في أواخر مايو 2024، أعلن «ريشي سوناك»، رئيس وزراء المملكة المتحدة، إجراء الانتخابات العامة في 4 يوليو لتكون الأولى منذ ما يقرب من خمس سنوات. ومع إعلانه أن هذه هي «اللحظة المناسبة لبريطانيا لاختيار مستقبلها»، وبعد 14 عامًا من انفراد «حزب المحافظين» بالسلطة؛ تشير استطلاعات الرأي إلى توقع فوز «حزب العمال» المعارض، بقيادة السير «كير ستارمر»، وبفارق كبير؛ يُشبه ما حدث عام 1997 عندما فاز العمالي «توني بلير»، على المحافظ «جون ميجور».
وفضلًا عن التركيز على الاهتمامات الاقتصادية، والصحية، والاجتماعية المحلية -كما أشارت «أوليفيا أوسوليفان»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، حيث «سينشغل رئيس الوزراء القادم بمواجهة المعضلات الصعبة التي ستواجهها حكومته - ستلعب الشؤون الخارجية «دورا بارزا» خلال هذه الدورة الانتخابية، حيث تجتذب سياسات الحزبين الرئيسيين تجاه «الحرب في غزة»، قدرا كبيرا من اهتمام وسائل الإعلام والناخبين، فضلا عن استمرار الانقسام داخل الحزبين بشأن التعامل مع عدد من المتغيرات العالمية.
ونظرًا لأن البرلمانات البريطانية محددة المدة بحد أقصى خمس سنوات، لم يضطر «سوناك»، إلى الدعوة لإجراء انتخابات في وقت لاحق من عام 2024؛ لكن فيما وصفته «فاي براون»، من شبكة «سكاي نيوز» بأنه «مقامرة انتخابية ضخمة»؛ قرر القيام بذلك في وقت مبكر كثيرا عما كان متوقعا. وأشارت «أوسوليفان»، إلى أنه «سينتظر ليرى ما إذا كان قد طرأ تحسن على أرقام استطلاعات الرأي الخاصة به، وما إذا كانت الأخبار الاقتصادية في المملكة ستصبح أكثر إشراقاً»؛ لكن مع انخفاض التضخم في الاقتصاد إلى 2,3% -وهو الأدنى منذ قرابة ثلاث سنوات- يبدو أن رئيس الوزراء قد استغل النجاح الاقتصادي كذريعة لمحاولة التشبث بالسلطة.
ومع ذلك، فمن المتوقع خسارة «المحافظين» للانتخابات الوطنية، وتشكيل «حزب العمال» للحكومة المقبلة. ووفقا لآخر استطلاع للرأي أجرته صحيفة «التليغراف»؛ فإن حزب المعارضة الرئيسي يتقدم بـ17 نقطة مئوية على الحزب الحاكم؛ ما يعيد إلى الأذهان ما حققه حزب العمال من انتصارات ضد المحافظين في عامي 1945 و1997. وعلى الرغم من تقدير «لاري إليوت»، في صحيفة «الجارديان»، أن هناك «حماسًا أقل» لتقلد «ستارمر»، رئاسة الوزراء، كما كان عليه الحال إبان حقبة «توني بلير»، قبل 27 عامًا؛ إلا أن الاستطلاع -المذكور أعلاه- يعكس نظرة الناخبين إليه على أنه أكثر جدارة بالثقة، ومحبوبًا وصادقًا من سوناك، وأكثر ذكاءً وحسمًا.
وعلى الرغم من تشابه رؤى قيادات حزب العمال والمحافظين حيال قضايا السياسة الخارجية، بما في ذلك «الدعم المستمر لإسرائيل في حربها على غزة»، و«دعم أوكرانيا ضد روسيا»؛ فإن حجم المسائل المتعلقة بالشؤون الخارجية قد ارتفع أثناء هذه الانتخابات عما جرى عليه العُرف.
ومع موافقة 18% فقط من البريطانيين على رد حكومة المحافظين على الحرب الإسرائيلية في غزة، أشارت «إيفي أسبينال»، من «مجموعة السياسة الخارجية البريطانية»، إلى أن «نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت في وقت سابق من هذا العام، قد أوضحت بالفعل «التأثير الانتخابي الذي يمكن أن تحدثه الأزمة». ومع انخفاض التأييد لـ«ستارمر»، بنسبة تصل إلى 18% في بعض مناطق البلاد -لا سيما تلك التي تضم أعدادًا كبيرة من المسلمين - رأت أن كلا الحزبين «لديهما طريق طويل لإعادة بناء الدعم الشعبي».
وعندما تتبوأ الحكومة المقبلة منصبها -أيًّا كان توجهها السياسي - فإن «أوسوليفان»، ترى أن الاستجابة لأزمة غزة سوف تكون «صعبة». وفي حالة فوز حزب العمال المتوقع، ومع الانتقادات المتكررة لقيادة ستارمر طوال الأزمة، بسبب دعمه لإسرائيل وانحيازه لها ضد الفلسطينيين، يبدو من غير الواضح مدى اختلاف نهجه عن الحكومة الحالية.
وفي ظل دعوة قادة المعارضة للحكومة الحالية لنشر «التقرير القانوني»، الذي تلقته وزارة الخارجية، حول ما إذا كانت إسرائيل قد انتهكت القانون الدولي في غزة -وهو الأمر الذي سيجعل بدوره استمرار نقل الأسلحة إليها بمثابة المساعدة في مثل هذه الانتهاكات - تطرقت «سوليفان»، إلى الكيفية المتوقع بها نشر حكومة حزب العمال المنتخبة لهذه المعلومات، وتوضيح موقفها بشأن صادرات الأسلحة. وبالفعل، يوجد داخل الحزب العديد من الشخصيات البارزة التي دعت إلى فرض حظر فوري على عمليات نقل الذخائر إلى إسرائيل، بما في ذلك «أنس سروار»، زعيم حزب العمال الاسكتلندي، الذي اعترف بانتهاكها الواضح للقانون الدولي في غزة، و«صادق خان»، عمدة لندن الذي نادى بوقف المبيعات، ودعا البرلمان إلى «ممارسة ضغوط حقيقية لإنهاء هذه المأساة».
وعلى نحو مماثل، يتبين أنه في حين قاوم «المحافظون»، إعادة تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إلى أن يتم الكشف عن نتائج التحقيق الذي يجريه مكتب خدمات الرقابة الداخلية التابع للأمم المتحدة؛ فقد اقترح «حزب العمال»، أنه سيفعل الأمر ذاته حال فوزه بالانتخابات العامة، وأيضا ما لم يتم الكشف عن نتائج التحقيق التي يجريها المكتب، لكن «ستارمر»، وأقرب مستشاريه التزموا الصمت بشأن مزيد من التفاصيل.
ومع إعلان «إيرلندا»، و«إسبانيا»، و«النرويج»، الاعتراف بدولة فلسطين، كرد مباشر وقوي على الهجوم الإسرائيلي على غزة، واستمرار ضم الأراضي في كل من الضفة الغربية والقدس الشرقية؛ ظهرت كثير من الشكوك حول ما إذا كانت الحكومة البريطانية القادمة ستقوم بهذا الأمر، خاصة أن هذا لن يتضح إلا من خلال الحملة الانتخابية الراهنة. وفي حين أشار وزير الخارجية اللورد «كاميرون»، في يناير الماضي إلى أن حكومته تدرس مثل هذه الخطوة؛ فإن «حقيقة أن هذا الاقتراح قد قوبل برد فعل عنيف فوري من قبل النواب المحافظين الذين يواصلون دعم إسرائيل، يشير إلى أن حكومة سوناك حال إعادة انتخابها لن تقوم بهذا الاعتراف.
وفي حين صرح «ستارمر»، برغبته في الاعتراف بدولة فلسطين إذا تم انتخابه؛ فقد تعرض مرة أخرى لضغوط سياسية. في مقابل ذلك، طالب زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي «جون سويني»، مؤخرا بريطانيا بالاعتراف بدولة فلسطين، سواء كانت لديها حكومة من حزب المحافظين أو العمال.
ومع تأكيد تقرير «اللجنة البريطانية المستقلة لتأثير المساعدات»، أواخر شهر مايو الماضي، بأن معظم المساعدات المرسلة إلى غزة لم تصل إلى المدنيين الفلسطينين الذين يحتاجون إليها؛ لأن إسرائيل تواصل منع دخولها؛ أشارت «أوسوليفان»، إلى ضرورة أن توضح الحكومة «ملامح استراتيجيتها وموقفها على المدى الطويل بشأن هذه الحرب»، خاصة حيال جرائم إسرائيل، والتأكد مما إذا كانت بريطانيا تريد من حليفتها الالتزام بالقانون الدولي، وتحمل المسؤولية عن انتهاكاتها أم لا.
علاوة على ذلك، فإن علاقات «المملكة المتحدة»، مع الدول الأوروبية ودول الناتو هي أيضًا نقطة أخرى ذات أهمية كبرى في خضم تلك الانتخابات. وأشارت «أوسوليفان»، إلى أن شهر يوليو القادم الذي ستجرى فيه الانتخابات العامة، هو نفس شهر انعقاد «قمة الناتو»، السنوية في واشنطن، تليها استضافة لندن لـ«قمة المجتمع السياسي الأوروبي»، وتعتبر نتائج كلا الحدثين «مهمة لتوضيح ملامح علاقة بريطانيا المستقبلية مع الدول الأوروبية، ومدى دورها في حماية شؤون الأمن الأوروبي.
وفي حالة «قمة الناتو» المرتقبة، أشارت إلى أنها توفر للحكومة المقبلة الفرصة «لتعزيز صورتها كدولة رائدة في مجال الدفاع والأمن الأوروبيين»، وذلك لأن جميع الأطراف الأوروبية الرئيسية «احتفظوا باستمرار بموقف ثابت من الدعم»، ومن غير المتوقع أن يتغير استمرار دور بريطانيا، ليس فقط باعتبارها «الداعم والمانح الرئيسي» لكييف بالسلاح والمال، بل أيضا باعتبارها «حافزا للحلفاء الأوروبيين الآخرين» للتصدي والوقوف في وجه الروس.
وفضلا عن ذلك، سيكون لانتصار حزب العمال في الانتخابات العامة عواقب أيضا على العلاقات الأنجلو-أمريكية، إذا ما أُعيد انتخاب «دونالد ترامب». ومع أن «أوسوليفان»، رأت أن توقيت الانتخابات العامة يعني أن الحكومة المقبلة سيكون لديها «بعض الوقت للتحضير للانتخابات الأمريكية في نوفمبر»؛ فقد صرح وزير الخارجية في حكومة الظل «ديفيد لامي»، رفضه علنًا سياسة «ترامب»، مشيرا إلى أن انتخاب «ستارمر»، و«ترامب»، يمكن أن يؤدي إلى تدهور العلاقات بين «لندن» و«واشنطن». وحتى في حالة إعادة انتخاب المحافظين أنفسهم، أوضحت أن عودة ترامب إلى السلطة ستكون مصحوبة «بتقديم صفقات لا هوادة فيها»، أمام حلف شمال الأطلسي. وعليه، فإن الضغوط على القيادة الأمنية البريطانية ستكون شديدة وأمرا محتملا بغض النظر عن نتائجها.
ويشكل «الأمن الداخلي»، عنصرا آخر في خضم هذه الانتخابات، لاسيما مع إشارة «أسبينال»، إلى الكيفية التي يعتزم بها «سوناك»، التلاعب بقضية الأمن القومي، ومنحها «دورًا رئيسيا في الحملة الانتخابية»، وسط «مشاعر قوية بالافتقاد إلى الأمان»، بين البريطانيين في حالة فوز حزب العمال. وأوضحت «أوسوليفان»، أن الحكومة الجديدة ستواجه سؤالا، حول ما إذا كانت ستجدد التزامها بإنفاق 2,5% من الناتج المحلي الإجمالي على مجال الدفاع بحلول نهاية العِقد الحالي. وعلى الرغم من أن «ستارمر»، وافق على ذلك، فقد لاحظت الباحثة أن حزب العمال «لم يؤكد الموعد النهائي»، لتنفيذ تلك الخطوة إذا تم انتخابه، خاصة مع الأخذ في الاعتبار حالة «الحذر المالي»، الراهنة، وبطء معدل نمو الاقتصاد في السنوات الماضية.
على العموم، يدرك الخبراء والمراقبون حقيقة أن اختيار الناخبين البريطانيين ما بين «المحافظين»، و«العمال»، لن ينطوي على عواقب وتأثيرات عميقة على السياسة والتجارة العالمية، كما هو الحال مع الانتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم. واعتبرت «إيما سالزبوري»، من «مجلس الاستراتيجية الجيواستراتيجية»، أن هذه النتيجة «لن تسبب حالة من عدم اليقين عالميا»، حيث ستظل بريطانيا في نهاية المطاف «ملتزمة تجاه الحلفاء والشركاء» على حد سواء.
ومع تعرض كلا الطرفين -المحافظين والعمال - لضغوط سياسية كبرى؛ بسبب فشلهما في الاستجابة للكارثة الإنسانية والحرب الراهنة بغزة، بما في ذلك عدم ردهما بشكل مناسب على الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، وحقوق الإنسان للمدنيين الفلسطينيين؛ فقد خلصت «أوسوليفان»، إلى أن الحكومة المقبلة ستواجه «تساؤلات حاسمة وفورية حول سياستها الخارجية»، وخاصة أن التطورات في الشرق الأوسط مازالت في قلب الأحداث العالمية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك