عندما نزل قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا) المائدة / 3.
كان هذا إعلان إلهي على أن الدين بنزول هذه الآية الجليلة قد اكتمل، وبلغ ما يدعو إليه من قيم ومبادئ القمة، وأنه ليس هناك زيادة لمستزيد، ولا تعقيب لمعقب، ثم أصبح بنزول هذه الآية، أن الحق سبحانه وتعالى كما اختارنا للإسلام، اختار الإسلام لنا، وقدم بين يدي هذا الاختيار حيثيات هذا الاستحقاق، فقال في مواضع أخرى من كتابه العزيز بعض الصفات التي أهلت هذه الأمة لمثل هذا المقام الكريم، قال تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آل عمران/ 110.
وقال تعالى عن أهم صفة نالت بها الأمة هذا الاستحقاق، وهذا الاختيار، وهي صفة الوسطية، وما تقتضيه هذه الصفة من العدل والاستقامة، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) البقرة / 143.
كل ذلك رفعة وتقديرًا لشأن هذه الأمة التي اختارها الله تعالى من بين الأمم ليختم بها كل ما يتعلق بالإسلام من خاتمية في الرسالة، وخاتمية في الشريعة لا معقب لها، وخاتمية في الرسول، وخاتمية في المنهاج، وقبل ذلك وبعده، خاتمية في المعجزة.
إذًا، فنحن عندما نتتبع القيم والمثل العليا التي دعا إليها الإسلام، ونوه بفضلها وتميزها على الدعوات الأخرى، وما جاءت به من قيم إنما في الحقيقة نؤسس لهذه القيم الثابتة المتطاولة إلى عنان السماء، وبالتالي حين تثبت الأمة عليها، وتستجيب لأمرها ونهيها، فنحن في حقيقة الأمر نرسي ونؤسس لدولة العلم والإيمان، والعمل الصالح، وسوف نحاول أن نسبر أغوارها ونتلمس السبيل السوي إليها، وفي ذلك ضمان لنهضة الأمة، وحماية لكيانها وسط الأعاصير والرعود، والرياح العاتية.
ومن هذه القيم، قيمة الوحدة، وحدة الأمة وسلامة بنيانها في الداخل والخارج، وحتى تتأكد هذه الوحدة، وتستعصي على محاولات الهدم والتدمير الذي يحاوله خصوم الإسلام، ولا يزالون يفعلون ذلك، فلابد وأن تتأسس هذه الوحدة على التوحيد، قال تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء 92.
إذًا، فالوحدة هي الأساس المكين لنشوء الأمة، وثبات أركان الدولة لا بد وأن يكون لها نسب وثيق بالتوحيد، وهو القيمة العليا التي لا تتبدل ولا تتغير مهما تطاول عليها الزمان، وتغيرت حولها الظروف، وإذا لم تتخذ الوحدة التوحيد الخالص أساسًا لها - ونعوذ بالله تعالى أن يحدث ذلك - فلن تقوم للأمة قائمة، ولن تستطيع أن تواجه الأمة خصومها إذًا، فالوحدة النابعة من التوحيد هي عمود الأمة القوي الذي تواجه الأمة به خصومها.
ومن القيم الثابتة، والقوية قيمة العدل، وهو قيمة عليا سامقة ستظل رايتها مرفوعة إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.
قال تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا) النساء/ 58.
والرحمة عنوان هذه الأمة، وسبيلها إلى كسب ولاء الناس، لهذا الدين الكامل في كل شأن من شؤونه، وجعلها الله تعالى في يد النبي الخاتم، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء/ 107، فهو وحده صلى الله عليه وسلم المأمون عليه لأن به خُتِمَ النبيون، وبشريعته ختمت الشرائع، وبرسالته ختمت الرسالات، بل بأمته ختمت الأمم.
والتواضع قيمة عليا، وصفة جليلة، وهي صفة محمودة يزهد فيها كثير من الناس، ولا ترى على بابها ازدحامًا، ولا تدافعًا، يقول تعالى: (كلا لا تطعه واسجد واقترب) العلق / 19.
فإذا أردت مزيدًا من القربى من الله تعالى، فزد في تواضعك له سبحانه لأنه من تواضع لله سبحانه رفعه.
هذه بعض القيم السامقة والمثل العليا التي يرفع الإسلام لواءها، ويحض الناس عليها، ويثيب من آمن بها، وعمل بمقتضاها في زمن ساءت فيه أخلاق الناس، وساروا وراء كل ناعق، وهي قيم قد يخفى على بعض الناس سموها وعظمتها، ولو كلفوا أنفسهم عناء تدبرها، وحرصوا على الالتزام بها، والتخلق بأخلاقها، والتجمل بصفاتها لنهضت الأمة، وعادت إلى سابق مجدها، وعظيم شأنها بين الأمم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك