الرأي الثالث
محميد المحميد
malmahmeed7@gmail.com
«طب وإحنا مالنا .. إن شاء الله ما حضروا»
في الفيلم المصري القديم «غزل البنات»، هناك أغنية شهيرة اسمها: «أبجد هوز»، للفنانة الراحلة ليلى مراد، والفنان الراحل «نجيب الريحاني»، يقولان فيها: (إن جاء زيد .. أو حضر عمرٌ .. طب وإحنا مالنا .. إن شاالله ماحضروا) .. تذكرت هذه الأغنية، وأنا أقرأ تخوفات وهواجس بعض السياسيين والمحللين العرب، من نتائج الانتخابات التي تجرى في البلاد الغربية خلال هذه الفترة.
الانتخابات البريطانية القادمة تشير إلى احتمالية فوز حزب العمال، بعد سيطرة حزب المحافظين لسنوات طويلة، وفي فرنسا يلوح شبح تشكيل أول حكومة يمينية متطرفة في تاريخها، ونتائج انتخابات الاتحاد الأوروبي تشير إلى سيطرة أحزاب اليمين، وفي نوفمبر المقبل ستجرى الانتخابات الرئاسية الأمريكية.. وغيرها في العديد من الدول.
لم تعد السياسة العربية، ولا شعوبها اليوم، تخشى من فوز أي حزب أجنبي وسيطرته على القرار في بلاده، ومستقبل طبيعة العلاقة الثنائية.. هذا زمان ولى وراح.. فقد بدأت الدول العربية تهتم بمصالحها الداخلية أكثر، وتنوع في شراكاتها الاستراتيجية وتحالفاتها الجماعية بين الشرق والغرب بصورة أكثر، وتقرأ جيدا ملامح نشأة نظام عالمي جديد بعيدا عن الاستقطاب.. وتضع مصلحتها العليا فوق كل اعتبار.
لقد قالت الدول العربية لراعي القطب العالمي كلمة (لا) مرات عديدة، واضعة مسافة سياسية واضحة، بين العلاقات التاريخية والمصالح الثنائية، وبين استقلالية القرار ورفض التبعية، مع إعلاء المصلحة الوطنية.. والشواهد كثيرة والمواقف عديدة.
هذه حقائق سياسية واقعية يعرفها الغرب جيدا اليوم.. فلم تعد «الازدواجية» في ملف حقوق الإنسان أداة ضغط على الدول، وليس للتهديدات الاقتصادية أي أثر، وأدركت الدول العربية وشعوبها، مبررات التصريحات الانتخابية التي يطلقها المرشحون الغرب ضد الدول العربية خلال الحملات الانتخابية، ثم تغيب وتختفي تلك التصريحات ليحل مكانها المصالح الثنائية.
الفهم العربي السياسي اليوم، يدرك جيدا أن الثوابت الغربية لا تتغير بتغير الأحزاب الحاكمة.. لا بوصول (أ)، ولا بخروج (ب) .. لا بصعود (ج)، ولا بتراجع (د).. قد يتبدل موقع أولويات الأحزاب هناك، ولكن مرتكزات الاستراتيجية الغربية ثابتة، والملامح والأهداف العامة كما هي لا تمس، خاصة في دعم «إسرائيل»، وموضوع «الهجرة واللجوء»، وقضية «المثليين وحقوقهم»، ومسألة «زيادة الضرائب على البضائع المستوردة» من الصين خصوصا، بجانب تعزيز «الخلافات بين شعوب المنطقة» من منطلق فكري وديني.
لدى السياسة العربية أداة ضغط وتفاوض كبيرة، تتمثل في الشأن الاقتصادي والثروات الطبيعية والقدرات البشرية، التي تشكل ثقلا داعما للموقف السياسي في المحافل الخارجية، وفي تحديد طبيعة مسار العلاقات الثنائية المشتركة، بجانب الاستمرار في العلاقات الوثيقة مع الدول الكبرى في مجلس الأمن كالصين وروسيا.
مستقبل السياسة العربية لا يرسمه حزب متطرف غربي، ولا يشكله وصول زعيم أجنبي متشدد.. مستقبل السياسة العربية بيد الدول العربية وحدها، والشعوب أصبحت تدرك ذلك، ولا يعنيها اليوم فوز أو خسارة أي حزب هناك.
إن خسر بايدن أو فاز حزب العمال.. وإن غاب المحافظون أو جاء المتشددون.. «طب وإحنا مالنا.. إن شالله ما فازوا ولا حضروا»..!!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك