الكل بات واعيا لتصريحات وزراء ونواب وقادة عسكريين وصحفيين وغيرهم من عديد الإسرائيليين بشأن نزع الإنسانية عن الشعب الفلسطيني ووصفه بأقذع الصفات الهمجية بهدف شيطنة ذلك الشعب وتبرير القضاء عليه. بل إن هذه التصريحات تثبت التطور «الطبيعي» لعملية الإبادة الجماعية التي تحدث في قطاع غزة، وبشكل آخر في الضفة الغربية والقدس، ويتابعها العالم أجمع على الهواء مباشرة صوتا وصورة.
الإبادة الجماعية الجارية كشفت سوءات الكثيرين حيث فشل العرب والمسلمون وغيرهم في توفير الحماية لشعب أعزل، ولم يصدر عنهم موقف قوي يمكنه ردع الكيان الصهيوني ووقف جرائمه. كما إن جرائم الإبادة هذه، عرت ادعاءات الغرب وإعلامه ونخبته حول احترام حقوق الإنسان، حيث بات واضحا أن الإنسان المقصود هو الإنسان الغربي حصرًا، أما انتهاكات حقوق الإنسان غير الغربي فلا تدخل تحت هذه المواثيق التي تقر بالحقوق والحريات للإنسان بغض النظر عن عرقه ودينه ولونه وجنسه.
وفي السياق ذاته سقطت وسائل الإعلام الغربية سقوطا مروعا في فخ الانحياز الأعمى للرواية الصهيونية (مقابل السردية الفلسطينية) حيث انكشف زيف تلك الرواية وهي تروج، مع الشبكات الداعمة للكيان الصهيوني، لحملات التخويف والترويع والاستهداف داخل الجامعات في العالم، والأمريكية على الخصوص، ضد كل من ينتقد جرائم الكيان.
النفاق الغربي تجاه الكيان الصهيوني يتجلَّى في مسألة تأكيدهم أن للكيان الصهيوني «حقاَ لا جدال فيه في الدفاع عن نفسه» ضد الفلسطينيين، وهي التي تحتل أراضيهم وتمارس ضدهم أبشع الجرائم الإنسانية، حتى غرق هؤلاء المنافقون في أكاذيب شنيعة، رغم تصريحات لفظية لزعماء غربيين، من هنا وهناك، تؤكد ضرورة وقف حرب الإبادة في قطاع غزة (وحرب التهجير في الضفة الغربية والقدس)، وتحذيرات آخرين للكيان من خسارته معركة العلاقات العامة وفقدانه سرديته بسبب «السوشيال ميديا» وما تنقله من صور.
بل إن السيناتور الأمريكي (ميت رومني) اعترف بأن خسارة الكيان الصهيوني لمعركة السردية هي أحد أسباب الضغط من أجل إغلاق تطبيق «التيك توك» في الولايات المتحدة، وذلك على عكس الادعاء الحصري بأنه «خطر على الأمن القومي الأمريكي» كما جاء في سياق تبرير إصدار قانون بيع أو إغلاق «التيك توك» خلال عام.
من المعيب أن هؤلاء المنافقين ليس لديهم نية بعد لاستيعاب حقيقة أنه لا يمكن حبس روح الإنسان الفلسطيني إلى الأبد وأنه، دائما، قادر على ابتكار طرق جديدة للتحرر رفضا للدونية والسجن والقتل الدائمين، والنهوض من الرماد كما طائر الفينيق.
وعليه، ستبقى الإبادة الجماعية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني شاهدة على أكبر عملية تواطؤ ضد شعب أعزل، وستبقى صور الدمار والقتل بوحشية لأطفال ونساء وشيوخ وعموم أهل قطاع غزة كابوسا يطاردهم.
وبالمقابل، لن ينجح الاحتلال في فرض ما لا يقبله الشعب الفلسطيني أو أن يقفزوا على جراحه وآلامه، والأهم أن يستغلوها لفرض أجندات لا تتوافق مع تطلعات الشعب، وستفشل أفكاره حول الاختيار بين من يريد أن يتحكم بالفلسطينيين عسكريا في غزة، ومن يريد أن يفرض عليهم حكما محليا أو أجنبيا!
وهذا هو، بالذات، جوهر الهمسة التي يتوجب تفريغها في آذان العالم المنافق هذا، قبل أن تستكمل شعوب الدنيا (بما فيها جماهير واسعة في العالم الغربي) حالة فقدان الثقة المتنامية بخصوص مقولات «سيادة القانون والشرعية الدولية» التي غدت –حتى الآن- مجرد أداة في يد العالم الغربي … المتصهين!
ولقد بات واضحاً أن سياسة تكريس هذا النفاق أدت إلى مضي «إسرائيل» في غيّها إلى درجة انفضاح جوهرها الاحتلالي الأبادي، وتظهير السردية الفلسطينية بخصوص الصراع وتاريخه، إضافة إلى انفضاح الدول الغربية المنافقة أمام جماهيرها.
والحال كذلك، تأكد أن «غربال» النفاق فشل في حجب شمس الحقيقة، ولأن استمرار سياسة النفاق أدى إلى نتائج عكسية بحيث إنه أضعف ويضعف الدولة الصهيونية ومنافقيها في آن معا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك