الثامن من مارس 2024، لم يكن يوماً عادياً كسائر أيام السنة بالنسبة لأسرة أمريكية تسكن في أحد المنازل في مدينة «نابلس» (Naples) في جنوب غرب ولاية فلوريدا الأمريكية. ففي المنزل وفي ذلك اليوم بالتحديد كان جميع أفراد الأسرة في خارج المنزل باستثناء أحد الأبناء، حيث فوجئ هذا الولد في ذلك اليوم وفي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر بسماع صوتٍ رعدي مخيف يزلزل المنزل من فوق، وعندما هدأ هذا الصوت الرعدي، وخف صداه، تحرك الولد فوراً في جولة سريعة في أرجاء المنزل ليعاين ويشاهد ماذا حدث في كل غرفة من غرف المنزل. فلما وصل إلى الصالة ونظر إلى الأعلى رأى فُوهة واسعة وحفرة كبيرة في السقف، فلم يعلم ماذا حدث في المنزل، ولم يعلم مصدر الصوت الرهيب، ومن الذي صنع هذه الفوهة في جدار السقف وأحدث تدميراً جزئياً لأعلى المنزل.
ففي تلك اللحظة نزل الخوف على قلب الولد الصغير، وجثم على صدره الذعر الشديد، وامتلأت نفسه رعباً وإثارة لكل ما شاهده أمام عينيه ولمسه بيديه، فهرع الصبي مرتعباً ومسرعاً للاتصال بأبيه «ألجندرو أوتيرو» (Alejandro Otero) ليفاجئه بهذا الخبر الغريب والمرعب والمقلق جداً، وبما جرى على المنزل، والذي كان بالنسبة له كالحلم والكابوس المرعب والغريب الذي لا يمكن تصديقه، ولا يقدم أي تفسير منطقي وواقعي لما سقط على المنزل. فلم يقع مثل هذا المشهد من قبل على أحد، إلا في أفلام هوليود الخيالية، ولم يتعرض أي إنسان في أي مكان وفي أي زمان لمثل هذه الحادثة الغامضة والفريدة من نوعها على سطح الكرة الأرضية.
فجاء الأب مدهوشاً ومرتبكاً ومصدوماً مما سمع من ابنه، وقام على الفور بالاتصال بالشرطة، واستغاث بهم ليحققوا في هذه الحادثة المأساوية، ويقدموا تفسيراً علمياً لهذه الفوهة العميقة في جدار السقف. فبعد وصول الشرطة، والتجول في غرف وصالات المنزل، وجدوا جسماً معدنياً صغيراً أسطواني الشكل، وتظهر عليه آثار الحرارة العالية والانصهار المعدني الشديد، ولكن الشرطة لم تجازف بالاقتراب كثيراً من هذا الجسم، فلعله يكون ساماً وخطراً على الإنسان، وقد يكون كائناً فضائياً غازياً للأرض.
فبعد الفحص الأولي الظاهري البسيط عن بعد انتابهم الشك والريبة بأن هذا الجسم المعدني الغامض لم ينزل على البيت من مصادر فوق سطح الأرض، وأنه قد جاء من الفضاء، ومن السماء العليا. ولذلك تم أخذ كافة الاحتياطات اللازمة في التعامل مع هذا الجسم المعدني، ونقله مباشرة إلى الجهة المختصة بشؤون الفضاء وهي «الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء» (ناسا)، وبالتحديد في «مركز كنيدي للفضاء» في فلوريدا. وفي 15 أبريل من العام الحالي وبعد الانتهاء من التحليل الشامل لهذا الجسم الفضائي، نَشرتْ «ناسا» تقريراً مفصلاً أكدت فيه أن هذا الجسم المعدني عبارة عن سبيكة معدنية فلزية شديدة القوة وتتحمل الحرارة العالية، وزنها 1.6 رطل، وطولها أربع بوصات، وقطرها 1.6 بوصة. ثم جاء الجزء الثاني من التقرير وهو مصدر هذا الجسم السماوي، حيث أفاد التقرير بأنه في مارس 2021، أي قبل أكثر من ثلاث سنوات، قام رواد الفضاء في «سفينة الفضاء الدولية» باستبدال البطاريات القديمة التي كانت تُزود المحطة بالوقود والطاقة وانتهت صلاحيتها ومدتها الافتراضية، بمجموعة جديدة من بطاريات أيونات الليثيوم، مما استدعى التخلص من مخلفات البطاريات القديمة التي كانت تزن قرابة 2.63 طن، وحجمها كسيارة كبيرة، وكان يُطلق عليها (Exposed Pallet 9). وهذه المخلفات الكبيرة أُطلقت في الفضاء لتسبح حول الأرض، بدون أن يعرف أحد بالدقة الشديدة مصير هذه المخلفات الفضائية ومستقرها في نهاية المطاف. فقد كان من المتوقع أن هذا الجسم الضخم يدور حول الأرض فترة قصيرة من الزمن، ثم يحترق كلياً أثناء دخوله مرة ثانية في الغلاف الجوي، فيتحول إلى رمادٍ متناثر وينتهي أمره من دون ضرر على البشر. فلم يكن في الحسبان، ولم يكن متوقعاً بأنه لن يحترق كله ويتحول إلى جسم صلب ينزل على رؤوس سكان الأرض، وقد يلحق الضرر الجسدي بالبشر.
فهذه الواقعة غير المحسوبة وغير المسؤولة من قبل علماء الفضاء، كانت هي أول حادثة من نوعها لها علاقة بالبشر، حيث إن أجساماً ومخلفات فضائية تنزل على المنازل المأهولة بالسكان، وكادت تسقط على رؤوس الناس فتلحق بهم ضرراً وألماً شديدين. فجميع الحالات السابقة التي تم توثيقها تؤكد سقوط المخلفات الفضائية الصلبة على سطح المحيطات، ومن دون أن يتضرر منها أي إنسان، أو أي مرفق بشري.
وفي الواقع، فإن هذه الحادثة تثير الكثير من التساؤلات والشكوك حول وجود رؤية علمية واضحة لكيفية إدارة جميع المخلفات التي تنتج عن برامج الفضاء في كل دول العالم، إضافة إلى برامج إطلاق الآلاف من الأقمار الصناعية التي لم تتوقف منذ أكثر من عقد من الزمن بأحجامها المختلفة الصغيرة والكبيرة، وبالتحديد حول هذه الأقمار الصناعية بعد الانتهاء من تشغيلها وصلاحيتها. ومن الأسئلة التي أطرحُها شخصياً ولم أجد الإجابة الشافية والكافية عنها في المصادر العلمية ما يلي:
أولاً: هل هناك حصر لنوعية وكمية المخلفات الفضائية التي تحوم حالياً حول الأرض؟
ثانياً: ما مصير هذه المخلفات؟ وكيف سيتم التعامل معها بهدف حماية سكان الأرض؟ وهل هناك خطة حالياً ومستقبلاً لإدارة هذه المخلفات؟
ثالثاً: هل هناك دراسات قامت بإجراء التحليل الكيميائي لنوعية الملوثات الموجودة في مدارات الأرض المنخفضة وفي السماء العليا، وبالتحديد في مواقع دخول المخلفات الفضائية إلى الغلاف الجوي لتحترق فتلوث وتفسد نوعية هذه المدارات بالملوثات العضوية والعناصر الثقيلة السامة؟
رابعاً: ما تصور علماء الفضاء بالنسبة للسفينة الدولية للفضاء التي تعمل منذ عقدين من الزمن، ولكنها ستُحال إلى التقاعد بحلول عام 2030 عندما تنتهي صلاحيتها وينتهي دورها وعملها، علماً بأن حجم هذه السفينة كبير كحجم ملعب كرة القدم؟
خامساً: من يملك الفضاء؟ ومن يتحكم في إدارته؟ فمن المفروض أنه ملكية عامة مشتركة لا سيادة لأحد عليه، ولا قرار فردي يُتخذ في غزوه والاستفادة من موارده.
سادساً: كيف يمكن ضمان سلامة الملاحة الجوية للطائرات المدنية خاصة التي تحلق في السماء عندما تدخل هذه المخلفات الفضائية الغلاف الجوي الأرضي؟ وفي الوقت نفسه كيف يمكن ضمان سلامة السفن التي تبحر في البحار والمحيطات، وسلامة المرافق البشرية البرية عندما تنزل بقايا هذه المخلفات على سطح الأرض، براً أو بحراً؟
إذن فما حدث للمواطن الأمريكي في ولاية فلوريداً قد يحدث لأي واحد من سكان الأرض في أي بقعة منها في البر أو البحر، مما يؤكد في تقديري تخبط الإنسان وعشوائيته في التعامل مع مخلفات الفضاء التي لا يمكن مشاهدتها وتحسس وجودها بسهولة، وخاصة أنه مازال يقف عاجزاً أمام إيجاد الحلول المستدامة والجذرية لمخلفات الأرض التي بين يديه، ويراها أمامه، وتنتج يومياً منذ مئات السنين، من مخلفات منزلية، وصناعية، وزراعية، وتجارية، وبالتحديد المخلفات المشعة الصلبة وشبه الصلبة التي نجمت من برامج نووية عسكرية وسليمة، والتي تخزن منذ أكثر من 90 سنة بصفةٍ مؤقتة تحت الأرض في دول نووية كثيرة، وتُمثل قنبلة دمار شامل قد تنفجر في وجوهنا في أي وقت.
فإذا كان الإنسان يقف حائراً وعاجزاً عن إدارة مخلفات سطح الأرض، فكيف سينجح مع مخلفات الفضاء، وأعالي السماء على بعد عشرات أو مئات الكيلومترات فوق سطح الأرض، وخاصة أن هناك الكثير من الغموض والسرية، ونقص المعلومات الدقيقة، وقلة الخبرات المتراكمة مع هذه المخلفات الفضائية؟
ismail.almadany@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك