أن نتميز إداريًا ووظيفيًا، فإن ذلك يعني بكل بساطة أن نتفوق تنظيميا، بمعنى آخر أن نكون الأفضل تنظيميا بين المؤسسات، سواء المنافسة أو حتى في المجتمع.
والتميز ببساطة يعني عملية ممنهجة تهدف إلى تحقيق أفضل النتائج وتحسين الأداء بشكل مستمر، وتتطلب اعتماد أساليب وأدوات محددة لتحقيق التفوق والتميز في جميع جوانب العمل، وكذلك فإن إدارة التميز هي عملية شاملة تستهدف تحسين الأداء وتحقيق النتائج الممتازة في المؤسسات، وتعتمد هذه العملية على تطوير استراتيجيات مبتكرة واستخدام أدوات فعالة لتحقيق أهداف الجودة والكفاءة والتفوق، وترتكز إدارة التميز على فهم احتياجات العملاء وتوقعاتهم، وتسعى لتقديم منتجات وخدمات ممتازة تفوق تلك المقدمة من قبل المنافسين.
يقول علي شاهين في ورقته (إدارة الجودة الشاملة وأنظمتها في نجاح المنظمة والمنتج) التي نشرت في مجلة (العلوم الإنسانية والإدارية) إن التميز مطلب حيوي للحياة المعاصرة، والمستقبلية، وبه نضمن جودة الأداء، ورقي النواتج، ومن خلاله نتمكن من الحكم على أداء الأفراد. وإذا كان تجويد العمل والوصول به إلى التميز مطلب حياتي بشكل عام، فإنه ألزم في العمل التربوي هو السبيل المضمون للوصول إلى الريادة والرقي المجتمعي.
ويعتبر إدارة التميز من المداخل الإدارية المهمة في تطوير الأداء المؤسسي، كما أنه بعد – في الوقت ذاته – من أهم الموضوعات الإدارية الحديثة القادرة على تحقيق المزايا التنافسية والتطوير الدائم وسط بيئة الأعمال التي تتميز بالتغيرات السريعة والمتلاحقة.
ولعلنا وجدنا العديد من المنهجيات والطرق والأساليب التي يمكن استخدامها لتنفيذ وتطوير التميز الإداري والتنظيمي في المؤسسات، منها بعض الأنظمة الأمريكية والأوربية والسنغافورية واليابانية وغيرها، إلا أنها تحتاج إلى شرح طويل، إذ إن كل طريقة تحتاج إلى مقال قائم بذاته، وهذا صعب، لذلك وجدنا أنه من المناسب في هذا الجزء الأول من المقال أن نتحدث عن بعض الأمور أو القواعد الأساسية التي يمكن التفكير فيها قبل البدء في تنفيذ وتحقيق التميز الإداري والتنظيمي في المؤسسات، ومن ثم يمكن أن نستعرض بعضًا من تلك المنهجيات وما إلى ذلك.
إلا أنه يجب أن يكون معلومًا أن التميز الإداري والتنظيمي ليس هو الهدف النهائي، وإنما الهدف من تحقيق التميز الإداري والتنظيمي هو تحقيق التفوق التنظيمي والمؤسسي والذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تطوير أداء الموظف والمسؤول، لذلك فإنه في المقام الأول نحتاج إلى التميز الإداري والتنظيمي والذي يمكن أن يتم بالطرق التالية:
إيجاد المسؤول الإداري القائد؛ قلنا عدة مرات، وربما قال الكثير من علماء الإدارة إن المؤسسات لا تحتاج إلى مسؤول إداري فقط، وإنما هي تحتاج إلى مسؤول إداري قائد، بمعنى أن يكون هذا المسؤول يتمتع بالذكاء الإداري، والذي يوازن من خلاله ما بين مهنته كمسؤول ووظيفته كقائد، ففي بعض الأحيان يمارس صلاحياته ويتصرف كمسؤول إداري؛ يعاقب ويكافئ ويطالب الموظفين بإنجاز المهام وما إلى ذلك، وفي أحيان أخرى يحاول أن يتواصل مع الموظفين ويشعر بهم وبمشاكلهم وأن يحدد معهم الأهداف ويسعى معهم لتنفيذ تحقيق تلك الأهداف، فقد وجدنا أن بعض المسؤولين يجلس في مكتبه المكيف ويطالب الموظفين بتحقيق بعض الأعمال في مواقع العمل البعيدة، ولا يحاول أن يفهم طبيعة العمل وكيفية تحقيقه، وعندما يتأخر العمل بسبب أو لآخر فإنه يقوم بتوبيخهم أو حتى بمعاقبتهم، في المقابل وجدنا بعض المسؤولين الذين هم من يبادر بأخذ زمام الأمور، ويبدأ بنفسه في العمل اليدوي، مما يشجع بقية الموظفين على العمل.
البناء الاستراتيجي للمؤسسة؛ لا يمكن العمل من دون هذا البناء، فالعمل الاستراتيجي يعني أن يكون للمؤسسة رؤية ورسالة وأهداف طويلة وقصيرة المدى، وبرنامج عمل بنيت على هذه الأهداف، بمعنى أن تعمل المؤسسة وفق المنهجية المؤسسية وليست العشوائية. إن وجود هذا البناء في المؤسسة يؤدي إلى سريان الشعور بالرضا والسعادة بين الموظفين من طرف، والثقة المتبادلة بين الموظف والمسؤول من طرف آخر، ليس ذلك فحسب وإنما في التنظيم الهرمي تصل الثقة إلى رأس الهرم وفي الإدارة العليا التي هي أساسًا جزء أساسي من هذا الهرم، فرأس الهرم لا يمكنه أن يعمل بمعزل عن القاعدة، وكذلك فإن القاعدة لا يمكنها أن تعمل بالجودة المطلوبة إلا بوجود رأس هرم متفهم وقيادي.
الحوكمة؛ قلنا في مقال سابق إن الحوكمة تعني مجموعة من القوانين والقواعد والإجراءات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء من خلال اختيار الأساليب الصحيحة والفعّالة من أجل إدارة المؤسسة وتحقيق أهدافها، بمعنى اتباع نظام معين للتحكم في العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر على أداء المؤسسة، مما يُساعد على تنظيم العمل وتحديد المسؤوليات لتحقيق الأهداف على المدى الطويل. وهذا يعني بصورة عامة أن تكون لدى المؤسسة حتى تحقق التميز الإداري والتنظيمي قواعد ومبادئ واضحة وشفافة لضمان المراقبة والعدالة والشفافية. فلا يمكن تحقيق العدالة والمؤسسة تمارس الازدواجية في التعامل بين الموظفين، ولا يمكن تحقيق الشفافية والمؤسسة لا تقوم بتوزيع الأدوار والمسؤوليات وفق الكفاءات المهنية والعلمية وإنما تقوم بتوزيعها وفق الأهواء والمصاهرة.
خدمة العملاء؛ قلنا عدة مرات، أنه عندما نتحدث عن العملاء فإننا نتكلم عن نوعين من العملاء؛ العملاء الداخلون والعملاء الخارجون، والعملاء الداخلون هم الموظفون، والعملاء الخارجون هم العملاء الذي يتعاملون مع المؤسسة من خارج المؤسسة. وجدنا أن بعض المؤسسات تهتم اهتمامًا منقطع النظير بالعميل الخارجي فتوفر له كل المتطلبات التي يحتاج إليها قبل أن يفكر أنه في احتياج إليها، وكذلك يمكن أن توفر له كل المتطلبات حتى التي لا يحتاجها، ولكنها في المقابل تنسى الموظف الذي يعيش في المؤسسة، فيشعر بالإهمال بل وفي الكثير من الأحيان بالظلم والإهانة والتهميش، لذلك فإن هذا الموظف الذي يعيش هذا التهميش فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم بخدمة العميل الخارجي أيًا كان طلبه، وهذا يعني أن فشل المؤسسة يكون واضحًا للعيان، ومن الحتمية أن هذه المؤسسة لن تتمكن من التميز الإداري والتنظيمي، لذلك فإنه من المهم أن نفكر في طرفي المعادلة، فعندما يشعر الموظف بالسعادة والرضا الوظيفي فإنه سوف يسعد العميل الخارجي فتتحقق المعادلة المطلوبة.
منهجية التقييم والتقويم؛ من حق المؤسسة أنها تقوم بعمليات المراجعة وتقييم الأداء بصورة عامة وأداء الموظفين والإداريين وكل من يعمل ضمن هذه المؤسسة، وكذلك من حقها أن تقوم بعملية تقويم لكل أداء يقل مستواه عن المستوى المرجو، وهذا لا خلاف فيه. ولكن يجب أن نفهم أمرين حول هذا الموضوع: أحدهما، أن عملية التقييم والتقويم يجب ألا يكونا سيفًا مسلطًا على رقاب الموظفين والمسؤولين يستخدمها المسؤول الإداري بطريقة مستفزة من أجل إهانة البشر وإخضاعهم وابتزازهم، وإنما هي تستخدم بهدف تطوير العمل المؤسسي من ناحية، وثانيهما، أن الموظف يجب ألا يشعر أن التقييم والتقويم ما هما إلا مصيدة تحاول به المؤسسة أن تتصيد عليه الأخطاء حتى تحاسبه وتقضي على طموحاته وتفكيره الإبداعي، لذلك فإن عملية التقييم والتقويم يجب أن تتم وفق منظومة منهجية ووفق دراسات واضحة وشفافة حتى لا يشعر أحد أنه مقصود من أجل أقصاءه أو تهميشه. وكذلك فإن على المؤسسة بعد أن تكتشف من خلال هاتين العمليتين أن هناك قصور في الأداء العام فإنه ينبغي أن تضع برنامج لتطوير الأداء المؤسسة لجميع الذي يحتاجون إلى تطوير الأداء من خلال التدريب والتعليم.
منهاج الاستدامة؛ نعرف أن الاستدامة تعني بقاء التميز واستمراره في أداء المؤسسة وأداء العاملين في المؤسسة من موظفين ومسؤولين. فربما قامت مؤسسة ما بالعمل في تطوير النقاط السابقة الذكر، لكنها بعد عدة سنوات وجدت نفسها لا تستطيع البقاء والاستمرار في هذا التميز، أو أن بعض المؤسسات قامت بالتغلب عليها ودفعت بها نحو قاع السلم في منظومة التميز الإداري والوظيفي والمؤسسي، وربما يقول أحدنا إن هذا الأمر طبيعي، ونحن نقول كذلك، إذ ربما ينخفض مؤشر الأداء لدى مؤسستك فتنزل درجة أو حتى درجتين وهذا هو الأمر الطبيعي، ولكن من غير الطبيعي أن يلغى وجودك ويتم تهديد بقائه في منظومة المتميزين. لذلك فإن على المؤسسات التي تعمل وفق منظومة التميز الإداري والتنظيمي أن تفكر في الاستدامة، وتعمل وفق ذلك، وهذا يعني أن البناء الاستراتيجي وبقية الأمور التي ذكرت سابقًا يجب أن تبنى وفق منظومة الاستدامة، وإلا فإنه لا داع للتفكير في التميز الإداري والتنظيمي من الأساس.
التحسين المستمر؛ نعلم اليوم ماذا يعني مفهوم التحسين المستمر وخاصة في المؤسسات التي تحاول أن تحقق التميز الإداري والتنظيمي، وهذا موضوع سنتحدث فيه لاحقًا، ولكن الذي أود أن أقوله هنا أنه ينبغي على المسؤول الإداري القائد والمؤسسات التي تعمل وفق هذه المنظومة أو الراغبة في تحقيق ذلك أن تضع في تفكيرها منهجية التحسين المستمر (الكايزن)، وأن تنشر لا بل وتزرع ثقافة التحسين المستمر بين كل موظفي المؤسسة في أي مستوى كانوا، لأن هذه المنهجية ستسهم في تطوير المؤسسة بصورة منهجية تصاعدية لا يشعر بها إلا من يعايشها ويرغب بالفعل في التطوير والتغيير، والتميز الإداري والتنظيمي.
هذه بعض القواعد التي وجدنا أن تسهم بطريقة أو بأخرى في التميز، ولنا لقاء آخر.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك