العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

مستقبل الأمة .. والتصور الاستراتيجي المشترك

بقلم: د. محمد عيسى الكويتي

الخميس ٣٠ مايو ٢٠٢٤ - 02:00

عقدت‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الثالثة‭ ‬والثلاثون‭ ‬ونبارك‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬وشعب‭ ‬البحرين‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬والمساهمة‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬القمة‭. ‬كما‭ ‬تزامنت‭ ‬القمة‭ ‬مع‭ ‬مؤتمر‭ ‬نظمه‭ ‬مكتب‭ ‬يونيدو‭ ‬البحرين‭ ‬حول‭ ‬الاستثمار‭ ‬والتكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العربي‭. ‬وسبقه‭ ‬اتحاد‭ ‬الغرف‭ ‬التجارية‭ ‬المنعقد‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬2023‭ ‬والذي‭ ‬تبنى‭ ‬رؤى‭ ‬اقتصادية‭ ‬عربية‭ ‬موحدة‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬التحولات‭ ‬العالمية‭ ‬الراهنة،‭ ‬وطرح‭ ‬فكرة‭ ‬‮«‬التكامل‭ ‬التنموي‮»‬‭. ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬نرى‭ ‬أن‭ ‬القمة‭ ‬والمزاج‭ ‬العربي‭ ‬العام‭ ‬يتحدث‭ ‬ويتطلع‭ ‬إلى‭ ‬استقرار‭ ‬سياسي‭ ‬وأمني‭ ‬وتقدم‭ ‬مجتمعي‭ ‬وتكامل‭ ‬اقتصادي‭ ‬تنموي‭ ‬يمنح‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬قاعدة‭ ‬صلبة‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬تنطلق‭ ‬منها‭ ‬نحو‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭ ‬يضع‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬قوة‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬

هيمنت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬مجريات‭ ‬القمة‭ ‬وقراراتها‭ ‬وأبرزت‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬القصور‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬العربي،‭ ‬أدرك‭ ‬معها‭ ‬القادة‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬القدرات‭ ‬العربية‭ ‬لتمكينها‭ ‬من‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬أمنها‭ ‬وحقوقها‭ ‬ومصالحها‭. ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬أهمية‭ ‬‮«‬رص‭ ‬الصف‭ ‬العربي‮»‬‭ ‬وضرورة‭ ‬حل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مؤتمر‭ ‬دولي‭. ‬وإدراكا‭ ‬لذلك‭ ‬يقول‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬المغربية‭ ‬إن‭ ‬‮«‬مستقبل‭ ‬الأمة‭ ‬رهينة‭ ‬إيجاد‭ ‬تصور‭ ‬استراتيجي‭ ‬مشترك‮»‬‭. ‬ويضيف‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬إن‭ ‬‮«‬قضيتنا‭ ‬المركزية‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أمة‭ ‬قوية‭ ‬تتقدم‭ ‬صفوف‭ ‬المناصرين‭ ‬لها‮»‬‭. ‬وهذا‭ ‬إدراك‭ ‬من‭ ‬القيادات‭ ‬بأن‭ ‬الوضع‭ ‬يتطلب‭ ‬إصلاحات‭ ‬جذرية‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد‭ ‬توحد‭ ‬الدول‭ ‬بشعوبها‭ ‬أولا‭ ‬ومع‭ ‬بعضها،‭ ‬وتضع‭ ‬حدا‭ ‬للخلافات‭ ‬والمنازعات‭ ‬لدعم‭ ‬ما‭ ‬تقدمت‭ ‬به‭ ‬القمة‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬ومطالبات‭ ‬أممية‭ ‬تعيد‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حقوقه‭. ‬النتيجة‭ ‬الحتمية‭ ‬لمعالجة‭ ‬الخلافات‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬التكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬‮«‬التنموي‮»‬‭ ‬العربي،‭ ‬الذي‭ ‬تأخر‭ ‬عقودا؛‭ ‬وأن‭ ‬تستمد‭ ‬الأمة‭ ‬منها‭ ‬قوة‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬استقرار‭ ‬الوضع‭ ‬السياسي‭ ‬وعدالة‭ ‬الشأن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وصلابة‭ ‬الوضع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وحيوية‭ ‬الحياة‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭. ‬

علينا‭ ‬نحن‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬نعي‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬تتقدم‭ ‬بقيمها،‭ ‬والمجتمعات‭ ‬بحيويتها،‭ ‬والاقتصاد‭ ‬بإبداعاته‭ ‬وابتكاراته‭. ‬بهذه‭ ‬الثلاثية‭ ‬المتكاملة‭ ‬وغير‭ ‬المتناقضة،‭ ‬وبتوفر‭ ‬الإرادات‭ ‬السياسية،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬إصلاح‭ ‬البيت‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬طالب‭ ‬به‭ ‬معظم‭ ‬القادة‭. ‬يتم‭ ‬الإصلاح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬المسارات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬التي‭ ‬تشترك‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬صناعتها،‭ ‬وتزيل‭ ‬أي‭ ‬تناقضات‭ ‬بين‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬وقوة‭ ‬المجتمع،‭ ‬مصحوبة‭ ‬بتنمية‭ ‬متعددة‭ ‬الأبعاد‭ ‬تؤمِّن‭ ‬العدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬وإعلاء‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭. ‬بذلك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نلبي‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬ديباجة‭ ‬البيان‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬‮«‬التقدم‭ ‬الجماعي‭ ‬لدولنا‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬نحو‭ ‬منطقة‭ ‬قوية‭ ‬آمنة‭ ‬مستقرة‭ ‬ومزدهرة،‭ ‬تلبي‭ ‬مصالح‭ ‬وتطلعات‭ ‬شعوبها‮»‬‭. ‬وأن‭ ‬تنعم‭ ‬دولنا‭ ‬بجوهر‭ ‬التنمية‭ ‬الشاملة،‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬العدالة‭ ‬والمساواة‭ ‬وتعزيز‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحماية‭ ‬حرياته‭.‬

فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالتكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العربي‭ ‬كأحد‭ ‬مرتكزات‭ ‬قوة‭ ‬الأمة‭ ‬ومستقبلها،‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬الخمسينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬ومازال‭ ‬في‭ ‬بداياته‭. ‬أصبح‭ ‬التكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬القديمة‭ ‬المتجددة‭ ‬في‭ ‬أدبياتنا‭ ‬الاقتصادية‭. ‬شهدت‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬المحاولات‭ ‬المتعاقبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إقامة‭ ‬تكامل‭ ‬اقتصادي‭ ‬فيما‭ ‬بينها،‭ ‬ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬الحديث‭ ‬ولم‭ ‬تنقطع‭ ‬محاولات‭ ‬إقامة‭ ‬تكامل‭ ‬عربي‭ ‬قوي‭ ‬يحفظ‭ ‬مصالح‭ ‬الأمة‭ ‬ويعزز‭ ‬قدراتها‭ ‬التنموية‭ ‬ويمنحها‭ ‬موقفًا‭ ‬تفاوضيًا‭ ‬أقوى‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬وقوة‭ ‬سياسية‭ ‬تحفظ‭ ‬حقوقها‭.‬

إن‭ ‬النجاح‭ ‬في‭ ‬التكامل‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وفي‭ ‬تحقيق‭ ‬الاستقلالية‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬ومكاسب‭ ‬التنمية‭ ‬يتطلب‭ ‬التزاما‭ ‬بما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وفي‭ ‬القمة‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬ومفاهيم‭ ‬وتصريحات‭ ‬للقادة‭ ‬توحي‭ ‬بوعي‭ ‬وإدراك‭ ‬لحجم‭ ‬المشكلة،‭ ‬وتطالب‭ ‬القادة‭ ‬بالعمل‭ ‬وفق‭ ‬هذا‭ ‬الإدراك‭. ‬النجاح‭ ‬يحتم‭ ‬عليها‭ ‬أولا‭ ‬أن‭ ‬تستفيد‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬تاريخها‭ ‬العريق‭ ‬وتراثها‭ ‬الثري‭ ‬بإعادة‭ ‬قراءته‭ ‬وتدبره‭ ‬واستخراج‭ ‬القيم‭ ‬والأسس‭ ‬التي‭ ‬وجهت‭ ‬تلك‭ ‬النهضة‭ ‬وساهمت‭ ‬في‭ ‬إعلاء‭ ‬أهمية‭ ‬الحرية‭ ‬الفكرية‭ ‬والعقلانية‭ ‬والمنهجية‭ ‬العلمية‭. ‬فمثلا‭ ‬يقول‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬قرطبة‭ ‬مركز‭ ‬الثقافة‭ ‬والحضارة‭ ‬الايبيرية‭ ‬كما‭ ‬كانت‭ ‬بغداد‭ ‬مركز‭ ‬الحضارة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬أثرت‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الصين‭ ‬والأطلسي‮»‬؛‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فيقول‭ ‬إن‭ ‬‮«‬عجلة‭ ‬التاريخ‭ ‬تحركت‭ ‬وغيرت‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬الثقافية،‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬والتكنولوجية،‭ ‬والعسكرية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‮»‬‭. ‬على‭ ‬قادة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬وتغييره‭ ‬إلى‭ ‬مستقبل‭ ‬أفضل‭. ‬لذلك‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬وضع‭ ‬‮«‬التصور‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المشترك‮»‬‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬بأهمية‭ ‬التكامل‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬والإدراك‭ ‬بعدم‭ ‬وجود‭ ‬أي‭ ‬تناقض‭ ‬بين‭ ‬قوة‭ ‬الدولة‭ ‬وقوة‭ ‬المجتمع‭ ‬وصلابة‭ ‬الاقتصاد،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬تكاملية‭ ‬لصالح‭ ‬التنمية‭ ‬والتكامل‭ ‬الاقتصادي‭ ‬ورص‭ ‬الصف‭ ‬القطري‭ ‬والعربي‭.‬

ليبدأ‭ ‬التغيير‭ ‬من‭ ‬خطابات‭ ‬القادة‭ ‬والمشاركين‭ ‬التي‭ ‬طرحت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬أولها‭: ‬ما‭ ‬سبب‭ ‬تراجع‭ ‬الأمة‭ ‬عن‭ ‬باقي‭ ‬الأمم‭ ‬وما‭ ‬المعوقات‭ ‬والتحديات‭ ‬ولماذا‭ ‬تستمر‭ ‬هذه‭ ‬المعوقات‭ ‬دون‭ ‬حل‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانين‭ ‬عاما؟‭ ‬كما‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬رص‭ ‬الصف‭ ‬العربي؟‭ ‬وما‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬امتلاكها‭ ‬لتلبي‭ ‬طموح‭ ‬القادة‭ ‬والشعوب؟‭ ‬إن‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الأسئلة‭ ‬والتحديات‭ ‬والمعوقات‭ ‬وغيرها‭ ‬بعقلية‭ ‬منفتحة‭ ‬ورغبة‭ ‬صادقة‭ ‬وعزيمة‭ ‬قوية‭ ‬هي‭ ‬الأساس‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬الانطلاق‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬‮«‬التصور‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬المشترك‮»‬‭ ‬التي‭ ‬دعا‭ ‬لها‭ ‬القادة،‭ ‬ورهنوا‭ ‬مستقبل‭ ‬الأمة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬متطلباته‭.‬

 

drmekuwaiti@gmail‭.‬com‭ ‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا