الثقافة هل هي وسيلة أَم غاية؟ سؤال يقتضي منا الإقرار بمشروعيته، وأهميته والتأكد مما إذًا كانت الثقافة في مرحلة من مراحل طلبها، والإصرار عليها وسيلة لاكتساب عادة القراءة، فإذا تحققت هذه الغاية (المؤقتة) عادت الثقافة، وطلب المعرفة إلى كونها وسيلة لاكتناز المعارف، وتفعيلها في حياة المثقف.
إن اكتساب عادة القراءة أمر يحتاج إلى جهد ومجاهدة، ولهذا ننصح من يسعى إليها أن يستعين بما يحب من الكتب على ما يكره منها، فإذا تمكنت منه عادة القراءة، أو تمكن منها، فسوف يحب ما يقرأ، بل ويعشقه وعندها لن يسلاه، ولن يمله، فإن لم يحقق ما يرجوه من الاعتياد على القراءة، فعليه أن يواصل العمل حتى يحقق ما يريد ويتمنى.
ومن الممكن، بل من المؤكد أن المثقف سوف يشعر بالسعادة الغامرة، وهو يجاهد الأنواء، ويصارع الأهواء في سعيه الحثيث لبلوغ الغاية التي يرجوها، وفِي هذا سعادة كبيرة، وذلك حين يشعر المثقف بالامتلاء المعرفي، فيشعر بالتجديد كل يوم حين يزداد منسوب المعرفة في عقله ووجدانه، فيكون حكمه على القضايا التي يطرحها، أو يناقشها حكمًا صحيحًا لا أثر فيه لحظوظ النفس، وأهواء المصالح الشخصية التي هي علة الفساد والإفساد في الأرض.
حين يصل المثقف إلى هذا المستوى من التحصيل المعرفي، تبدأ الثقافة بالتفاعل، وتصبح مفرداتها ضمن مفردات المثقف، والطريق المعبد إلى غاية يرتاح إليها، وترتاح إليه.
ونعود ودون أن نمل في طرح السؤال من جديد: هل من الممكن أن تكون الثقافة في مرحلة من مراحل تكونها وتناميها غاية في حد ذاتها أم هي وسيلة على الدوام؟!.
إنه سؤال كذلك مشروع، ولًقد أجبنا عليه حين ربطناه بزمن مؤقت، والإنسان يحاول أن يتصالح مع الكتاب، ويقيم علاقة معه تعينه على الصبر على اكتساب المعرفة خاصة في بداية اكتسابه للثقافة، ومحاولة التلاؤم معها.
ومنذ زمن ليس بالقصير عَرَّفوا الثقافة بأنها: «معرفة شيء عن كل شيء»، أما العلم، فهو: »معرفة كل شيء عن شيء«
وهو تعريف له وجاهته، في مرحلة من مراحل طلب المعرفة، والإصرار عليه، ولو كان مؤقتًا إلا أنه قابل أن يتحقق في واقع حياة الإنسان.
والاستعانة بما نحب على ما نكره، منهج اتبعته لتيسير العسير، وتذليل الصعب، وهو البحث عن المعرفة في مظانها منهج له فاعليته وجدواه، وهو كما يصح في طلب المعرفة يصح في أمور أخرى في حياتنا الواقعية، واليسر إرادة إلهية يحب الله تعالى أن نأتيها كما نأتي العزائم، قال تعالى: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضًا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) البقرة / 185.
إيمانًا بهذه الآية الجليلة، وتفعيلًا لها في حياتنا علينا أن نتلمس سبيل اليسر والتخفيف في كل ما نأخذ وندع، وفِي هذ مظنة الإقبال على الطاعة، والاستزادة منها، وكما يصح هذا في أمورنا الحياتية يصح من باب أولى في التكاليف الشرعية التي أمرنا المشرع الحكيم بها.
إذًا، فالغاية من خلق الإنسان هو العبادة، ولبلوغ هذه الغاية، وتحققها حتى مع تبدل أحوال الإنسان، لهذا شرع لنا الله تعالى التخفيف ورفع الحرج، كما شرع لنا العزائم، ومجيئ آية اليسر في الآية التي تتحدث عن صوم رمضان، وعن تغير أحوال المسلم دليل على أن العبادة ليست مقصودة لذاتها، فالله تعالى غني عن العالمين، وأن البشر لو اجتمعوا على أتقى قلب رجل ما زاد ذلك في ملكه سبحانه، ولو اجتمعوا على أفجر قلب رجل ما نقص من ملك الله شيء.
وهذه الآية الجليلة من سورة البقرة (185) التي أطلقنا غليها «آية اليسر» تكشف لنا، وبوضوح أنه مادام المسلم قادرًا على فطم نفسه عن شهواتها المباحة في نهار رمضان لا لسبب ظاهر إلا أنه يفعل ذلك مرضاة لله تعالى، فهو في غير رمضان قادر على الامتناع عن المحرمات في باقي أيام السنة، وهذا أبلغ درس للمسلم من شهر رمضان، لهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال الله تعالى: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به) الألباني / صحيح الجامع.
وفِي رمضان تقيد الشياطين بالأغلال، وتصبح النفس الأمَّارة بالسوء، والنفس الفاجرة في مواجهة مع الشهوات المحرمة لأن الدعم اللوجستي الذي يقدمه الشيطان يكاد يكون معدومًا، أو متوقفًا، ويقف المسلم ليواجه حقيقة لا مجال للشك فيها، وهي أن الشيطان ليس له دخل فيما يرتكبه الإنسان في رمضان من المعاصي، بل حتى في غير رمضان يقتصر أثر الشيطان في الوسوسة لابن آدم، وليس إجباره على المعصية، يقول هذا مدافعًا عن نفسه يوم القيامة: (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي. إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم) إبراهيم / 22.
هذا ما سوف يؤول إليه أمرنا مع الشيطان يوم القيامة، ويكون ذلك على رؤوس الأشهاد فلا يجد العصاة ما يبررون به معاصيهم، ويدافعون به، وعندها يسقط في أيديهم!.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك