زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الثراء المفاجئ فاجع
هناك حكايات لا حصر لها عن مستجدي النعمة وخاصة أولئك الذين تهبط عليهم ثروات مفاجئة، فيعمدون إلى الإنفاق التفاخري، مما يتسبب في أحوال كثيرة إلى فقدانهم لكل أو جُل ما عندهم من مال، ولعل بعضكم قرأ ما جاء في العديد من الصحف العربية عن حالة الهلع والخوف التي عاشها اليمني محمد صالح المقيم في السعودية، بعد أن صار مليونيرا، بدرجة أنه قرر عدم التعامل مع البنك الذي يضم ملايينه، بل بقي عدة أيام وجيبه خال من المال لأن الخوف جعله يتجنب الذهاب إلى البنك أو جهاز الصرف الآلي، وسبب خوفه هو أن تلك الملايين هبطت عليه دون أن يبذل أي مجهود، فهو لم يرث الملايين، وليست لديه تجارة، ودخله محدود يقتصر على راتب شهري بائس، وجيبه مثقوب.
وما حدث هو أن البنك أصابته نوبة كرم غير معهودة في البنوك، فقرر رفع رصيد محمد صالح من عشرين ألف ريال إلى أكثر من 33 مليون ريال، فكان أن أصيب بالهلع والجزع؟ لماذا؟ لأنه رجل نظيف وشريف، طيب، إذا كان نظيفا وشريفا فعلام الهلع والجزع؟ خاف محمد صالح وارتعب لأنه خشي أن ينتبه البنك إلى الخطأ فيُتهم بأنه حرامي. وبيني وبينكم البنوك «تسويها» لتتستر على أخطائها، ولم يكن مستبعدا أن يقول البنك أن أبو يمن تلاعب كمبيوتريا حتى نقل تلك الملايين إلى حسابه، ففي سبيل طمأنة العملاء يفتش البنك عن ضحية، لأن الملايين التي أودعت في حساب أبو يمن لابد أنها كانت خصما على حساب عميل آخر. باختصار لم يسعد محمد صالح بنوم هانئ وبراحة البال إلا بعد أن نفد ما معه من مال حلال، وتسلل على أطراف أصابعه الى جهاز الصرف الآلي وأدخل بطاقته لسحب بعض المال و..... يا للسعادة: اختفت الملايين من حسابه وعاد غلبانا فقيرا، ولكن سعيدا كما كان قبل أن يصاب بفيروس الملايين.
والأغرب من ذلك حكاية السعودي عيسى عبدالكريم الذي كادت روحه أن تصعد إلى بارئها بعد أن اكتشف انه يستحق مكانا في مجلة فوربس، إلى جانب الأمير الوليد بن طلال، فالبنك الذي كان عيسى يتعامل معه كان اكثر سخاء من بنك أبو يمن سالف الذكر، لأنه وضع في حسابه ثلاثة مليارات أي ثلاثة بلايين ريال. وبعد أن اكتشف عيسى أمر تلك الثروة لم يقرر الزواج أو شراء قصر مطل على البحر أو استبدال سيارته المكعكعة بواحدة رولز رويس وأخرى بورش وثالثة بنتلي. أتعرفون ماذا فعل؟ سقط مغشيا عليه ودخل في غيبوبة وأتى جماعة الهلال الأحمر ونقلوه إلى المستشفى، ولم يسترد عافيته إلا بعد أن راجع حسابه المصرفي مجددا واكتشف أن المليارات الثلاثة طارت واختفت.. هتف عيسى: الحمد لله الذي صرف عني الأذى وعافاني.. واسترد بشاشته واحتفل بنهاية كابوس البلايين بشراء سندويشات فلافل لعدد من أصدقائه.
لو كنت مكان عيسى وأبو يمن لرفعت دعوى على البنك الذي سبب لي طفرة مالية افتراضية كانت نتيجتها أن أصبت بأمراض عضوية ونفسية، بل ربما كنت سأصطحب معي رجال شرطة وأسحب ملاييني ثم أتوجه الى مدير البنك وأقول له: هذه الملايين فقدها البنك وعثرت أنا عليها، ثم - وبكل بجاحة - أطالب بنسبة مئوية منها، وإلا فالمحاكم بيننا: البنك هو الذي زودني بالمستندات والأدلة التي تثبت أن تلك المبالغ تخصني. بعبارة أخرى أنا لم أنهب البنك بقوة السلاح ولم أزور مستندات، وعادة البنوك هي أن تتفنن في تجريد الناس من أموالهم بمختلف الذرائع، فلماذا لا ألوي ذراع البنك ليمنحني مكافأة أتبرع بها لجهة «تستاهل» بعد التأكد من أن ما أفعله ليس «حراما»؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك