زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
عن المال والملايين
من الأقوال الشائعة في مجتمعاتنا، إن ابن آدم «مفتري»، ولا يملأ عينه سوى التراب، والافتراء في اللغة هو الكذب في حق الغير بما لا يرتضيه ولكنه في العامية يعني فيما يعني عدم القبول بالحال وعدم القناعة. أذكر أنه عندما عملت بشركة أرامكو في أول مرة أغترب فيها عن وطني كان راتبي 4821 ريالا، وأذكر أنني حملت راتب أول شهر واقتحمت شارع الملك خالد في الخبر: هات نص درزن من هذه القمصان.. خليهم درزن.. واشتريت نظارة شمسية بيرسول سوداء، (هل ما زالت ماركة النظارات هذه سيدة السوق؟) مع أنني ملزم بارتداء نظارة طبية على مدار اليوم، ولا أستطيع أن أرى طرف أنفي بنظارة شمسية. وستة أزواج من الأحذية.. وكنت أسافر إلى السودان مرة كل 3 أشهر محملا بالهدايا، بعبارة أخرى كنت أحس أن راتبي ضخم، وقد كان كذلك بمعايير ذلك الزمان، وكان كل همي أن أستمتع بشراء كل ما تشتهيه ولا تشتهيه نفسي.
جاء في تقرير أصدره بنك كاوتس البريطاني وهو البنك الذي تتعامل معه الأسرة المالكة، أن من يملك مليون جنيه إسترليني لا يستطيع أن يعيش حياة المليونيرات بل لا يستحق لقب مليونير! تذكر أن ذلك المبلغ يساوي ستة ملايين ريال سعودي/ قطري، ونحو 600 ألف دينار بحريني أو ربما أكثر (لا يُعتد بكلامي في العمليات الحسابية)، طيب لماذا لا يستطيع من يملك مبلغا كهذا أن يعيش في رغد؟ يجيب التقرير: لأن المليونير يحتاج إلى بيت ضخم وعدد من الخدم وزورق أبهة، وعلى الأقل ثلاث سيارات من النوع الراقي!
وفي تقديري فإن السبب في عدم أهلية من يملك مليون إسترليني للقب مليونير ليس للتضخم وارتفاع كلفة المعيشة، بل إن البعض يصبح سفيها كلما ازدادت ثروته. أخوكم –مثلا– كان يحسب نفسه خاشوقجي الثاني (وكان خاشوقجي وقتها مليونيرا أسطوريا) عندما كان راتبه نحو 5000 ريال، وكان ذلك المبلغ يكفيه ويزيد على حاجته، فأنت لا تشتري 12 قميصا و12 «فردة» حذاء كل سنة، وبمرور الزمن ارتفع راتبي، ولكن ذلك لم يحدث أي طفرة في مدخراتي، بل ظللت طوال عشرين عاما من حياتي العملية بلا مدخرات، والسبب في ذلك أنه كلما ارتفع الراتب ارتفعت الكماليات إلى مرتبة الضروريات، وكان هناك أمر غريب، ففي أحوال نادرة كان الراتب يكفيني لأنه تعزز بحوافز أو مكافأة طارئة، ولكن ما أن يبقى في رصيدي المصرفي مبلغ ما حتى تتسرب المعلومات إلى أهلي في السودان وأتلقى نداء عاجلا بأن قريبي الشاب مثلا لم يسدد أقساط الدراسة الجامعية، أو أن أختي بصدد ختان أولادها أو أن عنزة خالتي بحاجة إلى عملية قيصرية في مستشفى بيطري خاص.
ما أريد أن أقوله هو إن الإنسان وكلما زاد ماله، زادت احتياجاته ولذلك تكتشف أن أوضاعك المالية هي، هي بعد ارتفاع دخلك الشهري من 4000 دولار إلى 6000 أو عشرة آلاف منه، وقبل حين وصلني إشعار بأن لي «فروق» راتب بكذا ألف ريال نتيجة خطأ في الحسابات لم يؤد إلى إضافة العلاوة السنوية إلى الراتب عدة أشهر، فأصبحت ثريا وأصبت بلوثة عقلية جعلتني أبدد تلك الثروة في غضون أيام معدودة، مما يؤكد أن هناك أناسا يصابون بالخبل إذا هبطت عليهم ثروة كتلك التي هبطت علي (نحو 1600 دينار)، وهذه النوعية لا تصيب الثراء الحقيقي الذي يتطلب امتلاك أسطول من السيارات والخدم والحشم والحراس الشخصيين، وذلك لطف من الله. (تعرفوا لو كنت غنيا فعلا لكان أعز أمنية عندي أن يعمل لدي مختص في المساج... أكتب مقالا وانبطح.. ليقوم بتفتيت عضلاتي المستهلكة وإعادة تأهيلها).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك