العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لست سياسيا ومن ثم ....

سعيد‭ ‬هو‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬يحظى‭ ‬بالثناء‭ ‬من‭ ‬زوجته،‭ ‬ويغمرني‭ ‬السعد‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والحين‭ ‬عندما‭ ‬تمدحني‭ ‬زوجتي‭ ‬وتشهد‭ ‬لي،‭ ‬ربما‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬قصد‭ ‬بأنني‭ ‬لا‭ ‬أجيد‭ ‬الكذب،‭ ‬فكلما‭ ‬قلت‭ ‬كلاما‭ ‬مثل‭: ‬لا‭ ‬أستطيع‭ ‬زيارة‭ ‬أختك‭ ‬مساء‭ ‬اليوم،‭ ‬لأنني‭ ‬أتوقع‭ ‬مكالمة‭ ‬هاتفية‭ ‬مهمة‭ ‬من‭ ‬زيمبابوي،‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬أُحضر‭ ‬الدهان‭ ‬الذي‭ ‬طلبتيه‭ ‬لأن‭ ‬تعميما‭ ‬سريا‭ ‬أصدرته‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬يقضي‭ ‬بتحريم‭ ‬بيعه‭ ‬للنساء،‭ ‬قالت‭: ‬‮«‬أنت‭ ‬ما‭ ‬تعرف‭ ‬تكذب‮»‬‭. ‬ولكن‭ ‬السبب‭ ‬الحقيقي‭ ‬‮«‬لاتهامها‮»‬‭ ‬إياي‭ ‬بعدم‭ ‬إجادة‭ ‬الكذب‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ - ‬فيما‭ ‬تقول‭ ‬هي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الناس‭ - ‬أقول‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬بلاطة،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬لف‭ ‬ودوران‭ (‬ظلت‭ ‬تهمة‭ ‬‮«‬أنت‭ ‬غير‭ ‬رومانسي‮»‬‭ ‬تلاحقني‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬الدراسة،‭ ‬لأنني‭ ‬لا‭ ‬أقوم‭ ‬بتزويق‭ ‬الكلام‭ ‬عندما‭ ‬أتحدث‭ ‬مع‭ ‬فتاة‭/ ‬امرأة‭).‬

‭ ‬ومثلا‭ ‬إذا‭ ‬لامنا‭ ‬أحد‭ ‬الأقارب‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬زيارته‭ ‬أو‭ ‬زيارتها‭ ‬أثناء‭ ‬المرض،‭ ‬تحاول‭ ‬زوجتي‭ ‬أن‭ ‬تسبقني‭ ‬بتقديم‭ ‬إجابة‭ ‬دبلوماسية،‭ ‬ولكنني‭ ‬قد‭ ‬أسبقها‭ ‬وأقول‭ ‬كلاما‭ ‬مثل‭: ‬لأن‭ ‬الإنفلونزا‭/ ‬الحصبة‭ ‬معدية‭ ‬جدا،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬سمعنا‭ ‬أن‭ ‬مرضك‭ ‬كان‭ ‬نزلة‭ ‬برد‭ ‬عادية‭ ‬يصاب‭ ‬بها‭ ‬كل‭ ‬الناس‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬السنة،‭ ‬فلا‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬الحبة‭ ‬قبة‮»‬،‭ ‬والشاهد‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬الوضوح‭ ‬مريح،‭ ‬وهي‭ ‬تعتقد‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الوضوح‭ ‬والصراحة،‭ ‬وقاحة‭! ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنها‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تصدر‭ ‬إليّ‭ ‬توجيهات‭ ‬ونصائح‭ ‬قبل‭ ‬دخولنا‭ ‬بيوت‭ ‬الآخرين‭ ‬كتلك‭ ‬التي‭ ‬نصدرها‭ ‬للصغار‭: ‬لا‭ ‬تأخذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قطعة‭ ‬حلوى‭ ‬واحدة‭ ‬إذا‭ ‬وجدت‭ ‬بعضا‭ ‬منها‭ ‬معروضا‭ ‬أمامنا‭. ‬احذر‭ ‬أن‭ ‬تسكب‭ ‬العصير‭ ‬على‭ ‬سجاد‭ ‬بيتهم‭ ‬أو‭ ‬ملابسك‭. ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬إصبعك‭ ‬في‭ ‬فتحة‭ ‬أنفك‭ ‬أمام‭ ‬الناس‭ .. ‬لا‭ ‬تتمخط‭ ‬وتنظف‭ ‬أنفك‭ ‬بكُم‭ ‬قميصك‭ .. ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬لخالتو‭ ‬فاطمة‭ ‬إنها‭ ‬سمينة‭.‬

زوجتي‭ ‬تقول‭ ‬لي‭ ‬كلاما‭ ‬يختلف‭ ‬قليلا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬النصائح،‭ ‬وجوهره‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الخير‭ ‬لي‭ ‬ولغيري‭ ‬أن‭ ‬أسكت‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬أثناء‭ ‬الزيارات،‭ ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬مثلا‭ ‬لمن‭ ‬تسألني‭ ‬رأيي‭ ‬في‭ ‬طقم‭ ‬الجلوس‭ ‬الجديد،‭ ‬إن‭ ‬القديم‭ ‬كان‭ ‬أجمل‭ ‬منه،‭ ‬وأنه‭ ‬من‭ ‬السفاهة‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬الإنسان‭ ‬كراسي‭ ‬الجلوس‭ ‬كل‭ ‬سنة،‭ ‬ولا‭ ‬أقول‭ ‬لمن‭ ‬يزعم‭ ‬أنه‭ ‬فقد‭ ‬عشرة‭ ‬كيلوجرامات‭ ‬خلال‭ ‬أسبوع‭ ‬بنصيحة‭ ‬من‭ ‬الطبيب،‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الكيلو‭ ‬والجرام‭ ‬وأنه‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أنه‭ ‬فقد‭ ‬عشرة‭ ‬جرامات‭! ‬وبصراحة‭ ‬فإنني‭ ‬وفي‭ ‬ساعات‭ ‬الزنقة‭ ‬أكذب‭ ‬على‭ ‬أم‭ ‬الجعافر‭ ‬كذبات‭ ‬مسبكة‭ ‬تنطلي‭ ‬عليها،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تَعدِّي‮»‬‭ ‬الزنقة،‭ ‬أتباهى‭ ‬أمامها‭ ‬بأنني‭ ‬كذبت‭ ‬وضحكت‭ ‬عليها‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينكشف‭ ‬أمري،‭ ‬فتقول‭ ‬لي‭ ‬بكل‭ ‬برود‭ ‬إن‭ ‬اعترافي‭ ‬بالكذب‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬فشلي‭ ‬ك«كاذب‮»‬‭.‬

ولا‭ ‬أحسب‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يفوق‭ ‬السياسيين‭ ‬كفاءة‭ ‬في‭ ‬الكذب‭ ‬خاصة‭ ‬خلال‭ ‬الحملات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬‮«‬الشفافة‮»‬‭ ‬جدا‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬بعض‭ ‬دولنا‭ ‬‮«‬الجمهورية‮»‬‭.  ‬شفافة‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الناخبين‭ ‬‮«‬يشوفون‮»‬‭ ‬أي‭ ‬يرون‭ ‬ويعرفون‭ ‬الفائزين‭ ‬فيها‭ ‬قبل‭ ‬عدة‭ ‬أسابيع‭ ‬من‭ ‬موعد‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬صناديق‭ ‬الاقتراع،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬انتخابات‭ ‬تتم‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬الأفلام‭ ‬الهندية،‭ ‬فإن‭ ‬المرشحين‭ ‬يقدمون‭ ‬نفس‭ ‬الوعود‭ ‬التي‭ ‬قدموها‭ ‬قبل‭ ‬15‭ ‬سنة‭ (‬طبعا‭ ‬نفس‭ ‬الوجوه‭ ‬تخوض‭ ‬كل‭ ‬انتخابات‭ ‬وتفوز‭ ‬طالما‭ ‬هي‭ ‬عضوة‭ ‬في‭ ‬الحزب‭ ‬الحاكم‭ ‬بأمره‭)‬،‭ ‬وكلها‭ ‬بالتالي‭ ‬كذب‭ ‬مكشوف،‭ ‬ولكن‭ ‬مدمن‭ ‬الكذب‭ ‬يصدق‭ ‬نفسه‭ ‬ويفترض‭ ‬أن‭ ‬كلامه‭ ‬ينطلي‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬ولكن‭ ‬إنصافا‭ ‬لأشاوس‭ ‬الانتخابات‭ ‬السودانية‭ ‬فإن‭ ‬أياً‭ ‬منهم‭ ‬لم‭ ‬يشطح‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬ذلك‭ ‬السعودي‭ ‬الذي‭ ‬وعد‭ ‬بتزويج‭ ‬الناخبين‭ ‬حال‭ ‬فوزه،‭ ‬فنال‭ ‬إعجاب‭ ‬العوانس‭ ‬ولكن‭ ‬لسوء‭ ‬حظه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬المرأة‭ ‬السعودية‭ ‬وقتها‭ ‬تتمتع‭ ‬بحق‭ ‬التصويت،‭ ‬ولم‭ ‬يفز‭ ‬لأن‭ ‬عرض‭ ‬التزويج‭ ‬الجماعي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬واضحا‭: ‬هل‭ ‬يشمل‭ ‬من‭ ‬يريد‭ ‬الزواج‭ ‬بثالثة‭ ‬أو‭ ‬رابعة‭ ‬أم‭ ‬العزاب‭ ‬فقط؟

في‭ ‬ذات‭ ‬انتخابات‭ ‬برلمانية‭ ‬عندنا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬أحس‭ ‬أحد‭ ‬المرشحين‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬لن‭ ‬يصدقوا‭ ‬وعوده‭ ‬لأنه‭ ‬سبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬قدمها‭ ‬وفاز‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬يره‭ ‬ناخبو‭ ‬دائرته‭ ‬إلا‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬الانتخابات‭ ‬الجديدة،‭ ‬فأتى‭ ‬بالآليات‭ ‬لحفر‭ ‬الآبار،‭ ‬وأساسات‭ ‬المدارس‭ ‬والمراكز‭ ‬الصحية‭ (‬على‭ ‬نفقته‭) ‬ولكن‭ ‬الناخبين‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬حكموا‭ ‬عليه‭ ‬بأنه‭ ‬كاذب‭ ‬ولم‭ ‬يصوتوا‭ ‬له‭ ‬وبعد‭ ‬ظهور‭ ‬النتائج‭ ‬رأوا‭ ‬الآليات‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬همة‭ ‬في‭ ‬ردم‭ ‬الآبار‭ ‬وتحطيم‭ ‬أساسات‭ ‬المدارس‭ ‬والمراكز‭ ‬الصحية‭ ‬التي‭ ‬وعدهم‭ ‬بها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا