إيمانا بأهمية العمل العربي المشترك في الحفاظ على أمن واستقرار الدول العربية والتعاون والتكامل في المجالات كافة، وتأكيدا لأهمية التعامل برؤية استراتيجية موحدة مع التحديات ومتطلبات التنمية المستدامة لما فيه الخير والنفع للشعوب العربية صدور إعلان البحرين عن الدورة العادية الثالثة والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة بعدد من القرارات كان لها الأثر في تجسد مفهوم العمل العربي المشترك، وقد تضمن إعلان البحرين خمس مبادرات اقترحتها مملكة البحرين تستهدف خلق البيئة الآمنة والمستقرة لشعوب الشرق الأوسط كافة والبدء في مرحلة التعافي للمنطقة من ضمنها توفير الخدمات التعليمية للمتأثرين من الصراعات والنزاعات بالمنطقة، ممن حرموا من حقهم في التعليم النظامي بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية وتداعيات النزوح واللجوء والهجرة، بالتعاون والتنسيق بين جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلم والتربية (اليونسكو) ومملكة البحرين، إيماناً منها بجعل التعليم قوة دافعة للسلام تستدعي استجابة عربية ودولية، فالصراعات والنزاعات المسلحة لا تقوض فرص إمكانية تعزيز النمو الاقتصادي والحد من الفقر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة فحسب، بل تعمل أيضاً على ترسيخ أوجه عدم المساواة وإشاعة اليأس في النفوس والإحساس بالظلم مما يؤجج النزاعات المسلحة من جديد، وهذا ما يؤكده ميثاق اليونسكو بنص ديباجته على أن جهل الشعوب بعضها لبعض كان مصدر الريبة والشك بين الأمم على مر التاريخ وسبب تحول خلافاتها الى حروب في كثير من الاحيان.
ولما كانت الحروب تتولد في عقول البشر ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام، وهذه المبادرة البحرينية حول التعليم جاءت من منطلق ما تمر به المنظومة الدولية من إخفاق في بناء السلام وحماية المدنيين وعدم تحقيق الانتعاش المبكر وإعادة البناء باعتبار أن التعليم يقوم بدور محوري في عملية بناء السلام، فهو قادر على إعطاء ثمار مبكرة وواضحة تعتمد على بقاء اتفاقيات السلام، فضلاً عن أنه عندما تكون فرص التعليم متاحة وممكنة تعزز المواقف والتفاهمات المشتركة والتسامح والاحترام مما يجعل المجتمعات أقل عرضة للوقوع في النزاعات المسلحة.
إن هذا ما يستدعي بدوره تقييماً مستنيراً للطرق التي يمكن بها التعليم تمكيناً آمناً في ظل ظروف صعبة وغير ملائمة في ضوء خطة عمل عربية موحدة كفيلة لوصول التعليم بشكل آمن وجيد إلى جميع المتأثرين من النزاعات المسلحة، فالمعونات الانسانية والمساعدات الإنمائية التي تقدمها المنظومة الدولية هي قبل كل شيء تمثل واجباً أخلاقياً وشرطا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولكنها تشكل أيضا استثمارا في الأمن العالمي. لذا يجب إعادة تقييمها وآلية تنفيذها في ضوء نظام دولي تحكمه الاستقطابات الجيوسياسية، وهناك حاجة الى تعزيز المواقف العربية بشأن البلدان المتأثرة من النزعات المسلحة التي تحصل على مساعدات محدودة غير متساوية باعتبار أن المساعدات تؤدي دورا محورياً في الحفاظ على النظام التعليمي وإعادة البناء.
كما يجب العمل على تعزيز مقومات الإدارة الرشيدة فيما يخص اللاجئين والمشردين عن طريق تعزيز ولاية مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتعزيز الاستجابة الدولية حتى يصبح التعليم فرصة لبناء السلام والمستقبل، وفضلاً عن ذلك أن يكون هناك تعامل مع الاشخاص المهجرين قسرياً من أثر النزاعات المسلحة في مجال التعليم سواء كانوا لاجئين أو المشردين داخلياً على حد السواء بمستوى عال من الحماية والدعم في نظام التعليم في الدولة المضيفة بما فيها إلغاء الرسوم الدراسية لهذه الفئة، ويجب أن يكون هناك وكالات متخصصة لرعاية مصالحهم ويجب أن يحسب لهم حساب في الخطة الوطنية للدول العربية، وإنشاء صندوق عربي مشترك للتعليم للاستجابة لحالات الطوارئ، وذلك في ضوء اجراء مسوحات حقيقية وصادقة لتقييم احتياجات التعليمية في الدول المتأثرة بالنزاعات المسلحة.
كما يجب أن تشمل تقارير الأمم المتحدة التحرك على المستوى الوطني والدولي والتحالف الدولي للمؤسسات الوطنية لحقوق الانسان وتقارير منظمات المجتمع المدني لتعزيز الحماية عبر سياسة إنفاذ القانون، وذلك بالنهوض بالرصد والإبلاغ في مجال التعليم ودعم خطط وطنية للدول العربية، وهذا يضع مسؤولية بشأن انتهاك أحكام القانون الدولي لحقوق الانسان والقانون الدولي الإنساني على عاتق الحكومات، ولذلك هناك ضرورة لتعزيز دور المفوضية السامية لحقوق الإنسان والمقررين الخاص، باعتبار أن الحق في التعليم حق من حقوق الانسان وليس حقاً اختيارياً يمكن الإعفاء منه الى حين الانتهاء من الصراعات والنزاعات المسلحة.
{ استاذ القانون العام المشارك
- جامعة البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك