إذا غادر الرئيس الأمريكي الصهيوني بايدن السلطة وهو الذي أعلن صهيونيته منذ أن زار الكيان الصهيوني في أغسطس 1973 وقدَّم الولاء والمحبة عندما كان عضواً صغيراً في مجلس الشيوخ، فسأذكُره بأقبح وأسوأ عملين قام بهما، وسيكونان هما التراث الفاسد والكارثي المظلم الذي تركه للأجيال اللاحقة من بعده.
أما الأول فهو في الجانب السياسي والأمني، ويتمثل في الدعم المطلق واللامحدود العسكري، والمالي، والسياسي، والإعلامي الذي قدَّمه سراً وعلانية ومن دون موافقة من الكونجرس في بعض الحالات للكيان الصهيوني ليستمر طوال أكثر من سبعة أشهر في الإبادة الجماعية الشاملة للبشر، والشجر، والحجر لمجتمع فلسطيني أعزل وفقير ومحاصر منذ أكثر من 13 عاما، ولا يملك السلاح المتطور والمتقدم ليدافع عن نفسه وعرضه وأرضه. وهذا العمل الإجرامي الذي تسبب أيضاً في المجاعة لأكثر من مليوني فلسطيني ليس في تقديري الشخصي فقط، وإنما بشهادة المجتمع الدولي المتمثل في قرارات مجلس الأمن المتكررة، والجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، إضافة إلى شهاد الشعب الأمريكي، من دبلوماسيين يعملون في وزارة الخارجية، ومن عشرات الآلاف من الطلاب الذين احتلوا بعض الجامعات الأمريكية، ومن الملايين من الشعب الأمريكي الذي خرج لأشهر طويلة ومن دون انقطاع منددين بسياسة بايدن العدائية، وطالبين منه وقف الحرب على هذا الشعب المستضعف.
وأما الثاني فهو في الجانب الصحي والاجتماعي على المستويين القومي الأمريكي والدولي، عندما عدَّل وغير تصنيف أحد أنواع المخدرات المعروفة عالمياً وهو الحشيش في الثاني من مايو 2024، أو الذي يُطلق عليه في الولايات المتحدة باسم المارجوانا، أو نبات القنب، مما غير مجرى التاريخ الصامد لقرابة قرن من الزمان في الولايات المتحدة الأمريكية، وأعطى الضوء الأخضر على المستوى الاتحادي أولاً، ثم على المستوى الدولي ثانياً، وفتح طريق الشر والفساد الشامل، وتدمير الفرد والأسرة والمجتمع، كما فتح الباب على مصراعيه للدخول في عالم الحشيش الأسود واتخاذ الخطوات الأولية للسماح باستخدام الحشيش، سواء في سجائر الحشيش، أو مأكولات الحشيش، أو غيرهما.
فقد وجه بايدن إلى تغيير وضع الحشيش وتحويله إلى تصنيف يعتبر أخف وأقل ضرراً من تصنيفه السابق المعتمد منذ عام 1937. فالاقتراح الآن هو نقل الحشيش من الجدول رقم (1) الذي يضم المواد المحظورة الخطرة والمدمنة، والتي ليست لها أية فوائد طبية، أو غير ذلك، وتسبب الإدمان، مثل الهيروين والكوكايين، بحسب قانون المواد المحظورة لعام 1970(Controlled Substances Act)، إلى الجدول رقم (3)، والذي يضم بعض أنواع الستيرويد، مما يعني فك وتخفيف حدة ربط الحزام على الحشيش.
فهذا التعديل يمهد الطريق، ويفتح الباب على مصراعيه، وتعد الخطوة الأولى التي ستنتهي في تقديري مع الزمن وبسرعة فائقة بسجائر الحشيش على المستوى الاتحادي وعلى المستوى الدولي. فهذا التعديل العقيم سيسمح للشركات في الدخول في المجال البحثي المتعلق باحتمالية وجود فوائد طبية لهذا المخدر القديم، كما ستكون نقطة البداية لاتخاذ خطوات الاتجار بالحشيش وفتح الشركات بكل أنواعها وأحجامها، سواء أكانت الشركات الزراعية المختصة بزراعة الحشيش، أو شركات التوصيل والنقل، أو شركات تحويل نبات الحشيش إلى منتجات متنوعة منها تدخن، ومنها تؤكل، أو شركات التوزيع والمحلات التجارية التي تفتح في المجمعات وغيرها. كذلك فإن هذا التغيير في تصنيف الحشيش سيُسهل ويسمح لكل المعاملات البنكية المتعلقة بجميع أنواع الاتجار بالحشيش، إضافة إلى شركات الدعاية والإعلام والتسويق لمنتجات الحشيش، والتي ستعمل بكل ما أُوتيت من قوة وأفكار ووسائل شيطانية حديثة على ترويج هذا المنتج الجديد، وتلميع صورته، وتحسين سمعته ليكون جاذباً ومحبوباً للأطفال، والمراهقين، والشباب، والشيوخ، كما أنها ستدَّعي بأن سجائر الحشيش غير ضارة، أو أنها أقل ضرراً من السجائر التقليدية القديمة، وأن بعض منتجات الحشيش لها فوائد طبية علاجية.
وكما هو معروف حالياً فإن هناك على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية 24 ولاية إضافة إلى العاصمة واشنطن «دي سي»، ومقاطعة جوام، قد سمحت باستخدام الحشيش لأغراض شخصية ومن أجل الترويح عن النفس والتسلية الفردية، كما أن هناك في الوقت نفسه 38 ولاية قد سمحت للاستخدام الطبي والعلاجي. ولذلك فإن التعديل الذي اقترحه بايدن سيُعجل من رغبة الولايات الأخرى في السماح للحشيش، وسيشجعها على سرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك والانضمام إلى باقي الولايات. وفي الوقت نفسه هناك عامل آخر سيحث الولايات إلى السماح بالحشيش، وهو موقف ورأي الشعب الأمريكي نفسه من الحشيش، وهذا الموقف سيجعل متخذ القرار من المُشرعين في الولايات إلى العمل على تحليل الحشيش. فهناك استطلاع للرأي أُجري في 8 نوفمبر 2023 من شركة جالوب (Gallup poll) يفيد بأن 67% من الأمريكيين مع السماح لاستخدام الحشيش، مقارنة بــ 50% في عام 2013، و12% فقط في عام 1969. كما أجرت «المعاهد القومية للصحة» استطلاعا للرأي في عام 2022 وأشار إلى أن 28.8% من الأمريكيين من الذين تتراوح أعمارهم بين 19 إلى 30 تعاطوا الحشيش، وهذه النسبة أعلى من تدخين السجائر التقليدية. وهذه النسب في ارتفاع مطرد، حيث أكد استطلاع للرأي لمركز أبحاث بيو(Pew Research Center) في أبريل 2024 بأن 88% من الأمريكيين وافقوا على السماح باستخدام الحشيش لأغراض طبية أو شخصية.
أما على المستوى الدولي فقطار السماح للحشيش يمشي بين الدول ولكن ببطء، وآخر دولة سمحت باستخدام الحشيش لأغراض شخصية كانت ألمانيا في 20 أبريل 2024، ومن قبل كانت كندا، وهولندا، واليابان، وتايلاند، ونيكاراجوا، والنمسا، وأستراليا، ومالطا، ولوكسمبرج.
ولذلك فقرار بايدن الفاسد سيوسع من دائرة سماح الولايات أولاً باستخدام الحشيش، ثم يشجع الدول الأخرى، وقد تُفرض عليها السماح بالحشيش بحُكم المعاهدات كمنتج أمريكي شرعي، وذلك عن طريق اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية بين الولايات المتحدة الأمريكية وكثير من دول العالم، كما أن خطوة بايدن السوداء ستُسرع من حركة قطار الحشيش بين دول العالم.
فماذا سيكون موقف دولنا من سجائر الحشيش القادمة لا محالة؟
ismail.almadany@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك