العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

تحية متأخرة

في‭ ‬برلمانات‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬يكون‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬الأعضاء‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬نوائب‭ ‬الزمان،‭ ‬فهم‭ ‬لا‭ ‬ينوبون‭ ‬عمن‭ ‬اختاروهم،‭ ‬بل‭ ‬يصبحون‭ ‬ممثلين‭ ‬في‭ ‬دار‭ ‬أوبرا‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬تقسيم‭ ‬الممثلين‭ (‬ممثلي‭ ‬الشعب‭!!) ‬الى‭ ‬مجاميع‭ ‬لكل‭ ‬منها‭ ‬دور‭ ‬مرسوم‭ ‬ومحكوم‭ ‬بنص‭ ‬جاهز،‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬مايسترو‭ ‬يمسك‭ ‬بعصا‭ ‬غليظة،‭ ‬وتحضرني‭ ‬هنا‭ ‬مقولة‭ ‬الكاتب‭ ‬المصري‭ ‬المعروف‭ ‬فهمي‭ ‬هويدي‭ ‬بأن‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬بإصلاح‭ ‬سياسي‭ ‬بل‭ ‬‮«‬سياحي‮»‬،‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬تزيين‭ ‬الواجهات‭ ‬وتلميعها‭ ‬حتى‭ ‬تبدو‭ ‬للناظر‭ ‬من‭ ‬الخارج‭ ‬جذابة‭ ‬وخلابة‭!!‬

لعل‭ ‬من‭ ‬تابعوا‭ ‬مقالاتي‭ ‬هنا‭ ‬لبعض‭ ‬الوقت‭ ‬لاحظوا‭ ‬اهتمامي‭ ‬الشديد‭ ‬بأمر‭ ‬التعليم،‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬انني‭ ‬مارست‭ ‬التدريس‭ ‬ثم‭ ‬صرت‭ ‬صاحب‭ ‬عيال،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عندي‭ ‬ما‭ ‬اقدمه‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬أفضل‭ ‬الفرص‭ ‬التعليمية‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬بها‭ ‬ظروفي‭ ‬المالية،‭ ‬وتحضرني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬حكاية‭ ‬النائب‭ ‬سيف‭ ‬محمود‭ ‬عضو‭ ‬البرلمان‭ ‬المصري،‭ (‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحسني‭ ‬مباركي‭ ‬المباد‭) ‬الذي‭ ‬أوردت‭ ‬حكايته‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصحف،‭ ‬وكيف‭ ‬أنه‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬الاعدادية‭ (‬المتوسطة‭)‬،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬شروط‭ ‬عضوية‭ ‬البرلمان‭ ‬المصري‭ ‬هو‭ ‬الإلمام‭ ‬بالقراءة‭ ‬والكتابة،‭ ‬وكان‭ ‬سيف‭ ‬محمود‭ ‬يقرأ‭ ‬ويكتب‭ ‬عندما‭ ‬ترشح‭ ‬لعضوية‭ ‬البرلمان‭ ‬وفاز‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬ثلاث‭ ‬دورات‭ ‬سابقة،‭ ‬وظل‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬السنوات‭ ‬يحظى‭ ‬بثقة‭ ‬الناخبين،‭ ‬ولكنه‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬سمع‭ ‬بأنه‭ ‬سيتم‭ ‬تعديل‭ ‬تلك‭ ‬الشروط‭ ‬بحيث‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬حصول‭ ‬المرشح‭ ‬للبرلمان‭ ‬على‭ ‬الشهادة‭ ‬الإعدادية‭ ‬كحد‭ ‬أدنى،‭ ‬حتى‭ ‬جلس‭ ‬يستذكر‭ ‬دروسه‭ ‬مستعينا‭ ‬بأفراد‭ ‬أسرته‭ ‬حتى‭ ‬نال‭ ‬110‭ ‬درجات‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬140‭ ‬درجة،‭ ‬بل‭ ‬قرر‭ ‬مواصلة‭ ‬تعليمه‭ ‬لنيل‭ ‬الشهادة‭ ‬الثانوية‭ ‬الصناعية‭ ‬الفنية‭ (‬لأنه‭ ‬يعمل‭ ‬سلفا‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬صناعي‭ ‬فني‭).‬

اختار‭ ‬سيف‭ ‬محمود‭ ‬الطريق‭ ‬الصعب،‭ ‬وهو‭ ‬التتلمذ،‭ ‬بينما‭ ‬اختار‭ ‬غيره‭ ‬الطرق‭ ‬السهلة‭ ‬وزوروا‭ ‬الأوراق‭ ‬ليؤكدوا‭ ‬أنهم‭ ‬أكملوا‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬الدراسية‭ ‬أو‭ ‬هذه،‭ ‬وانكشف‭ ‬امرهم‭ ‬وفقدوا‭ ‬مقاعدهم‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭. ‬وما‭ ‬جعل‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬المصري‭ ‬محط‭ ‬إعجابي‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يحاول‭ ‬ان‭ ‬يخفي‭ ‬عن‭ ‬زملائه‭ ‬وأهل‭ ‬دائرته‭ ‬الانتخابية‭ ‬أنه‭ ‬يدرس‭ ‬مناهج‭ ‬مخصصة‭ ‬لمن‭ ‬هم‭ ‬فوق‭ ‬العاشرة‭ ‬بقليل،‭ ‬بل‭ ‬أعلن‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬الأشهاد‭ ‬أنه‭ ‬تلميذ‭ ‬‮«‬إعدادي‮»‬‭ ‬وأنه‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬دروس‭ ‬إضافية‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬واللغة‭ ‬الانجليزية‭.. ‬لم‭ ‬يقل‭: ‬يا‭ ‬عيب‭ ‬الشوم‭ ‬الناس‭ ‬اللي‭ ‬حواليا‭ ‬نُصُّهم‭ ‬عندهم‭ ‬دكتوراه‭ ‬والنص‭ ‬التاني‭ ‬ليسانسات‭ ‬وبكالوريا‭ ‬وكابوريا‭ ‬وحاجات‭ ‬كده‭ ‬من‭ ‬بلاد‭ ‬بره‭ ‬عليها‭ ‬القيمة‭.. ‬وأنا‭ ‬يا‭ ‬دوب‭ ‬حي‭ ‬الله‭ ‬بتاع‭ ‬ابتدائي‭.. ‬حيقولوا‭ ‬عليا‭ ‬إيه‭ ‬الدكاتير‭ ‬دول‭ (‬الدكاتير‭ ‬هي‭ ‬جمع‭ ‬دكتور‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬حامل‭ ‬اللقب‭ ‬ديك‭ ‬–‭ ‬تور‭).‬

بالعكس‭ ‬أقام‭ ‬سيف‭ ‬محمود‭ ‬زيطة‭ ‬وزملبيطة‭ ‬واحتفل‭ ‬بحصوله‭ ‬على‭ ‬الاعدادية‭ ‬وأدلى‭ ‬بتصريحات‭ ‬صحفية‭ ‬بتلك‭ ‬المناسبة‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬مسيرته‭ ‬الحياتية‭ ‬والعملية‭. ‬وربما‭ ‬ما‭ ‬حدا‭ ‬به‭ ‬الى‭ ‬إشهار‭ ‬كونه‭ ‬‮«‬بتاع‭ ‬إعدادية‮»‬‭ ‬ثقته‭ ‬بنفسه،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬بقي‭ ‬في‭ ‬البرلمان‭ ‬15‭ ‬سنة‭ ‬رأى‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬حملة‭ ‬شهادات‭ ‬أكاديمية‭ ‬متواضعة‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬أكثر‭ ‬ذكاء‭ ‬ودراية‭ ‬بالقضايا‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الدكاتير‭ ‬الطراطير،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬يقرر‭ ‬مواصلة‭ ‬تعليمه‭ ‬العام‭ ‬بل‭ ‬الالتحاق‭ ‬بمدرسة‭ ‬صناعية‭ ‬تضيف‭ ‬جديدا‭ ‬إلى‭ ‬خبرته‭ ‬العملية،‭ ‬رغم‭ ‬علمه‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬‮«‬بلد‭ ‬شهادات‮»‬‭ ‬ستقول‭ ‬عنه‭ ‬‮«‬بتاع‭ ‬صنايعي‮»‬،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أن‭ ‬بتاع‭ ‬الصنايعي‭ ‬هو‭ ‬الأوفر‭ ‬حظا‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬العمل‭ ‬والأعلى‭ ‬قيمة‭ ‬من‭ ‬بتاع‭ ‬النظريات‭.‬

دولة‭ ‬قطر‭ ‬نال‭ ‬درجة‭ ‬الماجستير‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عشرين‭ ‬ونيف‭ ‬سنة‭ ‬شخص‭ ‬اسمه‭ (‬إن‭ ‬لم‭ ‬تخن‭ ‬الذاكرة‭) ‬على‭ ‬الهاجري‭. ‬قال‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬صحفي‭ ‬إنه‭ ‬التحق‭ ‬بالمدرسة‭ ‬الابتدائية‭ ‬وعمره‭ ‬12‭ ‬سنة،‭ ‬وقبلها‭ ‬كان‭ ‬يرعى‭ ‬غنم‭ ‬العائلة،‭ ‬ورعى‭ ‬الهاجري‭ ‬نفسه‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬يشغل‭ ‬اليوم‭ ‬منصبا‭ ‬رفيعا‭ ‬في‭ ‬مؤسسة‭ ‬ضخمة‭. ‬ولم‭ ‬أسمع‭ ‬به‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الحوار‭ ‬لأن‭ ‬العصاميين‭ ‬ليسوا‭ ‬طلاب‭ ‬شهرة‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬فإنهم‭ ‬خالون‭ ‬من‭ ‬العُقد‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬الكثيرين‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬بلداننا‭ ‬عصامية‭ ‬في‭ ‬جهلها‭ ‬لأنها‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الاستزادة‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬تستزيد‭ ‬من‭ ‬المكابرة‭ ‬والادعاء‭ ‬والنفخة‭ ‬الكاذبة‭. ‬او‭ ‬تسعى‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬شهادات‭ ‬أكاديمية‭ ‬ذات‭ ‬أسماء‭ ‬طنانة‭ ‬ورنانة‭ ‬دون‭ ‬استحقاق‭.‬

لا‭ ‬أعرف‭ ‬أين‭ ‬السيد‭ ‬سيف‭ ‬الآن‭ ‬ولكنني‭ ‬أحييه‭ ‬عبر‭ ‬السنين‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا