لنتخيل إنسانا، مجرد إنسان، يجري يوميًّا وبصفة دائمة كيلو مترا ثم يعود إلى منزله، ترى ماذا يمكن أن يحدث لمثل هذا الشخص بعد مرور سنة؟ هذا يعني أنه قد جرى حوالي 365 كيلو مترًا في السنة.
مرة أخرى، لنتخيل شخص يقرأ كل يوم صفحة من كتاب، ترى كم صفحة يقرأ في السنة؟
ومثله مثل إنسان يذهب إلى المسجد قبيل الأذان بزمن قليل أو ربما مع الأذان، ويقوم بالقراءة من المصحف حوالي 10 صفحات، ولنفترض أنه لا يذهب مبكرًا إلى الفروض الخمسة وإنما يذهب مبكرًا لفرضين فقط، وهذا يعني أنه سوف يقرأ 20 صفحة في اليوم الواحد، و140 صفحة في الأسبوع، وفي الشهر الواحد حوالي 560 صفحة، وهذا يعني أنه يمكن أن يختم القرآن الكريم خلال شهر واحد، وبمعنى آخر حوالي 12 ختمة في سنة واحدة.
ماذا يعني ذلك؟
تشير بعض الحكايات أنه في أولمبياد 1976 كان هناك ثمانية متسابقين لنهائي سباق الـ 100 متر، وكان صاحب الميدالية الذهبية فيهم وهو الأسرع، ولكنه كان أسرع فقط (بعُشر من الثانية) عن آخر المتسابقين الثمانية، بمعنى آخر فرق بسيط في السرعة لكن فروقات هائلة في النتائج.
في إحدى سباقات الخيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وجد أن الحصان الفائز بالمركز الأول حصل على مليون دولار، والحصان في المركز الثاني الذي خسر فقط بفارق مسافة الأنف (أنف الحصان)، وحصل على 75000 دولار فقط، فارق بسيط في المسافة، ولكنه كبير في النتائج.
هذه الفوارق البسيطة، وهذه الاستدامة في الأعمال حتى تتراكم وتصبح النتائج مذهلة، تعرف اليوم بقانون (الإضافة البسيطة)، فماذا يعني هذا القانون؟ وكيف نستفيد منه؟
بعيدًا عن التعريفات الأكاديمية، يمكننا القول إن هذا القانون يعتمد على أساس إدخال بعض السلوكيات البسيطة في حياتنا على أن تكون ذات تأثيرات عالية جدًا من حيث الوصول إلى تحقيق الهدف، فمثلاً: لوكنت تريد أن تطور نفسك في رفع مستوى الوعي في الصمت الداخلي، فمن الممكن أن تضيف سلوكا بسيطا في حياتك فليكن مثلاً أن تطفئ مذياع سيارتك وأنت ذاهب إلى العمل صباحًا، ربما تعتقد أنك لم تغير شيئا، ولكن هذه الإضافة البسيطة ستساعدك على أن تفكر طوال الطريق في أمر معين، أو أن تراقب سلوكك وأنت تسير في الشارع، أو أي شيء آخر.
فهو إذن قانون اجتماعي وحياتي للناس جميعًا؛ فمن خلاله يمكن أن تتغير بعض الأحوال والظروف والسلوكيات، وبسببه يحقق الإنسان كثيرا من احتياجاته وأمنياته ورغباته، إذ يمكن أن يتميز على أقرانه ويظهر الإبداع ويستفيد من الأوقات ويستغل الفرص. بمعنى آخر أن هذا القانون يمكن أن يعيد ترتيب حياتنا وتتحين لنا فرص استغلال الأوقات ويضيف إنجازات جديدة في مسيرة حياتنا.
فلو استيقظ الإنسان مبكرًا مدة ساعة واحدة فقط قبيل الدوام، وقام بالقراءة في مجال تخصصه، فإنه سوف يحصل على 7 ساعات قراءة في الأسبوع.
ولكن هذه الإضافة البسيطة وبعد فترة قصيرة، سوف تجعل من هذا الإنسان يقف بثقة كبيرة أمام زملائه في العمل ويشار إليه بالبنان، لأنه الخبير بينهم، إضافة بسيطة، ولكن فرقا كبيرا في النتائج.
ولكن هل ينتهي الأمر إلى هذا الحَد؟ لا بكُل تأكيد، فالإضافة البسيطة يمكن أن تكون عادة، عادة مثل غسل الأسنان، الانتظام في الصلاة.. إلخ، التكرار والاستمرار والاستدامة في فعل شيء ما له مفعول السحر خاصة لو كان الفعل منظمًا، الاستمرار في مزاولة تعني البرمجة يوميًا، الاستمرار في القراءة والاطّلاع، هذه هي الإضافة البسيطة، وبدمجها بالاستمرارية والتكرار سيصل بك الأمر لتحقيق أي هدف كان.
الأشياء البسيطة التي تُمارسها بشكل يومي تُسهم في صُنع شخصيتك، في رسم حياتك، منها العادات السيئة والعادات الإيجابية بالطبع، فمُمارستك لعادة سيئة اليوم لن تؤثر فيك كثيرًا، وإن مارستها لأسبوع لن يكون تأثيرها ضخم، لكن ماذا بعد عام أو اثنين؟ هذه هي النقطة، وينطبق الأمر على الأنواع كلها من العادات، الإيجابية منها والسلبية.
وبالعودة إلى الأثر والسيرة النبوية نتذكر دائمًا اللفظ الذي يقال (سبقك بها عكاشة)، فمن عكاشة وما قصته، وما علاقته بقانون الإضافة البسيطة؟
عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عُرضت عليّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع لي سواد عظيم فظننتُ أنهم أمتي، فقيل لي هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرتُ فإذا سواد عظيم، فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سوادٌ عظيم، فقيل: لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين وُلدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما الذي تخوضون فيه؟ فأخبروه، فقال: هم الذي لا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكّلون، فقام عكاشة بن محصن رضي الله عنه فقال: ادع الله لي أن يجعلني منهم، فقال: أنت منهم، ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: سبقك بها عكاشة». متفق عليه.
وهذا لا يعني أبدًا أن الصحابة رضوان الله عليهم الذين حضروا ذلك المجلس لا يدخلون الجنة، وإنما (عكاشة رضي الله عنه) استبق الآخرين ربما بثانية أو بثوان أو ربما بجزء من الثانية وأخذ بقانون الإضافة البسيطة، فكانت النتيجة مذهلة، وهو دخول الجنة من غير حساب أو عذاب.
وربما حكاية أخرى، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: فمن تَبِعَ منكم اليوم جنازةً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة». رواه مسلم.
إذن خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بقانون الإضافة البسيطة، فهو أخذ بمحاسن الأخلاق الإسلامية في يومه، ففي اليوم الواحد – إذ يروى أن هذا الحديث وهذه الرواية حدثت بعد صلاة الفجر – قام بعمل العديد من الأعمال التي تسهم بطريقة أو بأخرى في إدخال السرور والفرح على مجموعة من البشر، ربما وجدهم في طريقه إلى المسجد أو قام مبكرًا لأداء بعض من تلك الأعمال، إضافة بسيطة ولكنها أدخلته الجنة.
حسنٌ، ماذا يمكننا أن نفعل؟ وكيف نستفيد من هذا القانون؟
تطوير مهارة جانبية؛ لنفترض أنك طبيب، أو مهندس، أو مدرس أو شاعر، أو أيًا كان توجهك أو عملك، أو مهاراتك الأساسية، فكر في مهارة أخرى تحبها أو قريبة إلى قلبك، أو ربما كنت ذات يوم ترغب في احتضانها أو تنميتها، كالرسم – مثلاً – أو التأليف أو كتابة الشعر أو النجارة أو الفنون أو صناعة الأشياء. فكر في تلك الموهبة أو تلك المهارة جيدًا، ثم فكر في كيفية تنميتها وتطويرها، خذ من وقتك اليومي ساعة من بعد عودتك من العمل، فقط ساعة وحاول أن تنمي تلك المهارة، ترى ماذا سيكون وضعك بعد سنة كاملة؟ فكر في الموضوع جيدًا.
الدراسة والتعلم؛ قد يرغب بعض الأفراد في تعلم لغة جديدة، أو في علم جديد، بكل بساطة يمكن لهذا الفرد أن يلتحق بمعهد متخصص، يحضر الدروس ثلاثة أيام في الأسبوع، مدة سنة كاملة، حتمًا ستكون النتيجة مذهلة.
تطوير العادات الإيجابية؛ حياتنا مبنية على كثير من العادات، بعضها إيجابية وبعضها سلبية، وبعملية بسيطة – تحدثنا عنها سابقًا في مقال آخر – حاول أن تفصل ما بين العادات السلبية والعادات الإيجابية، وبعد ذلك ضع هدفا – مثلاً – سأتخلص من هذه العادة السلبية خلال شهر، وبصورة يومية ذكر نفسك أنك تريد ترك هذه العادة، أو هذه عادة إيجابية سوف أكتسبها خلال شهر، وذكر نفسك بها بصورة يومية، ستكون النتيجة مذهلة بعد سنة.
علم أبناءك بعض الأمور؛ من الأمور الجميلة التي يمكن أن تضيفها بقانون الإضافة البسيطة لأبنائك، أن تقوم بقراءة كتاب – باللغة العربية أو الإنجليزية أو أي شيء – مدة 15 دقيقة في اليوم، بعد وجبة العشاء، أو قبيل النوم، ترى كيف سيكون هذا الطفل في المستقبل، فكر في الأمر.
في التجارة والمشاريع؛ انظر إلى منافسيك، وادرس ماذا يقدمون من خدمات إلى زبائنهم، فما عليك إلا أن تزيد ولو بمقدار ضئيل من الخدمات على منافسيك، أو تقلل من أسعار منتجك بصورة صغيرة، سوف ترى الفرق الكبير في النتائج بعد عدة أشهر.
وهذا علم كبير، ومنهاج حياة يمكن أن نستفيد منه بطريقة أو بأخرى، فقط انظر إلى نفسك، حياتك، عملك، علاقاتك، وصحتك، ثم فكر؛ واسأل نفسك: هل من الممكن أن أضيف في حياتي إضافة صغيرة وأصنع فرقًا؟ فمن المؤكد أنك سوف تجد إضافة، فقط فكر، وبالتأكيد سوف ترى تغيُّرًا كبيرًا في نوعية حياتك.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك