬عاما‭.‬

هذا‭ ‬أمر‭ ‬محير‭: ‬فكلنا‭ ‬لدينا‭ ‬أعضاء‭ ‬متشابهة‭ ‬نغسلها‭ ‬عند‭ ‬الاستحمام،‭ ‬فلماذا‭ ‬أفرغ‭ ‬من‭ ‬الاستحمام‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬دقائق‭ ‬وغيري‭ ‬يقضي‭ ‬عشرين‭ ‬دقيقة‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬تحت‭ ‬الدش‭ (‬ولي‭ ‬سؤال‭ ‬أتمنى‭ ‬لو‭ ‬أجد‭ ‬الإجابة‭ ‬له‭: ‬لماذا‭ ‬نحرص‭ ‬على‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حمام‭ ‬بانيو‭ ‬‮«‬حوض»؟‭ ‬اسأل‭ ‬أول‭ ‬20‭ ‬شخصا‭ ‬تلتقي‭ ‬بهم‭ ‬متى‭ ‬كانت‭ ‬آخر‭ ‬مرة‭ ‬استخدموا‭ ‬فيها‭ ‬البانيو،‭ ‬وسيجيبك‭ ‬نحو‭ ‬15‭ ‬منهم‭ ‬بأنهم‭ ‬لم‭ ‬يستخدموه‭ ‬قط‭. ‬ثم‭ ‬اسأل‭ ‬كم‭ ‬واحدا‭ ‬فقد‭ ‬توازنه‭ ‬وهو‭ ‬يقف‭ ‬داخل‭ ‬البانيو‭ ‬أو‭ ‬يخرج‭ ‬منه‭ ‬بعد‭ ‬الاستحمام‭ ‬بالدش‭ ‬وتعرض‭ ‬لكسور‭ ‬وسجحات‭ ‬وستكتشف‭ ‬أن‭ ‬نحو‭ ‬15‭ ‬منهم‭ ‬تعرضوا‭ ‬للانزلاق‭ ‬بسبب‭ ‬البانيو‭. ‬شخصيا‭ ‬أتعرض‭ ‬لحادث‭ ‬بسبب‭ ‬البانيو‭ ‬مرة‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬الأقل‭! ‬والشاهد‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬وجود‭ ‬البانيو‭ ‬مسألة‭ ‬وجاهة‭.. ‬فطالما‭ ‬البانيو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تصميم‭ ‬الحمام‭ ‬الإفرنجي‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬مركبا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬حمام،‭ ‬حتى‭ ‬ونحن‭ ‬نعرف‭ ‬أننا‭ ‬لن‭ ‬نستخدمه‭)‬،‭ ‬والشاهد‭ ‬في‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الطفلة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬حماية‭ ‬البيئة‭ ‬والغناء‭ ‬أثناء‭ ‬الاستحمام‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الاستغراق‭ ‬في‭ ‬الغناء‭ ‬يجعلك‭ ‬تستهلك‭ ‬مياها‭ ‬أكثر‭ ‬بينما‭ ‬موارد‭ ‬المياه‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬محدودة‭.‬

صبي‭ ‬اسمه‭ ‬تيش‭ ‬كارلس‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬السعادة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬تناول‭ ‬العائلة‭ ‬وجبات‭ ‬معدّة‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬ارفع‭ ‬صوتك‭ ‬يا‭ ‬تيش‭ ‬كي‭ ‬يسمعك‭ ‬عيالنا‭ ‬الذين‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أكل‭ ‬البيت‮»‬‭ ‬بلا‭ ‬طعم،‭ ‬ويعتقدون‭ ‬أن‭ ‬السعادة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬شراء‭ ‬الأكل‭ ‬من‭ ‬المطاعم‭. ‬بينما‭ ‬يرى‭ ‬تيش‭ ‬أن‭ ‬تناول‭ ‬العائلة‭ ‬للأكل‭ ‬سويا‭ ‬يخلق‭ ‬جواً‭ ‬من‭ ‬الألفة‭. ‬عندما‭ ‬كنا‭ ‬صغارا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬بديل‭ ‬لأكل‭ ‬البيت،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬الدم‭ ‬يغلي‭ ‬في‭ ‬عروقي‭ ‬عندما‭ ‬أدعو‭ ‬عيالي‭ ‬إلى‭ ‬وجبة‭ ‬ما‭ ‬فأسمع‭ ‬المواويل‭ ‬المعتادة‭: ‬عملت‭ ‬سندويتش‭.. ‬أكلت‭ ‬فطائر‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭/ ‬مكان‭ ‬العمل‭.. ‬اتركوني‭ ‬في‭ ‬حالي‭ ‬وسأدبر‭ ‬حالي‭ ‬لاحقا‭... ‬وهكذا‭ ‬لجأت‭ ‬إلى‭ ‬الأساليب‭ ‬التربوية‭ ‬الديمقراطية‭: ‬وجبة‭ ‬الغداء‭ ‬بالذات‭ ‬ليس‭ ‬فيها‭ ‬حرية‭ ‬قبول‭ ‬أو‭ ‬رفض‭. ‬كلنا‭ ‬نجلس‭ ‬سويا‭ ‬على‭ ‬المائدة‭. ‬لكن‭ ‬بيني‭ ‬وبينكم‭ ‬فإن‭ ‬أكلاتنا‭ ‬الشعبية‭ ‬مملّة‭ ‬ورتيبة‭ ‬ومكررة،‭ ‬وفي‭ ‬موقع‭ ‬عمل‭ ‬سابق‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬زميل‭ ‬خليجي‭ ‬يدعوني‭ ‬أحيانا‭ ‬إلى‭ ‬قرمشة‭ ‬البطاطس‭ ‬المحمرة‭ ‬والمعبأة‭ ‬في‭ ‬أكياس،‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬يوم‭ ‬العمل‭ ‬بقليل،‭ ‬فأشكره‭ ‬وأسأله‭ ‬لماذا‭ ‬تأكل‭ ‬هذه‭ ‬الخزعبلات‭ ‬وأنت‭ ‬بصدد‭ ‬التوجه‭ ‬الى‭ ‬البيت‭ ‬بعد‭ ‬دقائق‭ ‬فيقول‭: ‬الغداء‭ ‬كالعادة‭ ‬إما‭ ‬مكبوس‭ ‬لحم‭ ‬أو‭ ‬مكبوس‭ ‬دجاج‭ ‬أو‭ ‬سمك‭.. ‬45‭ ‬سنة‭ ‬على‭ ‬ها‭ ‬الحال‭.. ‬خلاص‭ ‬مليت‭.. ‬وما‭ ‬ودي‭ ‬أقول‭ ‬ها‭ ‬الكلام‭ ‬قدام‭ ‬العيال‭ ‬يلعوزوني‭ ‬بطلب‭ ‬الوجبات‭ ‬السريعة‭ ‬تسليم‭ ‬المنازل‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا