العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

تفاقم ظاهرة تكاثر البعوض مع التغير المناخي

بقلم: د. إسماعيل محمد المدني

السبت ٠٨ يونيو ٢٠٢٤ - 02:00

لاحظ‭ ‬الكثيرون‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬الهجوم‭ ‬الشرس‭ ‬للبعوض‭ ‬وبأعدادٍ‭ ‬كبيرة‭ ‬لم‭ ‬نشهدها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬في‭ ‬البحرين‭. ‬وهذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الزيادة‭ ‬الكثيفة‭ ‬لأعداد‭ ‬البعوض،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬موسم‭ ‬نزول‭ ‬الأمطار‭ ‬ليست‭ ‬وليدة‭ ‬اليوم،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬ظاهرة‭ ‬شاهدناها‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬فقط،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬واقعة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الحضرية‭ ‬بشكلٍ‭ ‬عام،‭ ‬وآخرها‭ ‬ما‭ ‬تناقلتها‭ ‬ونشرتها‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬هيوستن‭ ‬بولاية‭ ‬تكساس‭ ‬الأمريكية‭. ‬فبعد‭ ‬موسمٍ‭ ‬شديد‭ ‬لنزول‭ ‬الأمطار‭ ‬ودفء‭ ‬الجو‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬2024،‭ ‬تحولت‭ ‬المدينة‭ ‬إلى‭ ‬مستنقعاتٍ‭ ‬مائية‭ ‬متفرقة‭ ‬ومتناثرة‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المدينة،‭ ‬مما‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬مناسبة‭ ‬ومثالية‭ ‬لتكاثر‭ ‬البعوض،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬زيادة‭ ‬مواقع‭ ‬وضع‭ ‬البيض‭ ‬أولاً،‭ ‬ثم‭ ‬سهولة‭ ‬ونجاح‭ ‬فقسه‭ ‬ونمو‭ ‬اليرقات‭ ‬بشكلٍ‭ ‬كبير،‭ ‬وأخيراً‭ ‬بدء‭ ‬عملية‭ ‬الهجوم‭ ‬والانتشار‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬أرجاء‭ ‬مدينة‭ ‬هيوستن‭ ‬الواسعة،‭ ‬وتعريض‭ ‬الناس‭ ‬للعضات‭ ‬الحادة‭ ‬المؤلمة‭. ‬

ولكن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬العامة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬البعوض‭ ‬وبأعداد‭ ‬هائلة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬زادت‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وأصبحت‭ ‬مشهودة‭ ‬أكثر‭ ‬للناس‭ ‬ويتحسسون‭ ‬عن‭ ‬كثب‭ ‬أضرارها‭ ‬وارتفاع‭ ‬معاناتهم‭ ‬منها،‭ ‬كما‭ ‬توسعت‭ ‬دائرة‭ ‬انتشارها‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬كثيرة‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬تعاني‭ ‬بقوة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة،‭ ‬بل‭ ‬أصبحت‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬يتكرر‭ ‬وقوعها‭ ‬أكثر‭ ‬وتستمر‭ ‬فترة‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬مقارنة‭ ‬بالعقود‭ ‬الماضية‭.‬

وهناك‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬لنشوء‭ ‬وبروز‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬حالياً‭ ‬مقارنة‭ ‬بالعقود‭ ‬الماضية،‭ ‬ومن‭ ‬أهمها‭ ‬حدوث‭ ‬قضية‭ ‬العصر،‭ ‬وهي‭ ‬التغير‭ ‬المناخي،‭ ‬وانكشاف‭ ‬عدة‭ ‬تداعيات‭ ‬مشهودة‭ ‬لهذا‭ ‬التغير،‭ ‬كارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬الجو‭ ‬وزيادة‭ ‬سخونته،‭ ‬وانعكاس‭ ‬هذا‭ ‬الارتفاع‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬حرارة‭ ‬مياه‭ ‬البحر‭ ‬وتوسعها‭ ‬ووقوع‭ ‬الفيضانات‭ ‬والأعاصير‭ ‬الساحلية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التغيرات‭ ‬في‭ ‬شدة‭ ‬وتكرار‭ ‬نزول‭ ‬الأمطار‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬المعروفة‭ ‬بجفافها‭ ‬وندرة‭ ‬أمطارها‭. ‬

وقد‭ ‬أكدت‭ ‬دراسة‭ ‬علمية‭ ‬منشورة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬دولية‭ ‬موثوقة‭ ‬على‭ ‬واقعية‭ ‬مشكلة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬وتداعياتها‭ ‬على‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬والإنسان،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الارتفاع‭ ‬الملحوظ‭ ‬والمطرد‭ ‬للبعوض،‭ ‬وازدياد‭ ‬أعداده‭ ‬وسرعة‭ ‬انتشاره‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬وإصابة‭ ‬الناس‭ ‬بمرض‭ ‬الملاريا‭. ‬فقد‭ ‬صدرتْ‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬9‭ ‬مايو‭ ‬2024‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬العلوم‮»‬‭ (‬Science‭) ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬الملاءمة‭ ‬البيئية‭ ‬المستقبلية‭ ‬للملاريا‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬حساسة‭ ‬للهيدرولوجيا‮»‬‭.‬

فقد‭ ‬أفادت‭ ‬الدراسة‭ ‬بأن‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬يعني‭ ‬تغيراً‭ ‬في‭ ‬حرارة‭ ‬الأرض‭ ‬ودرجة‭ ‬سخونتها،‭ ‬كما‭ ‬تعني‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تغيراً‭ ‬جذرياً‭ ‬ملموساً‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬سقوط‭ ‬الأمطار‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬العالم زيادة‭ ‬أو‭ ‬نقصانا،‭ ‬وتغيراً‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬ومساحة‭ ‬الأعاصير‭ ‬والفيضانات‭ ‬التي‭ ‬تنزل‭ ‬على‭ ‬سواحل‭ ‬المدن‭.‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬هطول‭ ‬الأمطار‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬الكمية‭ ‬وعدد‭ ‬مرات‭ ‬النزول،‭ ‬فإنها‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اتساع‭ ‬رقعة‭ ‬وعدد‭ ‬المستنقعات‭ ‬الرطبة‭ ‬وزيادة‭ ‬مواقع‭ ‬المياه‭ ‬الراكدة‭ ‬التي‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأمطار‭. ‬ومع‭ ‬ارتفاع‭ ‬حرارة‭ ‬الجو‭ ‬فإن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتحرك‭ ‬فيها‭ ‬المياه‭ ‬وتبقى‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تُسحب‭ ‬مياهها،‭ ‬فإنها‭ ‬تُعد‭ ‬البيئات‭ ‬المناسبة‭ ‬والمفضلة‭ ‬لتكاثر‭ ‬وانتشار‭ ‬البعوض‭ ‬المسبب‭ ‬للملاريا‭ ‬وأمراض‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة،‭ ‬ليس‭ ‬للإنسان‭ ‬فحسب‭ ‬وإنما‭ ‬للحيوان‭ ‬على‭ ‬حدٍ‭ ‬سواء‭.‬

كذلك‭ ‬نُشرت‭ ‬دراسة‭ ‬في‭ ‬4‭ ‬مايو‭ ‬2024،‭ ‬حول‭ ‬التغيرات‭ ‬الدولية‭ ‬ومخاطر‭ ‬الأمراض‭ ‬المعدية،‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الطبيعة‮»‬‭ ‬‭(‬Nature‭)‬‭. ‬وهذه‭ ‬الدراسة‭ ‬الدولية‭ ‬الشاملة‭ ‬أفادت‭ ‬بأن‭ ‬يد‭ ‬الإنسان‭ ‬التي‭ ‬عبثت‭ ‬في‭ ‬البيئة‭ ‬بغير‭ ‬علم‭ ‬وسلطان‭ ‬ودراية‭ ‬دقيقة‭ ‬بالعلاقات‭ ‬والتفاعلات‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬البيئة‭ ‬والكائنات‭ ‬الحية‭ ‬النباتية‭ ‬والحيوانية،‭ ‬قد‭ ‬أحدثت‭ ‬تغيرات‭ ‬جوهرية‭ ‬وجذرية‭ ‬وتسببت‭ ‬في‭ ‬تفاقم‭ ‬انكشاف‭ ‬الأمراض‭ ‬المعدية‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تُعرف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬بوجود‭ ‬هذه‭ ‬الأمراض،‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬في‭ ‬الأقل‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬نزولها‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬بنسب‭ ‬مرتفعة‭ ‬جداً‭.‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬التغيرات‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬فيها‭ ‬الإنسان‭ ‬انخفاض‭ ‬شدة‭ ‬التنوع‭ ‬الحيوي‭ ‬وغزو‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭ ‬نباتية‭ ‬أو‭ ‬حيوانية‭ ‬دخيلة‭ ‬وغير‭ ‬فطرية‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬أصلاً‭ ‬موجودة‭ ‬فيها،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬والتلوث‭ ‬البيئي‭ ‬وتدهور‭ ‬البيئات‭ ‬من‭ ‬الناحيتين‭ ‬الكمية‭ ‬والنوعية‭. ‬كما‭ ‬توصلت‭ ‬دراسة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬استنتاجات‭ ‬مطابقة‭ ‬حول‭ ‬دور‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬الأمراض‭ ‬المعدية،‭ ‬والمنشورة‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬شؤون‭ ‬الصحة‭ ‬البيئية‮»‬‭ ‬(Environmental Health Perspectives)‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬أبريل‭ ‬2024‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬‮«‬زيادة‭ ‬سريعة‭ ‬في‭ ‬أمراض‭ ‬الفطريات‭ ‬البشرية‮»‬‭. ‬

وختاماً‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬نعاني‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مناطق‭ ‬البحرين،‭ ‬وفي‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬ازدياد‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭ ‬وغير‭ ‬مألوف‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬البعوض‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬بسبب‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬الملوثات‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬الجوي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية،‭ ‬وخاصة‭ ‬من‭ ‬غاز‭ ‬ثاني‭ ‬أكسيد‭ ‬الكربون‭ ‬الذي‭ ‬ينبعث‭ ‬عند‭ ‬حرق‭ ‬جميع‭ ‬أنواع‭ ‬الوقود‭ ‬الأحفوري،‭ ‬فيُكون‭ ‬ظاهرة‭ ‬التغير‭ ‬المناخي‭ ‬وظاهرة‭ ‬التغير‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬سقوط‭ ‬الأمطار‭ ‬من‭ ‬الناحيتين،‭ ‬حجم‭ ‬سقوطها‭ ‬وتكرارها،‭ ‬ثم‭ ‬تكون‭ ‬مستنقعات‭ ‬وبرك‭ ‬مائية‭ ‬كثيرة‭ ‬تتلاءم‭ ‬مع‭ ‬دورة‭ ‬حياة‭ ‬البعوض‭. ‬

ismail‭.‬almadany@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا