زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
تجربتي مع الأرنب معتديا وحاميا
كان أخي عبد الله - رحمه الله يعشق الطبخ ويجيده، ويطبخ معظم الوجبات لزوجته وعياله بنفسه وبـ«مزاج»، وذات ليلة دعاني إلى عشاء دسم. قال لي إنني سأشبع من الدجاج، وكان أكل الدجاج لدرجة الشبع حلما بعيد المنال في ذلك الزمان، حيث كان الدجاج طعام الأثرياء، ولم تكن أمهاتنا يذبحن الدجاج إلا بعد توقفه عن الإرسال، بمعنى أن الدجاج لم يكن يخضع للسكين إلا بعد انتهاء عمره الافتراضي، أي انقطاع الطمث، والتوقف عن وضع البيض في حالة الأنثى، والإصابة بتصلب المفاصل والشرايين في حالة الديك.
جلست قبالته على المائدة، ووضع أخي على المائدة دجاجتين سمينتين: يا للسعادة هذه هي المرة الأولى التي أتناول فيها دجاجة كاملة بمفردي، ولن يقوم شخص ما بتهشيم الدجاجة بيديه ليوزع أعضاءها «وأنت وحظك»، قد يكون نصيبك جناح أو رقبة، وقد يسعدك الحظ بجزء من الصدر أو الفخذ، وأكلت بنهم وبسرعة خشية أن يداهمنا ضيف طارئ ويقاسمني نصيبي في الدجاجة .. وشبعت .. ثم سألني أخي: إيه رأيك في هذه «العشوة»؟ اكتفيت بالابتسام والطبطبة على بطني، فخاطبني مجددا: إيه رأيك في لحم الأرنب؟ قلت له إنني لم أتذوق لحم الأرنب من قبل وليس من الوارد أن أضع لحم أرنب في فمي، فضحك وقال: ولكنك أكلت أرنبا كاملا قبل قليل! قلت له: ماذا تقصد؟ قال: الفرخة التي أكلتها قبل قليل كانت «أرنبا»!
إلى يومنا هذا وأخي نادم على كلامه ذاك، لأن ردي عليه جاء في شكل قذيفة انطلقت من بطني وتوجهت نحو وجهه وصدره مباشرة .. فما أن أدركت أنني أكلت لحم أرنب حتى انتفضت بطني وقذفت كل ما فيها حتى من وجبات الأيام الفائتة خارجا!! وبعد أن هدأت ثورتي الهضمية انفجرت ثورتي اللسانية: يا مجرم يا سفاح، .. كيف يطاوعك قلبك على ذبح أرنب وأكله؟ حكى لي حكايته مع الأرانب: اشترى ذات يوم أرنبين بهدف ذبحهما وأكلهما، ولكن زوجته رفضت أن تسمح له بذلك وقالت: مش بعيد المرة الجاية تذبح قطة وتأكلها! وهكذا وضع الأرنبين في قفص مهمل في البيت، وظل يرمي إليهما ما تيسر من جزر وخيار وخس، وبعد نحو شهرين جاءه جاره شاكيا من أن الأرانب تسللت إلى بيته عبر نفق. وتوجه أخي نحو القفص ليكتشف أن به نحو 16 أرنبا، ومنذ يومها بدأت مذبحة الأرانب وصار كلما ذبح أرنبين اكتشف أن أربعة أخرى حلت محلها. وتذكرت أنه وبرغم أن بطني رفضت لحم الأرنب في تلك الليلة إلا أن طعمه كان شهيا وهكذا صرت أتذوق لحمه تدريجيا حتى عشقته.
حدثت في بيت أخي انهيارات أرضية لأن الأرانب حفرت فيه أنفاقا في عدة اتجاهات، واقتحمت بيوت الجيران وهكذا تبرع لي بثلاثة أرانب كي أعطيها لمجموعة من الأصدقاء العزاب، وحملتها وذهبت إليهم، متقمصا دور الخبير الذي يعرف أنه ما لم يتم سلخ جلد الأرنب فور قطع رأسه، فإن المهمة تصبح مستحيلة لأن الجلد يلتصق باللحم تماما. وأمسكت بالسكين بيد وبأرنب بيد أخرى، فصدر عنه صوت طفل ابن شهرين إييييي إييي .. سقطت السكين من يدي، وأفلت الأرنب وجلست أرتعش .. داهمني الإحساس بأنني كنت على وشك ذبح آدمي .. وعدت إلى بيت أخي وفتحت قفص الأرانب لتهرب أينما تشاء. المهم عندي عدم رؤيتها وتذكُّر أنها مهيأة للذبح، ومنذ وقتها وكلما رأيت أرنبا اقشعر بدني. ثم جاء زمن صرت فيه أرى أناساً يذبحون بشرا كما الأرانب دون أن يرمش لهم جفن. أو يضعونه في قفص ويحرقونه وهم يهللون ويكبرون، وذاك يضع قنبلة في مسجد لتنفجر وتقتل من تقتل .. الحمد والشكر لله الذي وهبني قلبًا وضميرا لا يسمح لي حتى بإيذاء أرنب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك