في 30 مايو2024، استضاف الرئيس الصيني شي جين بينغ مجموعة من كبار الشخصيات العربية خلال الاجتماع الوزاري العاشر لمنتدى التعاون الصيني- العربي، بحضور قادة أربع دول عربية على رأسهم جلالة الملك، رئيس القمة العربية، وأكثر من 20 رئيسا ووزير خارجية. احتفى الرئيس شي، بتطور العلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية بين الجانبين خلال العقدين الماضيين، وتبنى قناعات بالحاجة إلى مزيد من التعاون، وخاصة في مجالات التمويل، والتكنولوجيا، وأمن الطاقة.
وفي إطار التحليل الغربي للقمة، جرى التركيز بشكل كبير على ما أدلى به المسؤولون الصينيون من تصريحات بشأن الحرب في غزة، وما ينتج عن آثار اصطفاف بكين إلى جانب الدول العربية. وسجل المعهد الإيطالي للدراسات السياسية والدولية، كيف اغتنم الرئيس الصيني الفرصة التي قدمها الدعم الأمريكي لإسرائيل، من أجل توحيد أصوات الصين والدول العربية بشأن القضية الفلسطينية.
وصادف الاجتماع الذي عُقد في بكين، الذكرى السنوية العشرين لتأسيس منتدى التعاون العربي- الصيني، الذي يضم في عضويته كافة الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية، وتتم استضافته بالتناوب بين الصين ودول الجامعة العربية. وكما أوضحت ريبيكا ريدليش من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإنه ليس مصادفة مواكبة استضافة هذه القمة مع زيادة حجم التجارة بين الطرفين عشرة أضعاف، حيث أصبحت هذه الاجتماعات الوسيلة الأولى لبكين للمشاركة المتعددة الأطراف مع العالم العربي.
وبشكل خاص، فإن القمة السابقة التي عُقدت في ديسمبر 2022 بالرياض ركزت على الطاقة المتجددة وأبحاث السيارات وتنمية السياحة، فضلًا عن دورها كوسيلة نحو تعزيز العلاقات الدبلوماسية الأوسع بين الصين، والدول العربية. وبعد ثلاثة أشهر فقط من هذه القمة -التي صرحت وسائل الإعلام الصينية الرسمية حينها بأنها العمل الدبلوماسي الأعلى مستوى، مع العالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية- توسطت بكين في استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية، وإيران، وهي الصفقة التي لا تزال قائمة على الرغم من اضطراب الوضع الأمني الإقليمي الراهن. وكما أشارت ريدليش، فإن حكومة شي جين بينغ، تواصل الافتخار بها، كعلامة على تأثيرها الإيجابي في المنطقة.
وفي نسخة 2024 لـمنتدى التعاون الصيني- العربي؛ مثل الدول العربية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، والرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، ورئيس تونس، قيس سعيد، بالإضافة إلى أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، ووزراء خارجية الحكومات العربية.
وبالنظر إلى كيفية هيمنة الحرب الإسرائيلية على الشؤون الإقليمية خلال الأشهر التسعة الماضية، وفشل الولايات المتحدة في احتواء عدوان حكومة بنيامين نتنياهو، اليمينية المتطرفة ضد المدنيين الفلسطينيين؛ أوضحت الصحف العربية والصينية، كيف تبوأت الحرب على غزة جدول الأعمال للحاضرين في المنتدى. وأشار المراقبون الغربيون إلى كيف قدمت الصين، نفسها كقوة عظمى بديلة، وموضع ثقة في حل الأزمات. وبشكل خاص، تأتي استضافتها للقادة العرب لإجراء محادثات عقب دعوتها بشهر أبريل الماضي لمسؤولين من حركتي حماس، وفتح، للانخراط فيما وصفته الخارجية الصينية بـالحوار المتعمق والصريح حول تعزيز المصالحة الفلسطينية.
ومع تأكيد دينغ لي، نائب وزير الخارجية الصيني -قبيل اجتماع المنتدى- على موقف بكين، بشأن ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وحل الدولتين، وتحقيق استقرار طويل المدى في الشرق الأوسط؛ أشارت وكالة بلومبرج، إلى كيفية إظهار الصين اصطفافها مع شركائها العرب، وكيف أن قرارها بشأن غزة سيساعدها على بسط نفوذها السياسي في بلدان كانت حتى وقت قريب ترى فيها شريكا اقتصاديا في المقام الأول، فضلًا عن الفوز بحلفاء جدد في منافستها العالمية مع الولايات المتحدة.
وفي تقييمه للوضع أيضًا من حيث المنافسة الجيوسياسية الأوسع، رأى جاي بيرتون، من جامعة لانكستر، أن هذا الموقف سيساعدها على تصوير نفسها بأنها تتماشى مع الرأي العام الإقليمي، ضد الجرائم العشوائية التي ترتكبها إسرائيل. وكما أكد أحمد عبودة، من المعهد الملكي للشؤون الدولية، فإن هذه المحادثات تقدم لحكومة شي، فرصة استراتيجية لتعزيز سمعتها ومكانتها في العالم العربي. وبالنظر إلى تراجع المساعي الدبلوماسية الأمريكية؛ فإن المنتدى، يخدم بدوره تركيز بكين على تقويض مصداقية الولايات المتحدة ونفوذها في المنطقة على حد سواء.
ومع ذلك، فإن الخبراء الغربيين مازالوا غير متأكدين مما إذا كانت تصريحات شي، بأن العدالة لا ينبغي أن تغيب، وأنه لا يمكن السماح للحرب بالاستمرار إلى أجل غير مسمى؛ سيكون لها أي تأثير دائم على الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراعات الراهنة أم لا. وتساءل بيرتون، عما إذا كان التوافق بين الصين والدول العربية بشأن مستقبل ومصير الدولة الفلسطينية، سيتجلى في أي تحرك واضح أكثر من مجرد كلام خطابي قوي. وردا على ذلك، أشار باولو مورسيلي، من المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، إلى أن بكين حتى الآن غير راغبة في التورط بشكل مفرط في هذا الصراع، وذلك للحفاظ على موقفها المتوازن، لـحماية علاقاتها الاقتصادية مع إسرائيل، بالتزامن مع حرصها على تأكيد أنها داعم لحقوق الفلسطينيين على المسرح الدولي.
ونظرا إلى تطور العلاقات الاقتصادية بين الصين والدول العربية خلال السنوات العشرين الماضية؛ فقد تمت مناقشة العديد من قضايا التعاون المتعلقة بـالتمويل الإنمائي الدولي، وأمن الطاقة، والتقدم التكنولوجي، في الكثير من المحادثات المتعددة الأطراف. وبالإضافة إلى قيام مجموعة لينوفو الصينية ببيع ما قيمته ملياري دولار من السندات القابلة للتحويل إلى صندوق الثروة السيادية السعودي، وقيام شركة النفط السعودية أرامكو بمحادثات لشراء حصة بقيمة 1.5 مليار دولار في شركة بتروكيماويات صينية؛ فقد أعلنت مجموعة فاو الصينية -ثاني أكبر شركة صينية لإنتاج السيارات الكهربائية- عن اتفاقها مع شركة جي في الاستثمارية المصرية لتصنيع سيارات كهربائية بأسعار معقولة سيتم بيعها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
واستنادًا إلى أن الصين، لا تزال تتلقى أكثر من ثلث احتياجاتها من النفط الخام من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، أوضحت شيرلي يو، من كلية لندن للاقتصاد، أن تعامل بكين مع دول الخليج يعتمد بالأساس على مواصلة نشر قوتها الناعمة في جميع أنحاء المنطقة من خلال العلاقات الاقتصادية المهمة. ويرى محللو بنك يو بي إس، أن العلاقات الصينية المتنامية مع الشرق الأوسط، يمكن أن تضيف أكثر من 400 مليار دولار أمريكي إلى التجارة العالمية المرتبطة بالطاقة بحلول نهاية العِقد الحالي.
وعلى خلفية هذه التطورات، ركزت وسائل الإعلام الصينية على مستوى التضامن وحجم التعاون، بين حكومتها والدول العربية، وأوضحت أن المنتدى قاد العلاقات إلى مرحلة جديدة. ومع ذلك، فمن وجهة نظر ريدليش، كشفت الاجتماعات أيضًا عن حدود للنفوذ الصيني في الشرق الأوسط. وبينما أشارت إلى أن هناك نوعا من التحفظ للدبلوماسية الصينية في المنطقة؛ بسبب إحجامها عن معالجة التهديدات الأمنية للدول العربية الناشئة من إيران، فقد أوضحت وكالة بلومبرج، أنه على الرغم من أنه لا يمكن إنكار أن الثقل الاقتصادي والدبلوماسي للصين في المنطقة آخذ في الارتفاع، فإن الولايات المتحدة، تظل بلا منازع الشريك الأمني الرئيسي لدول الخليج. كما أن دفع واشنطن، نحو إبرام اتفاق دفاعي جديد مع السعودية، يمكن أن يكون له تأثير في إبطاء وتيرة التقدم التجاري للصين في المنطقة، وتحديدا من خلال رفع العقبات الأمريكية التي تعترض انتشار التكنولوجية المتقدمة ذات الأهمية الأمنية القصوى.
وعلى وجه الخصوص، تعد هذه العملية سارية بالفعل في القطاع التكنولوجي، حيث أعلنت أكبر شركة للذكاء الاصطناعي في الإمارات «جي 42»، الدخول في شراكة مع شركة التكنولوجيا الأمريكية العملاقة مايكروسوفت في صفقة بقيمة 1.5 مليار دولار، بدلاً من إبرام تلك الشراكة مع منافسيها الصينيين. ورأى عبودة، أن الخليج العربي ينتقل من التحوط الاستراتيجي في مجال التكنولوجيا إلى المواءمة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. ومع ذلك تظل الرياض تحافظ على مسافة معينة من العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع بكين.
على العموم، مع إدراك كاميل لونز، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن الصين أصبحت خلال العقد الماضي، جزءًا أساسيًا، من آمال وطموحات العديد من دول الشرق الأوسط؛ ومع اصطفافها مع الدول العربية بشأن محنة الفلسطينيين بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر، والحاجة الملحة إلى وقف الحرب في غزة وتحقيق السلام على أساس حل الدولتين، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية معها بشكل أكبر؛ فإن القيود المرتبطة بنفوذها وقدرتها على التأثير على الأحداث الجيوسياسية في المنطقة لا تزال أقل من التوقعات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك