على الرغم من الظروف السياسية والامنية والعسكرية المعقدة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية والتحديات الخطيرة التي تواجهها الامة العربية والتي احاطت بانعقاد القمة العربية الثالثة والثلاثين في مملكة البحرين، ومثلت المحور المركزي لمناقشاتها، الا ان جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل مملكة البحرين المعظم رئيس القمة العربية، دعا إلى تعزيز التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي، لما يمثله ذلك من ادراك عميق لأهمية ودور التكنولوجيا المالية في تحقيق التنمية المستدامة، وعمادها ابتكارات الشباب وتوجهم نحو ريادة الاعمال.
ولا سيما ان ريادة الأعمال تعد من أهم القضايا المعاصرة في استدامة اقتصادات ونمو الدول، وهي المحرك الاكثر فاعلية للتنمية المستدامة، حتى قيل انها بمثابة الأمل الأفضل لازدهار البلدان النامية منها دولنا العربية. لذا تسعى المجتمعات إلى تلبية متطلباتها التشغيلية، إلى جانب رعاية جيل جديد من رواد الأعمال، سواء من أصحاب العمل أو أولئك الذين يتمتعون بروح المبادرة.
وأصبح اهتمام الحكومات متزايداً بالتوجه الريادي في التنشيط الاقتصادي، ما أدى إلى زيادة عدد المؤسسات الحكومية والدولية لرعاية ومساعدة رواد الأعمال. وتقدم تلك المؤسسات دعماً مالياً وفنيا خاصا لرواد الأعمال لتمكينهم من إنشاء مشاريعهم الخاصة، وهو ما يؤدي إلى زيادة عدد المشاريع الريادية وخفض نسبة البطالة وتنمية الإبداع والابتكار وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.
وتعد ريادة الاعمال في الوقت الحاضر بمثابة القوة الدافعة الرئيسية للأعمال في مختلف القطاعات، وقد اثبتت السنوات العشر الماضية حيث تسارع انطلاق شركات التكنولوجيا المالية، وتوسع التحول نحو الاقتصاد الرقمي، واصبح الانترنت أحد أهم وسائل تسريع تمويل المشروعات، فضلا عما ادى اليه نمو وسائل التواصل الاجتماعي من تحرر جهود جمع التمويل لمشروعات ريادة الاعمال من القيود والتسلسلات الهرمية الصارمة التي تفرضها المؤسسات المالية التقليدية والجهات المانحة الاخرى، وتوسع استخدام قوة الشبكات المحلية والعالمية للحصول على الدعم المالي للمشاريع والأفكار من خلال ما يسمى بالتمويل الجماعي، الذي يعرفه البنك الدولي بأنه «تمكين الشركات ومنظمات الأعمال التي تعتمد على الإنترنت من جمع الأموال اللازمة، سواء كانت طوعية أو استثمارية من قبل العديد من الأفراد» بالإضافة الى الاقراض المباشر بين النظراء، والتمويل الجماعي مقابل أسهم. إلى جانب توفير مصادر اخرى لتمويل الاسر والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتمويل التجارة عبر الانترنت.
كما ان شركات التكنولوجيا المالية لم تدعم نهوض قطاعات الاعمال مباشرة فحسب، بل دفعت البنوك والمؤسسات المالية التقليدية لتعتمد نماذج اعمال شركات التكنولوجيا المالية في دعم واحتضان المبادرات الاستثمارية للشباب، ففي ظل التكنولوجيا المالية أصبح القطاع المصرفي ملزما لأن يكون قادرا على التغيير بشكل كبير ومتواصل مع مرور الوقت، ومواكبا للتطور السريع للتكنولوجيا المالية، الامر الذي يسهم في تحسين وتعدد الفرص التمويلية لمشروعات ريادة الاعمال.
وقد أدركت شركات التكنولوجيا المالية مكامن قوتها، والمتمثلة بقدرتها على تطوير وتحسين نماذج أعمالها لتستجيب لطموحات وحركية الشباب واعتمادها أساليب أكثر مرونة في مجال توفير الخدمات المالية الرقمية، وتقديم المنتجات والخدمات المتقدمة التي تبهر العملاء وتزيد تفاعلهم وتؤدي إلى زيادة الكفاءة والربحية، مع دعم نمو اعمالهم التجارية، لاسيما في مجال المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، على ان يكون ذلك في نسق اقتصاد يدعم الابتكار ويحفز النمو .لذا لعبت التكنولوجيا المالية دورا مهما في تشجيع الابتكار في المنتجات الاستثمارية وخدمة العملاء، وغيرها من المجالات بما يسهم في تعزيز بيئة شاملة للتطور التكنولوجي والاستثماري، بين الشركات ورواد الاعمال الشباب على وجه الخصوص، في العديد من دول العالم التي اطلقت العنان للتكنولوجيا المالية بما مكن رواد الاعمال من الوصول إلى تمويل آمن وسريع للعديد من الفرص الاستثمارية الذكية ،فضلا عما لعبته من دور مهم في ظهور فرص عمل ذكية جديدة.
وفي مملكة البحرين وبتوجيهات ورعاية جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المعظم وصاحب السمو الملكي الامير سلمان بن حمد ال خليفة ولي العهد رئيس الوزراء الموقر، بذلت جهود مثمرة ومتواصلة ومنسقة قادها مجلس التنمية الاقتصادية ومصرف البحرين المركزي وجمعية مصارف البحرين، لتكون البحرين مركزا اقليميا متميزا للتكنولوجيا المالية والابتكار والتحول الرقمي، ليكون ذلك امتدادا طبيعيا لمسيرة عمرها أكثر من قرن من الزمن هو عمر القطاع المصرفي بمملكة البحرين، لذا فقد صممت مبادرات واعتمدت سياسات لتحقيق ذلك. وبما يقود الى جذب ودعم وتوطين مشاريع التكنولوجيا المالية والمؤسسات المالية ذات الطابع الرقمي إلى جانب إرساء قاعدة تشريعية وبيئة جاذبة للمصارف والمؤسسات المالية، تتميز بالريادة والنمو المتواصل، فحققت نتائج غاية في الايجابية، الامر الذي جعلها تعد في مقدمة دول الشرق الاوسط في مجال التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي الذي انعكس ايجابا على تنمية ريادة الاعمال والسير الحثيث على طريق تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وبالتالي فإنها نموذج جاهز للاقتداء به وللتطبيق في الدول العربية. حفظ الله البحرين وقيادتها العربية المخلصة وشعبها الوفي المعطاء.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك