العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

أتباع مائير كاهانا يصنعون السياسة الإسرائيلية ويقودون الإبادة في غزة

بقلم: د. رمزي بارود {

الخميس ٣٠ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ،‭ ‬حققت‭ ‬الأحزاب‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭ ‬الهامشية‭ ‬نجاحًا‭ ‬محدودًا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الانتصارات‭ ‬الانتخابية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بنيل‭ ‬حصة‭ ‬فعلية‭ ‬حاسمة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬

كان‭ ‬العدد‭ ‬الهائل‭ ‬من‭ ‬المقاعد‭ ‬البالغ‭ ‬عددها‭ ‬17‭ ‬مقعدا‭ ‬الذي‭ ‬فاز‭ ‬به‭ ‬حزب‭ ‬شاس‭ ‬الديني‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬انتخابات‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬بمثابة‭ ‬لحظة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب،‭ ‬التي‭ ‬تعود‭ ‬جذورها‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬إلى‭ ‬أبراهام‭ ‬إسحق‭ ‬كوك‭ ‬وابنه‭ ‬تسفي‭ ‬يهودا‭ ‬كوهين‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬فقد‭ ‬أشار‭ ‬المؤرخ‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المعروف‭ ‬إيلان‭ ‬بابيه‭ ‬إلى‭ ‬عامل‭ ‬التأثير‭ ‬الأيديولوجي‭ ‬الكبير‭ ‬والواسع‭ ‬الذي‭ ‬مارسته‭ ‬عائلة‭ ‬كوك‭ ‬والذي‭ ‬سُمِّي‭ ‬‮«‬اندماجًا‭ ‬بين‭ ‬المسيانية‭ ‬العقائدية‭ ‬وعقيدة‭ ‬العنف‮»‬‭.‬

على‭ ‬مر‭ ‬السنين،‭ ‬كافحت‭ ‬هذه‭ ‬الأحزاب‭ ‬الدينية‭ ‬على‭ ‬عدة‭ ‬جبهات‭: ‬عجزها‭ ‬عن‭ ‬توحيد‭ ‬صفوفها،‭ ‬وفشلها‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬التيار‭ ‬الرئيسي‭ ‬للمجتمع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وعجزها‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬خطابها‭ ‬السياسي‭ ‬المسيحاني‭ ‬ونوع‭ ‬اللغة‭ - ‬وليس‭ ‬السلوك‭ ‬بالضرورة‭ - ‬التي‭ ‬تستخدمها‭ ‬والتي‭ ‬يتوقعها‭ ‬حلفاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬الغربيون‭.‬

وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬والسياسي‭ ‬للمتطرفين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬ينبع‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وبدرجة‭ ‬أقل،‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬أوروبية‭ ‬أخرى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬سلطات‭ ‬واشنطن‭ ‬كانت‭ ‬واضحة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بتصورها‭ ‬العام‭ ‬للمتطرفين‭ ‬الدينيين‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬2004،‭ ‬اتخذت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬قرارا‭ ‬يقضي‭ ‬بفرض‭ ‬حظر‭ ‬على‭ ‬حزب‭ ‬كاخ،‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬المظهر‭ ‬الحديث‭ ‬لعائلة‭ ‬آل‭ ‬كوك‭ ‬وأيديولوجية‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭ ‬الأوائل‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭.‬

وفي‭ ‬واقع‭ ‬الأمر،‭ ‬فقد‭ ‬اغتيل‭ ‬مؤسس‭ ‬المجموعة،‭ ‬مئير‭ ‬كاهانا،‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬1990‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الحاخام‭ ‬المتطرف‭ ‬ــ‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬والقتل‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الأبرياء‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنين‭ ‬ــ‭ ‬يلقي‭ ‬خطاباً‭ ‬آخر‭ ‬مليئاً‭ ‬بالكراهية‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬مانهاتن‭ ‬بمدينة‭ ‬نيويورك‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬وفاة‭ ‬كاهانا‭ ‬سوى‭ ‬بداية‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬التي‭ ‬مارسها‭ ‬أتباعه،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬الطبيب‭ ‬الأمريكي‭ ‬باروخ‭ ‬غولدشتاين،‭ ‬الذي‭ ‬أطلق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬25‭ ‬فبراير‭ ‬1994‭ ‬على‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬المصلين‭ ‬المسلمين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الحرم‭ ‬الإبراهيمي‭ ‬في‭ ‬الخليل‭ ‬وأردى‭ ‬العشرات‭ ‬منهم‭.‬

وكان‭ ‬عدد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الجنود‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬أثناء‭ ‬احتجاجهم‭ ‬على‭ ‬المذبحة‭ ‬يقارب‭ ‬عدد‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬غولدشتاين‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬مأساوي‭ ‬ولكنه‭ ‬تمثيل‭ ‬مثالي‭ ‬للعلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والمستوطنين‭ ‬العنيفين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الأجندة‭ ‬الأكبر‭ ‬للدولة‭ ‬نفسها‭. ‬

وكانت‭ ‬تلك‭ ‬المذبحة‭ ‬لحظة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بمثابة‭ ‬فرصة‭ ‬لتهميش‭ ‬نفوذهم‭ ‬المتنامي،‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصهاينة‭ ‬الذين‭ ‬يفترض‭ ‬أنهم‭ ‬أكثر‭ ‬ليبرالية،‭ ‬نمت‭ ‬قوتهم،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬نفوذهم‭ ‬السياسي‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

لقد‭ ‬تحول‭ ‬باروخ‭ ‬غولدشتاين‭ ‬نفسه‭ ‬إلى‭ ‬بطل،‭ ‬حيث‭ ‬تحول‭ ‬قبره‭ ‬في‭ ‬كريات‭ ‬أربع،‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬مستوطنة‭ ‬إسرائيل‭ ‬غير‭ ‬القانونية‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفاً‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬إلى‭ ‬مزار‭ ‬شعبي،‭ ‬ومكان‭ ‬حج‭ ‬للآلاف‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين‭.‬

ومن‭ ‬الأمور‭ ‬الجديرة‭ ‬بالملاحظة‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭ ‬أن‭ ‬ضريح‭ ‬غولدشتاين‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬بناؤه‭ ‬مقابل‭ ‬الحديقة‭ ‬التذكارية‭ ‬لمئير‭ ‬كاهانا،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬الروابط‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬الواضحة‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأفراد‭ ‬والجماعات‭ ‬والممولين‭ ‬أيضًا‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬بدأ‭ ‬الدور‭ ‬التقليدي‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينون‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬التحول،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انتخاب‭ ‬إيتامار‭ ‬بن‭ ‬جفير‭ ‬للكنيست‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬إلى‭ ‬دوره‭ ‬كوزير‭ ‬للأمن‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬ديسمبر‭ ‬2022‭.‬

يقول‭ ‬بن‭ ‬جفير،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬كاهانا،‭ ‬في‭ ‬تصريح‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2022‭: ‬‮«‬يبدو‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬الحاخام‭ ‬كاهانا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬الحب‭...‬حب‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تنازلات‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬آخر‮»‬‭.‬

ولكن،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬كاهانا،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بن‭ ‬جفير‭ ‬راضيا‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينين‭ ‬كمشجعين‭ ‬لحركة‭ ‬الاستيطان،‭ ‬والاقتحامات‭ ‬شبه‭ ‬اليومية‭ ‬للأقصى،‭ ‬والهجمات‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬لقد‭ ‬أراد‭ ‬بن‭ ‬جفير‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

وسواء‭ ‬كان‭ ‬بن‭ ‬جفير‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬مكانته‭ ‬كنتيجة‭ ‬مباشرة‭ ‬للعمل‭ ‬الشعبي‭ ‬الناجح‭ ‬للصهيونية‭ ‬الدينية،‭ ‬أو‭ ‬لأن‭ ‬الظروف‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭ ‬تغيرت‭ ‬لصالحه،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬يمثل‭ ‬جدلا‭ ‬مثيرا‭ ‬للاهتمام‭.‬

قد‭ ‬تكون‭ ‬الحقيقة‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬المنتصف‭. ‬كان‭ ‬الفشل‭ ‬التاريخي‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬اليسار‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬ــ‭ ‬حزب‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬ــ‭ ‬في‭ ‬الأعوام‭ ‬الأخيرة‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬ظاهرة‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‭ ‬نسبياً‭ ‬ــ‭ ‬أي‭ ‬الوسط‭ ‬السياسي‭.‬

وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬أصبح‭ ‬اليمين‭ ‬التقليدي‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أي‭ ‬حزب‭ ‬الليكود،‭ ‬أضعف‭ ‬بكثير،‭ ‬ويرجع‭ ‬ذلك‭ ‬جزئياً‭ ‬إلى‭ ‬فشله‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬جمهور‭ ‬الناخبين‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينين‭ ‬المتنامي‭ ‬والأكثر‭ ‬شباباً،‭ ‬كما‭ ‬يعزى‭ ‬السبب‭ ‬إلى‭ ‬سلسلة‭ ‬الانشقاقات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬نتيجة‭ ‬لانسلاخ‭ ‬أرييل‭ ‬شارون‭ ‬عن‭ ‬حزب‭ ‬الليكود‭ ‬وتأسيسه‭ ‬لحزب‭ ‬كاديما‭ ‬عام‭ ‬2005‭ ‬‭ ‬وهو‭ ‬الحزب‭ ‬الذي‭ ‬تفكك‭ ‬وتلاشى‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭.‬

وسعيا‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬البقاء،‭ ‬فقد‭ ‬أعاد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬حزبه‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬حزب‭ ‬الليكود‭ - ‬إلى‭ ‬نسخته‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفاً‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬جذب‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينين‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬سد‭ ‬الفجوات‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬بسبب‭ ‬الصراعات‭ ‬داخل‭ ‬حزب‭ ‬الليكود‭.‬

وفي‭ ‬إطار‭ ‬هذا‭ ‬التمشي،‭ ‬فقد‭ ‬منح‭ ‬نتنياهو‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينين‭ ‬فرصة‭ ‬العمر‭. ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وفي‭ ‬خضم‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬استغل‭ ‬بن‭ ‬جفير‭ ‬الفرصة‭ ‬وأطلق‭ ‬حرسه‭ ‬الوطني،‭ ‬وهي‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬حاول‭ ‬تشكيلها‭ ‬قبل‭ ‬الحرب،‭ ‬لكنه‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭.‬

وبفضل‭ ‬بن‭ ‬جفير،‭ ‬أصبحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬الآن،‭ ‬على‭ ‬حد‭ ‬تعبير‭ ‬زعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬يائير‭ ‬لابيد،‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬دولة‭ ‬ذات‭ ‬‮«‬مليشيا‭ ‬خاصة‮»‬‭.‬

وبحلول‭ ‬يوم‭ ‬19‭ ‬مارس‭ ‬الماضي،‭ ‬أعلن‭ ‬بن‭ ‬جفير‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬تسليم‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬تصريح‭ ‬حمل‭ ‬سلاح‭ ‬إلى‭ ‬أنصاره‭. ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬بدأت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بفرض‭ ‬‮«‬عقوبات‮»‬‭ ‬على‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬المرتبطين‭ ‬بالحركة‭ ‬الاستيطانية‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وهي‭ ‬مجرد‭ ‬صفعة‭ ‬صغيرة‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الأضرار‭ ‬الجسيمة‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬بالفعل‭ ‬والعنف‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬المرجح‭ ‬أن‭ ‬يتبعه‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬خلال‭ ‬الأشهر‭ ‬والسنوات‭ ‬القادمة‭.‬

وعلى‭ ‬عكس‭ ‬نتنياهو،‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬تفكير‭ ‬بن‭ ‬جفير‭ ‬على‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬منصب‭ ‬محدد‭ ‬داخل‭ ‬الحكومة‭. ‬يسعى‭ ‬المتطرفون‭ ‬الدينيون‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬تحول‭ ‬جوهري‭ ‬لا‭ ‬رجعة‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

وكانت‭ ‬المحاولة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لتغيير‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬السلطتين‭ ‬القضائية‭ ‬والحصرية‭ ‬للحكومة‭ ‬مهمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هؤلاء‭ ‬المتطرفين‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬مهمة‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬نتنياهو‭ ‬نفسه‭.‬

ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬دافع‭ ‬نتنياهو‭ ‬عن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬لحماية‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬المساءلة‭ ‬القانونية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬أنصار‭ ‬بن‭ ‬جفير‭ ‬لديهم‭ ‬سبب‭ ‬مختلف‭: ‬فهم‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬والجيش،‭ ‬دون‭ ‬مساءلة‭ ‬أو‭ ‬رقابة‭.‬

يلعب‭ ‬الصهاينة‭ ‬المتدينون‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬لعبة‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬ولا‭ ‬ترتبط‭ ‬بانتخابات‭ ‬معينة،‭ ‬أو‭ ‬بائتلاف‭ ‬فردي‭ ‬أو‭ ‬حكومي‭. ‬إنهم‭ ‬يعيدون‭ ‬تعريف‭ ‬الدولة‭ ‬وأيديولوجيتها‭ ‬وهم‭ ‬بصدد‭ ‬تحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬المرسومة‭.‬

‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مواقف‭ ‬بن‭ ‬جفير‭ ‬وتهديداته‭ ‬بإسقاط‭ ‬حكومة‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬الائتلافية‭ ‬مثلت‭ ‬القوة‭ ‬الدافعة‭ ‬الرئيسية‭ ‬وراء‭ ‬تصعيد‭ ‬عملية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

لو‭ ‬كان‭ ‬الخاخام‭ ‬المتطرف‭ ‬مئير‭ ‬كاهانا‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬اليوم‭ ‬لكان‭ ‬فخورا‭ ‬بأتباعه‭. ‬إن‭ ‬إيديولوجية‭ ‬الحاخام‭ ‬المتطرف‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬مهمشا‭ ‬ومنبوذا‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬تمثل‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬للسياسة‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

 

{ أكاديمي‭ ‬وكاتب‭ ‬فلسطيني

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا