مريم عبدالله، دونت اسمها بأحرف من ذهب، وفي مسابقة تحمل اسما من ذهب أيضًا متمثلة في دوري خالد بن حمد لجيل الذهب، حينما أدارت المباراة النهائية للموسم الرياضي 2024/2023، لتكون أول حكم من العنصر النسائي على مستوى كرة القدم البحرينية.
كيف لا، وهي تنتمي إلى أسرة رياضية، أفرادها غنية عن التعريف، بدءًا بوالدها عبدالله عيسى الذي أشرف على تدريب حراس المرمى لمختلف الفرق المحلية وآخرها النجمة، وعمها هو نجم منتخبنا سابقًا لكرة القدم سلمان عيسى الذي تعملق محليا وخارجيا، وأخوها عيسى عبدالله لاعب منتخبنا الأولمبي وفريق المنامة الأول لكرة القدم.
من دون شك أن هذا الحدث يعتبر بارزًا في رياضة مملكة البحرين ويعطي دلالة كبيرة على الاهتمام والدعم الكبيرين من قِبل القيادة الرشيدة والرياضية تجاه العنصر النسائي، الذي بات يلعب دورًا مميزًا وفعالًا في مختلف المجالات ومنها الرياضة، كما يُحسب للاتحاد البحريني لكرة القدم أفكاره النيرة والهادفة لدعم السيدات على مستوى الصافرة ومواكبة ما هو حاصل عالميًا في هذا الجانب.
«أخبار الخليج الرياضي» استضاف الحكمة الأولى على مستوى المملكة وانفردّ معها بهذا الحوار.
- بدايةً، عرفينا بِنفسك؟
اسمي مريم عبدالله، عمري 20 عامًا، ثاني عام في موسم التحكيم، ولعبت كرة القدم منذ أن كان عمري 13 عامًا مع المنتخب.
- قصة مشواركِ الرياضي؟
منذ الصغر كنت أشارك في بطولات المدارس بجانب زميلاتي، إلى أن تم اختياري لصفوف المنتخب وأنا في عمر الـ 13 عامًا، وبدأت تدريجيًا في إثبات نفسي وكلاعبة أساسية منذ أول عام شاركت فيه عبر مركز الظهير الأيمن.
- الإنجازات التي حققتِها مع المنتخب؟
أول بطولة ألعبها هي غرب آسيا في العام 2016 وحققنا فيها المركز الثاني، وشاركنا في التصفيات ولم نتأهل، وشاركنا أيضًا في غرب آسيا مرارًا ولم يحالفنا الحظ، وفي آخر بطولتين وهما غرب آسيا في عام 2020 حققنا المركز الثاني، وبعدها انتقلت الى المنتخب الأول كأصغر لاعبة، وحققنا المركز الثالث في بطولة «أنس دي أف» للصالات.
- كيف انتقلت من لاعبة إلى حكمة؟
بسبب الإصابة التي تعرضت لها مع المنتخب وصعوبة المضي كلاعبة حينها، اقترح عليّ والديّ أن أدخل دورة تحكيمية في ذلك الوقت لأخذ فكرة مبدئية عنها، ومن ثم اتخذ قرار الاستمرار من عدمه. وفعلاً، دخلت الدورة وبعدها إدارة المباريات الودية، إلى أن تحولّ التحكيم من مجرد فكرة إلى واقع يسوده الشغف والإدمان أكثر مما كنت عليه كلاعبة.
- لماذا فضلتِ مجال التحكيم على اللعب؟
لأنه ليس بإمكان أي أحدٍ أن يصبح حكمًا، ويستمع للكم الهائل من الانتقادات، ويكون غير مشجع من قِبل الناس، ويحفظ كتابًا لقانون اللعبة ويفهمه ويطبقه، ويكون موازنًا بين القانون وروح القانون، والتحكيم كله عبارة عن جزء من الثانية، وهو بمثابة التحدي بالنسبة لي وأنا قبلت ذلك وسأكمل إلى نهاية المشوار.
- ما موقف العائلة من قرار التحكيم؟
بحكم انتمائي إلى عائلة رياضية من والدي عبدالله عيسى، وأخي عيسى عبدالله وعمي سلمان عيسى، فكان الأمر مقبولًا، وهم يدعمونني بصورة كبيرة في مجال التحكيم أكثر مما كنت عليه كلاعبة، حيث إن والدي ووالدتيّ دائمًا يتواجدان في غالبية المباريات التي أديرها، ومنها المباراة النهائية لجيل الذهب.
- شعوركِ في أول مباراة نهائية تديرينها؟
المباراة النهائية مختلفة تمامًا عن المباريات التي أدرتها، باعتبار أن الأضواء مسلطة عليّ، واختلاف الحضور الجماهيري وملعب المباراة، ولكن كلمات الأمين العام لاتحاد الكرة راشد الزعبي الداعمة لي قبل صافرة البداية وهي (مريم، احنه جايين اليوم عشانش، نبي نشوفش انتي ونبيش تبدعين، واحنه متأكدين أن لش مستقبل قوي)، أعطتني أريحية كبيرة وحافزًا للعطاء وإلى إثبات نفسي من أجل كل من وقف معي في الموسم.
- وكيف كانت أجواء المباراة الختامية؟
المباراة كانت ممتعة وحماسية، وكل قرار اتخذته كنت أسمع صوت الجمهور، بخلاف مباريات الفئات التي لا يحضرها جمهور بهذه الكثافة العددية، ولكن الأمر المميز أيضًا هو وجود كل الناس الداعمين لي في هذه المباراة وهو يعني له الشيء الكثير.
- كيف تتعاملين مع الانتقادات الموجهة تجاهك؟
الانتقادات السلبية آخذها بعين الاعتبار من أجل تطوير نفسي إذا كانت مفيدة لي، وبخلاف ذلك أضعها خلف ظهري وأكمل مسيري، دون التفكير والتأثر بها، وخصوصًا أن الحكم لا ينال رضا الجميع تمامًا حتى وإن خرج بخطأ واحد مقابل 99 قرارًا صحيحًا، والأهم من ذلك أن أكون راضية عن نفسي، ورضى الناس المقربين كذلك بالإضافة إلى رضى لجنة التحكيم.
- هل هناك مؤيد ومعارض لكِ؟
نعم، في البداية كان أغلب الناس لا يتقبلونني سواء من داخل أو خارج الإطار الرياضي، ولكن في الوقت نفسه هناك فئة صغيرة كانت تقف معي بالكلام والفعل، حتى إن كنت مخطئة في إحدى المباريات وحصل تقصير مني، وهو أمر طبيعي باعتبار أن الحكم بشر ومعرض للخطأ، ورغم ذلك سعيت ومازلت أسعى جاهدة لأن أكسب اللاعبين والأجهزة الفنية والإدارية، لأن نجاحي في المباراة سيكون له دور كبير عليهم.
- هل هناك صعوبات في التعامل مع الفئات؟
مثلًا في هذا الموسم أدرت مباريات للفئات العمرية (15 – 17 و19 عامًا)، وفي وجهة نظري فئة تحت 17 عاماً هي الأصعب باعتبارهم مراهقين ويكون التعامل معهم صعبا، وبدوري أتعامل معهم كأختهم وكحكمة ولكن لا يوجد تقبل لي، وتصرفاتهم تصدر من غير وعي، وفيه نوع من الإثبات حتى إن كان تصرفهم خطًأ، بخلاف فئة 15 عامًا يكون اللاعبون أخف باعتبار أنهم في مرحلة تعلم ومساعدة.
- ما الموقف الذي أحدث شيئًا بالنسبة لك؟
نعم، موقف جعلني أكون أكثر شجاعة حينما أشهرت البطاقة الحمراء الأولى لي كحكمة، وحدث ذلك في ثاني مباراة لي بالموسم الأول، حيث أخرجت البطاقة الحمراء بصورة مباشرة للاعب منع هدفًا محققًا عن طريق يده وهو آخر مدافع يقف على خط المرمى، فلم أتردد وأخف من ذلك ولله الحمد كان القرار موفقًا حينها.
- وماذا كانت ردة الفعل حول ذلك؟
بعد نهاية المباراة، مدرب ولاعبو الفريق كلهم اتجهوا نحوي ووجهوا لومهم لي وسؤالهم عن سبب البطاقة الحمراء، وبدوري كنت راضية عن القرار باعتبار أنني طبقت القانون بحذافيره.
- هل ندمتِ يومًا على دخول مجال التحكيم؟
في بداياتي بسلك التحكيم نعم، ندمت وبكيت بيني وبين نفسي على بعض المواقف التي تحدث في الملعب، وأقول لنفسي حينها سأترك التحكيم، ولكن بعدها وعبر تفكير متزن وهادئ، استعيد ثقتي وأجرع نفسي بشحنات إيجابية، في التقدم بعملي والسعي للتطوير بناء على الانتقادات الموجهة لي، فإذا كانت إيجابية سأعمل على تعزيزها، وإذا كانت سلبية وهادفة سأعمل على الأخذ بها وعلاجها، والأهم من ذلك الاستماع إلى أهل الاختصاص في الأمر.
- هل تنصحين العنصر النسائي بمجال التحكيم؟
نعم، أنصح بخوض هذه التجربة بشرط الالتزام والانضباط، وسأكون أول الداعمة والمساندة من أجل النجاح والوصول الى العالمية. حيث الأمر جدًا ممتع، وفيه تحديات، ويتطلب شخصًا قويًا كما أنه يبني شخصية، وله فوائده عدة تعود على الشخص نفسه.
- ما هي طموحكِ وأهدافكِ الساعية إليها؟
طموحي في بادئ الأمر أن أكون ممتازة على الصعيد المحلي عبر كسب حب واحترام الجميع، كما أطمح أن أكون حكمة دولية وأحكم في أفضل المباريات خارجيًا، ولديّ حلم لا يتمثل فقط في كأس العالم، بل بالنسبة لي أن أكون حكمًا في نهائيات كأس العالم، وهذا ما أسعى إليه من خلال عملي واجتهادي ومثابرتي.
- من أبرز الداعمين في المجال الرياضي؟
في المرتبة الأولى طبعًا والدي ووالدتي، ورئيس لجنة الحكام علي السماهيجي الذي يعتبر من أكثر الداعمين لي منذ البداية، وكل أعضاء اللجنة نواف شكر الله، ياسر تلفت، إبراهيم سبت وعبدالشهيد عبدالأمير، وكذلك الحكام الدوليين حسين الشويخ، محمد خالد، عبدالله يعقوب، وهم لا يبخلون عليّ بمساعدتهم ومساندتهم لي في أي وقت ألجأ إليهم.
- من قدوتكِ في المجال الرياضي؟
من دون شك عمي سلمان عيسى، فهو يحظى بسمعة ومكانة مميزة، والتزامه وانضباطه، واحترامه للاعبين والحكام ومساعدتهم، بالإضافة إلى اقتدائي بالحكام الموجودين، حيث أحب التعلم منهم في كل شيء.
- رأيكِ في تقنية «الفار»؟
قرار الحكم في أرضية الملعب سيفرق كثيرًا بدون تدخل «الفار» باعتبار أن قراره أقوى، ولكن لا يمنع من تدخل هذه التقنية في الأمور المستعصية على الحكم ويصعب عليه رؤيتها، وخصوصًا في الأحداث الكبيرة والأوقات الصعبة. كما أن هذه التقنية كما لها سلبيات أيضًا لها إيجابيات ومنها زادّ الدهشة والإثارة في كرة القدم، ومثالاً على ذلك، أن الجميع ينتظر قرار الحكم بعد لجوئه إلى «الفار» ليبت في لقطة ركلة جزاء، بغض النظر عن صحتها من عدمه.
- كيف ترين تطبيق «الفار» في دورينا؟
من دون شك سيكون عنصرا مساعدا لتقليل الأخطاء المؤثرة في المباريات، وسيعطي أريحية للحكم أولاً باعتبار أن هناك عاملا مساعدا له فيما لو حدث شيء سيتم تنبيهه إليه، وكذلك للجمهور ثانيًا ويقلل من حدتهم تجاه طاقم التحكيم.
- هل دراسة وتعلم هذه التقنية صعبة؟
نعم، حيث يحتاج حكم تقنية «الفار» التركيز مدة 45 دقيقة كاملة، وهذه التقنية مبنية على الشك، بمعنى أن أي لعبة يجب الشك بالقرار، والتأكد من كل قرار في أرضية الملعب، والتواصل مع حكم الساحة من أجل التأكد من اللعبة واتخاذ القرار بنفسه. كما أن قرار غرفة «الفار» لا يغتفر له إذا أخطأ، بحكم وجود الشاشة أمام مرآه ويرى اللقطة من عدة زوايا مختلفة، بخلاف حكم الساحة الذي يبني قراره في جزء من الثانية بما يراه بعينه.
- مريم عبدالله.. كلمة أخيرة؟
أولًا، أتوجه بالشكر الجزيل إلى سمو الشيخ خالد بن حمد آل خليفة النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة رئيس الهيئة العامة للرياضة رئيس اللجنة الأولمبية البحرينية على دعمه المستمر للفئة العمرية تحت 15 عامًا، وكذلك إلى رئيس الاتحاد البحريني لكرة القدم الشيخ علي بن خليفة آل خليفة ونائبه الشيخ خليفة بن علي آل خليفة، والأمين العام للاتحاد راشد الزعبي، ورئيس لجنة الحكام علي السماهيجي وكل من ساندني ووقف معي. متمنية التوفيق لي ولزملائي الحكام جميعًا، والظهور بأفضل صورة من أجل إنجاح الأحداث بأقصى درجة ممكنة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك