العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

هذا أب أم دُب؟

من‭ ‬عاداتي‭ ‬الحميدة‭ ‬أنني‭ ‬إذا‭ ‬أخذت‭ ‬علما‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬معارفي‭ ‬أو‭ ‬أقاربي‭ ‬او‭ ‬أصدقائي‭ ‬يعامل‭ ‬عياله‭ ‬او‭ ‬زوجته‭ ‬بفظاظة‭ ‬وغلظة،‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أتردد‭ ‬في‭ ‬قطع‭ ‬صلتي‭ ‬به‭ ‬نهائيا‭ ‬وذلك‭ ‬تفاديا‭ ‬لأي‭ ‬مواجهة‭ ‬خشنة‭ ‬بيني‭ ‬وبينه،‭ ‬فالإنسان‭ ‬الفظ‭ ‬في‭ ‬معاملة‭ ‬الآخرين‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬ميالا‭ ‬لسماع‭ ‬النصح‭ ‬او‭ ‬النقد‭.‬

سأروي‭ ‬لكم‭ ‬اليوم‭ ‬واقعة‭ ‬سبق‭ ‬لي‭ ‬عرضها‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مقال‭ ‬قبل‭ ‬شهور،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬ملتصقة‭ ‬بذاكرتي،‭ ‬وهي‭ ‬باختصار‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أب‭ ‬عذب‭ ‬طفله‭ ‬ابن‭ ‬الـ3‭ ‬سنوات‭ ‬وأصابه‭ ‬بشلل‭ ‬تام‭ ‬نتج‭ ‬عن‭ ‬نزيف‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬الدماغ‮»‬،‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬عنوان‭ ‬التقرير‭ ‬الذي‭ ‬نشرته‭ ‬الصحيفة‭ ‬الخليجية‭ ‬التي‭ ‬أوردت‭ ‬الخبر‭ ‬الفاجع‭ ‬المخيف،‭ ‬ورحلة‭ ‬الطفل‭ ‬مع‭ ‬العذاب‭ ‬بدأت‭ ‬وعمره‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬إدخاله‭ ‬مستشفى‭ ‬وهو‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬نزيف‭ ‬دماغي‭ ‬بعد‭ ‬تلقيه‭ ‬صفعة‭ ‬من‭ ‬‮«‬أبيه‮»‬،‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬سنة‭ ‬كاملة،‭ ‬ولكن‭ ‬والده‭ ‬طلب‭ ‬إخراجه‭ ‬على‭ ‬مسؤوليته‭ (‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬لحيوان‭ ‬كهذا‭ ‬مسؤولية‭ ‬أو‭ ‬إحساس‭ ‬بالمسؤولية؟‭). ‬وخلال‭ ‬الأشهر‭ ‬السبعة‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬ذلك،‭ ‬ظل‭ ‬الطفل‭ ‬يتعرض‭ ‬لشتى‭ ‬صنوف‭ ‬الإيذاء‭ ‬الجسدي‭ ‬والعنف‭ ‬ويدخل‭ ‬المستشفيات‭ ‬ويخرج،‭ ‬وقد‭ ‬تابعت‭ ‬حالته‭ ‬مع‭ ‬الصحفي‭ ‬الذي‭ ‬كتب‭ ‬التقرير‭ ‬وعلمت‭ ‬أنه،‭ ‬واسمه‭ (‬اسم‭ ‬الطفل‭) ‬س‭. ‬ع‭. ‬ب‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يرقد‭ ‬طريح‭ ‬الفراش‭ ‬في‭ ‬مستشفى‭ ‬جامعي،‭ ‬وهو‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬تشوهات‭ ‬خارجية‭ (‬وهذه‭ ‬أهون‭ ‬أشكال‭ ‬معاناته‭)‬،‭ ‬وقد‭ ‬أظهرت‭ ‬الأشعة‭ ‬المقطعية‭ ‬حدوث‭ ‬تقلص‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬دماغه‭ ‬نتيجة‭ ‬التعرض‭ ‬للضرب‭ ‬المتواصل‭ ‬في‭ ‬الرأس،‭ ‬فكان‭ ‬من‭ ‬الطبيعي‭ ‬ان‭ ‬يصاب‭ ‬بشلل‭ ‬تام‭ ‬وتصلب‭ ‬تام‭ ‬في‭ ‬الأطراف،‭ ‬يعني‭ ‬إعاقة‭ ‬تامة‭.‬

ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬ان‭ ‬الطفل‭ ‬حي‭ ‬كميت،‭ ‬ولا‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬معجزة‭ ‬طبية‭ ‬تصحح‭ ‬الخلل‭ ‬الجسيم‭ ‬في‭ ‬وظائف‭ ‬أعضاء‭ ‬جسمه‭ ‬الحيوية،‭ ‬بعد‭ ‬تعطل‭ ‬الدماغ،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬الخلايا‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ ‬والحواس،‭ ‬وليس‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬والده‭ ‬يرفض‭ ‬التعامل‭ ‬معه،‭ ‬أو‭ ‬مجرد‭ ‬زيارته،‭ ‬ليس‭ ‬لأنه‭ ‬يحس‭ ‬بالذنب،‭ ‬بل‭ ‬تهربا‭ ‬من‭ ‬تحمل‭ ‬نفقات‭ ‬المستشفى‭. ‬وفي‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للزومه‭ ‬سرير‭ ‬المستشفى‭ ‬الجامعي‭ ‬رافقته‭ ‬أخته‭ ‬لبضعة‭ ‬أيام‭ ‬ثم‭ ‬اختفت‭.‬

معليش،‭ ‬تحملوا‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬أورد‭ ‬تفاصيلها‭ ‬حرفيا‭ ‬نقلا‭ ‬عن‭ ‬تقرير‭ ‬الصحيفة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬احتفظ‭ ‬بالقصاصة‭ ‬التي‭ ‬تحوي‭ ‬مأساة‭ ‬الطفل‭ ‬المجني‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬والده‭: ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬تختفي‭ ‬من‭ ‬المستشفى‭ ‬قالت‭ ‬اخت‭ ‬الطفل‭ ‬الضحية‭ ‬انه‭ ‬لأم‭ ‬إندونيسية،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬نقلته‭ ‬الى‭ ‬المستشفى‭ ‬عندما‭ ‬اعتدى‭ ‬عليه‭ ‬الأب‭ ‬وهو‭ ‬ابن‭ ‬ستة‭ ‬أشهر،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬للأب‭ ‬‮«‬الشهم‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يسكت‭ ‬على‭ ‬تصرف‭ ‬مشين‭ ‬كذلك‭ ‬فقام‭ ‬بـ«ترحيلها‮»‬‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭!! ‬هل‭ ‬فهمت؟‭ ‬قام‭ ‬بتفنيش‭ ‬الزوجة‭ ‬وإبعادها‭ ‬مما‭ ‬يرجح‭ ‬انها‭ ‬دخلت‭ ‬البلاد‭ ‬بتأشيرة‭ ‬خادمة‭ ‬وعملت‭ ‬عند‭ ‬الرجل‭ ‬وتزوجها‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬ان‭ ‬أنجبت‭ (‬والاستنتاج‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬عندي‭) ‬حتى‭ ‬شعر‭ ‬‮«‬بالعار‮»‬‭: ‬وش‭ ‬يقول‭ ‬الناس‭ ‬عني؟‭ ‬جبت‭ ‬ولد‭ ‬من‭ ‬خدامة؟‭ (‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬تزوج‭ ‬بها‭ ‬سرا‭ ‬للمتعة‭ ‬فقط‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬مهيأً‭ ‬لتحمل‭ ‬ما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬الزواج‭ ‬من‭ ‬مسؤوليات‭ ‬وانجاب،‭ ‬أي‭ ‬قضى‭ ‬منها‭ ‬وطرا‭ ‬ثم‭ ‬عافها‭ ‬واستعر‭ ‬منها‭)‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬بدأ‭ ‬يفش‭ ‬غله‭ ‬في‭ ‬الطفل‭ ‬المسكين‭ ‬الذي‭ ‬أفسد‭ ‬عليه‭ ‬متعة‭ ‬الاقتران‭ ‬بالزوجة‭ ‬الخادمة‭! ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تقله‭ ‬الصحيفة‭ ‬في‭ ‬تقريرها‭ ‬ووددت‭ ‬أن‭ ‬تفعله‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬لاحق‭ ‬هو‭ ‬تقصي‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الأب‭ ‬قد‭ ‬تعرض‭ ‬لأي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭! ‬هل‭ ‬أبلغت‭ ‬عنه‭ ‬المستشفيات‭ ‬التي‭ ‬عالجت‭ ‬الطفل؟‭ ‬هل‭ ‬واجه‭ ‬تهمة‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬القتل؟

إذا‭ ‬كان‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬الانتماء‭ ‬الى‭ ‬جنس‭ ‬البشر‭ ‬حرا‭ ‬طليقا‭ ‬فإنني‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬يتبنى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الخيرين،‭ ‬وما‭ ‬أكثرهم،‭ ‬قضية‭ ‬هذا‭ ‬الولد‭ ‬بهدف‭ ‬الاقتصاص‭ ‬من‭ ‬والده‭ ‬المزعوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القضاء‭ (‬والولد‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬موت‭ ‬سريري‭ ‬وقد‭ ‬تنازل‭ ‬المستشفى‭ ‬عن‭ ‬نفقات‭ ‬رعايته‭). ‬وبالمناسبة‭ ‬فأمثال‭ ‬هذا‭ ‬الوغد‭ ‬كثيرون،‭ ‬وهناك‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يتعرضون‭ ‬لشتى‭ ‬صنوف‭ ‬التعذيب‭. ‬وهناك‭ ‬حاجة‭ ‬الى‭ ‬جمعيات‭ ‬لحماية‭ ‬الطفولة،‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬بمعنى‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬مكاتب‭ ‬وتعقد‭ ‬المؤتمرات‭ ‬التي‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬الكلامنجية،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬النوع‭ ‬الذي‭ ‬يخصص‭ ‬خطوطا‭ ‬هاتفية‭ ‬ساخنة‭ ‬ويشجع‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يتعرضون‭ ‬للتعذيب‭ ‬للتبليغ‭ ‬عن‭ ‬معاناتهم‭ ‬حتى‭ ‬يتسنى‭ ‬تقصي‭ ‬صدقيتها‭ ‬والتدخل‭ ‬السريع‭ ‬بمساعدة‭ ‬الجهات‭ ‬الرسمية‭ ‬لإنقاذهم‭ ‬ومساءلة‭ ‬معذبيهم‭. ‬وصولا‭ ‬الى‭ ‬إقناع‭ ‬القضاء‭ ‬بعدم‭ ‬أهلية‭ ‬من‭ ‬يعذبون‭ ‬أطفالهم‭ ‬برعايتهم‭ ‬والوصاية‭ ‬عليهم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا