تعثرت محاولات التوصل إلى وقف للحرب في غزة عدة مرات؛ بسبب مماطلة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو. حيث أحبطت عدة محاولات تفاوضية من قبل الولايات المتحدة، ومصر، وقطر لإنهاء الحرب. وأقر المراقبون الغربيون أن المتطرفين الإسرائيليين مازالوا يسعون إلى ضم كامل الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، بالإضافة إلى سعي رئيس الوزراء نفسه إلى استمرار الحرب لتحقيق مكاسب سياسية تخدم مصالحه الشخصية.
ودفع رفض إسرائيل، قبول وقف إطلاق النار في أوائل مايو 2024، جون سباركس، من شبكة سكاي نيوز، إلى القول بأن ذلك بعيدًا كما كان دائمًا، كما أن بدء هجومها العسكري على رفح -في انتهاك للخطوط الحمراء التي وضعها الرئيس الأمريكي جو بايدن- قد جعل فرص التوصل إلى اتفاق بعيدة المنال. وانتقد يوسي ميكيلبيرغ، من المعهد الملكي للشؤون الدولية، نتنياهو؛ لاستخدامه التحايل، كأسلوب واضح تجاه المفاوضات لتعزيز طموحاته الشخصية.
وفي حين ظل نتنياهو، وحلفاؤه اليمينيون المتطرفون متشبثين بموقفهم من الهدنة، حيث ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية، أنهم يعارضون بشدة الموافقة على إنهاء الحرب كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار؛ فقد فوجئ المحللون الغربيون بتقديم بايدن مقترحا في نهاية مايو لمرحلة جديدة لوقف إطلاق النار. وعلى الرغم من اعتراف جوليان بورجر، من صحيفة الجارديان، بأن خطة الرئيس الأمريكي مثلت نقطة تحول تاريخية، بالنظر إلى الانتقادات السريعة والحاسمة لها من قِبل نتنياهو، الذي تعهد بمواصلة الحرب؛ فإن هذا الأمر يمثل دلالة أخرى على ضعف النفوذ الدبلوماسي لواشنطن في الشرق الأوسط، فضلاً عن ضعف السياسة الخارجية لبايدن شخصيا.
من جانبه، وصف الرئيس الأمريكي خطته بأنها خريطة طريق إلى وقف دائم لإطلاق النار؛ كونها تتضمن اتفاقا على ثلاث مراحل لتحرير الرهائن الإسرائيليين، والسجناء الفلسطينيين، وزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة، وإنهاء دائم للأعمال العدائية في نهاية المطاف. وشبه جوليان بورغر، في صحيفة الجارديان، هذا الاقتراح بـإعادة صياغة مقترح قديم، معربا عن استيائه من الطريقة التي توقعت بها واشنطن الموافقة على مقترحها، الذي يتبع نفس الخط الأساسي الذي انهار خلال محادثات القاهرة الأخيرة، والاعتقاد بأنه ستتم الموافقة عليه لأنه جاء مباشرة من خلالها.
ويتضمن المخطط الذي تم إعلانه العديد من الشكوك مع نية زيادة عدد شاحنات المساعدات التي تدخل غزة إلى 600 من دون الأخذ في الاعتبار العراقيل المستمرة التي يضعها الإسرائيليون لمنع هذا التدفق، والافتقار إلى تفاصيل حول كيفية إعادة بناء المنطقة بعد انتهاء الحرب، والتي قدرت الأمم المتحدة أنه سيستغرق حتى عام 2040 على الأقل؛ لاستعادة ما دمره الجيش الإسرائيلي من منازل وبنية تحتية. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنه تم إعلان الخطة على ما يبدو دون ممارسة ضغوط فعلية على الإسرائيليين لقبولها.
وعلى عكس تأكيد بايدن، أن هذا اقتراح إسرائيلي للسلام؛ تساءل بورغر عن سبب إعلان الشروط من البيت الأبيض فقط، إذا كان الأمر كذلك، ولماذا لم يكن هناك إعلان مصاحب من إسرائيل. وعندما علق مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن إصراره على أن ظروف إنهاء الحرب لم تتغير، وأنه سيواصل هجماته العسكرية، قد قوض بشكل خطير لغة الرئيس الأمريكي، التي تقول إن الوقت قد حان لإنهاء هذه الحرب.
ومع اعتقاد بورغر، أن الحكومة الإسرائيلية -خلافا لاعتقاد البيت الأبيض- هي مشارك على مضض في محادثات السلام في أحسن الأحوال؛ استشهدت بيثان ماكيرنان في صحيفة الجارديان بتهديد الأعضاء المتطرفين في الائتلاف الإسرائيلي -وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، وإيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي- بالاستقالة حال تمت الموافقة على خطة السلام السالفة الذكر.
وعلى الرغم من أن جاي زيف من الجامعة الأمريكية بواشنطن، أشار إلى أن نتنياهو في حالة نزاع مستمر مع الجنرالات الإسرائيليين ورؤساء المخابرات السابقين والحاليين، بشأن استراتيجية الجيش الإسرائيلي وسلوكه في غزة؛ فإن العديد من الشخصيات العلمانية تعارض بشدة أجندة حكومته الحالية المتمثلة في فرض السيادة اليهودية وإضعاف القضاء، وضم أراضي الضفة الغربية، وإعادة توطين الفلسطينيين خارج قطاع غزة. ومع إصراره على البقاء في السلطة لتجنب المحاسبة عن فساده، فمن المتوقع أن يسترضي الأصوات القومية المتطرفة داخل ائتلافه مرة أخرى، والتي تريد أن تستمر الحرب بلا هوادة.
ومع إشارة آرون ميلر، من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إلى أن نتنياهو لا يزال يحتاج -حتى بعد مضي أشهر من الحرب المدمرة- إلى إظهار أن شيئًا ما قد تم إنجازه عسكريًا؛ فقد اعترفت إيما آشفورد، من مركز ستيمسون، وماثيو كروينج، من المجلس الأطلسي، أن إخفاقات إسرائيل الاستراتيجية هي العقبة الأساسية أمام التوصل إلى وقف إطلاق النار، سواء اقترحه الأمريكيون أو غيرهم. ووصفت الأولى الوضع بـالمؤسف للغاية، حيث إنها غزت القطاع من دون خطة محددة لحكمه ما بعد الحرب، أو خطة لحماية المدنيين الفلسطينيين، علما بأن تلك القضايا هي نفسها التي تتم مناقشتها منذ تسعة أشهر دون نتيجة. فيما أوضح كروينج، أنه على الرغم من دفاعها عن حربها؛ فقد فشلت فشلا ذريعا، في وضع أي خطة لإعادة بناء غزة، أو حماية المدنيين. ونتيجة لذلك، تم إطالة أمد الحرب والمعاناة غير الضرورية للفلسطينيين.
وبالإضافة إلى الإخفاقات الفادحة في التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي، أشار المحللون الغربيون أيضا إلى قصور الدبلوماسية الأمريكية والغربية على حد سواء. ووفقًا لبورغر، فإن اقتراح وقف إطلاق النار الأمريكي قد سلط الضوء على عدم قدرة بايدن، على إدارة دفة العلاقات الدبلوماسية في الشرق الأوسط، وافتقاره التأثير على إسرائيل، مضيفا أن رد الأخيرة الفظ على هذا الاقتراح كان يهدف إلى إذلال بايدن شخصيا. ومع رفضها المتكرر لممارسة واشنطن لنفوذها خلال الحرب، وتجاهل الخطوط الحمراء المتعلقة بعدم مهاجمة رفح؛ علق بورغر، بأن الرئيس الأمريكي ومستشاريه يجب أن يكونوا الآن معتادين على هذا الإذلال.
وعلى الرغم من ذلك، فإن بايدن لم يكتف بالإشارة إلى أن أهداف حرب إسرائيل في غزة مبررة في خطاباته الأخيرة فحسب؛ بل أوضحت آشفورد، أن الإدارة الأمريكية، بدأت تتراجع بشكل محموم عن انتقاداتها اللاذعة لقوات الاحتلال خلال هجومها على رفح من خلال الزعم أن هذا ليس توغلاً كبيرا، أو واسع النطاق، وبالتالي لا يشكل انتهاكا للخطوط الحمراء المتفق عليها سابقا؛ الأمر الذي يعد استمرارا لسياستها للدفاع عن الانتهاكات الإسرائيلية وحمايتها من المساءلة والتحقيق.
ومع استمرار إسرائيل في التصرف بحرية بغض النظر عن المحاولات الأمريكية للضغط، لاحظت آشفورد، أن الخطوط الحمراء الذي وضعها بايدن، تستمر قوات الاحتلال في انتهاكها بالتحرك غربًا وجنوبًا داخل قطاع غزة، وبهذا المستوى من الهجمات الشرسة ستكون الخطوط الحمراء الجديدة عدم تجاوز الحدود المصرية على حد وصفها.
ويتجلى ضعف الدبلوماسية الأمريكية في حقيقية تركيزها على الضغط على حماس لقبول شروط خطة التهدئة، ووقف إطلاق النار. وعلى الرغم من أن الحركة رحبت بالشروط التي حددها بايدن، وذكرت أنها مستعدة للعمل بشكل إيجابي وبناء، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، حث الدول العربية على بناء تحالف إقليمي داعم للخطة، وحث حماس على قبولها دون تأخير، في الوقت الذي تعمل فيه إسرائيل على عرقلتها؛ وعدم انعكاس المناورات الدبلوماسية الأمريكية على أرض الواقع في غزة؛ لإرضاء طموحات نتنياهو في البقاء في السلطة، وإرضاء أعضاء اليمين المتطرف في ائتلافه.
على العموم، بشكل أساسي رفضت إسرائيل التعاطي مع خطة بايدن، لوقف الحرب في غزة، وإحراز أي تقدم بشأنها. وهنا لابد من الإشارة إلى كيف تمت دعوة نتنياهو، شخصيًا من قبل الكونجرس الأمريكي، للتحدث معه في واشنطن، وذلك على الرغم أن هناك مذكرة اعتقال دولية من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، واتهام حكومته أمام محكمة العدل الدولية، بارتكاب إبادة جماعية ضد المدنيين الفلسطينيين. ويؤكد هذا الموقف للمشرعين الأمريكيين مرة أخرى أن لديهم معايير مزدوجة تجاه قواعد حقوق الإنسان العالمية، والقانون الدولي، حيث يرحب السياسيون في الولايات المتحدة بزعيم دولة مارقة، كما وصفها سيمون تيسدال في صحيفة الجارديان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك