اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
عن ظاهرة الهيكيكيوموري
نحن اليوم أمام معضلة خطيرة أطلق عليها اليابانيون ظاهرة (الهيكيكيوموري) وهي تعني الانسحاب الاجتماعي أو العزلة، وقطع العلاقات مع العالم الخارجي، واستبدال الحياة الواقعية بالحياة الافتراضية، وهو ما حذرت منه مؤخرا دراسة حديثة أجراها باحثون بجامعة ديربي في بريطانيا على عينة من 52 مراهقا تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما، حيث أكدت أن قضاء وقت مفرط على الإنترنت يسبب النعاس أثناء النهار والشعور بالاكتئاب والقلق طوال الوقت، وذلك نتيجة قضاء ساعات طويلة أمام الشاشة ينفصلون خلالها تماما عمن حولهم.
الدراسة أثبتت أن النعاس أثناء النهار ناجم عن إدمان الإنترنت وبقاء الشاب أمام الشاشة مدة ليست بقصيرة بدلا من قيامه بأنشطة مفيدة للصحة العقلية مثل التفاعلات الاجتماعية اليومية والأنشطة البدنية وغيرها، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تفاقم أعراض الاكتئاب، وهو ما قد يتم الإجماع عليه في المستقبل القريب علي أنه اضطراب عقلي متميز.
ولفتت الدراسة إلى أن الناس في هذا العصر يعيشون في عالم متصل بشكل متزايد، وإلى أن زيادة استخدام الإنترنت له عواقب وخيمة، لذلك يجب التركيز على تعظيم الفرص والتفاعلات خارجها، وعلى ضرورة النوم الجيد، والتواصل وجها لوجه، وتفعيل نوادي ما بعد المدرسة والروضة.
حين يتحول الإدمان الإلكتروني إلى ما يمكن وصفه باضطراب عقلي حتى لو كان متميزا كما يقال، هنا يتطلب الأمر وقفة جادة وبحث عاجل عن علاج غير طبي، وخاصة بعد أن تحول إلى مشكلة متنامية في مختلف المجتمعات حول العالم، وهو ما تؤكده الإحصاءات التي ترصد تلك الظاهرة والتي أثبتت أن الفرد يقضي حوالي ثماني ساعات و41 دقيقة يوميا أمام الأجهزة الإلكترونية، وأن 80% من مستخدمي الهواتف الذكية يقومون بفحص هواتفهم في غضون ساعة واحدة قبل النوم، وأن 40% يقومون بذلك في غضون خمس دقائق من الاستيقاظ، وأن 78% من المراهقين يفعلون الشيء نفسه كل ساعة على الأقل.
هذا التضرر النفسي الحاد من الإدمان الرقمي أو بلغة اليابانيين (الهيكيكيوموري) أصبح بحاجة ماسة إلى ضبط مسارات العقل، ومن ثم تدخل علاجي سلوكي معرفي، وذلك لإعادة الكثيرين إلى أرض الواقع بدلا من الغوص في مستنقع الافتراض والتمثيل الذي يرتدون فيه أقنعة تختلف تماما عن شخصياتهم الحقيقية، حتى لو فعلوا ذلك هروبا في بعض الأحيان من ضغوطات الحياة وقسوتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك