العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن أغنياء سيم سيم فقراء

كان‭ ‬مقالي‭ ‬بالأمس‭ ‬عن‭ ‬‮«‬أعراض‭ ‬الفقر‭ ‬والغنى‮»‬‭ ‬مستشهدا‭ ‬بنتائج‭ ‬دراسات‭ ‬مسحية‭ ‬أجراها‭ ‬علماء‭ ‬أوروبيون‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬12‭ ‬سنة،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬قرأ‭ ‬ذلك‭ ‬المقال‭ ‬يخرج‭ ‬بانطباع‭ ‬بأن‭ ‬الشخص‭ ‬الغني‭ ‬ينعم‭ ‬براحة‭ ‬البال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الفقير،‭ ‬واليوم‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الموضوع‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬أخرى،‭ ‬وأبدأ‭ ‬بالقول‭ ‬بأنه‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬المهمة‭ ‬التي‭ ‬علمتها‭ ‬لعيالي،‭ ‬عدم‭ ‬اشتهاء‭ ‬ما‭ ‬عند‭ ‬الآخرين،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬أولئك‭ ‬‮«‬الآخرون‮»‬‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الإمكانات‭ ‬المادية‭ ‬المتواضعة،‭ ‬لأن‭ ‬الجملة‭ ‬التي‭ ‬أكره‭ ‬سماعها‭ ‬هي‭: ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬أقل‭ ‬منهم؟‭  ‬ولكن‭ ‬يحز‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬أحياناً‭ ‬أنني‭ ‬أرفض‭ ‬أن‭ ‬أوفر‭ ‬لهم‭ ‬أشياء‭ ‬معينة‭ ‬إما‭ ‬لعدم‭ ‬الاستطاعة‭ ‬أو‭ ‬لأنني‭ ‬غير‭ ‬مقتنع‭ ‬بجدوى‭ ‬تلك‭ ‬الأشياء،‭ ‬أو‭ ‬لأنني‭ ‬أريد‭ ‬لهم‭ ‬أن‭ ‬يعلموا‭ ‬أنني‭ ‬لست‭ ‬ملزما‭ ‬بالاستجابة‭ ‬لجميع‭ ‬طلباتهم‭.‬

بسبب‭ ‬حب‭ ‬الاستطلاع‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬الهرة،‭ ‬فإنني‭ ‬أحرص‭ ‬سنوياً‭ ‬على‭ ‬الاطلاع‭ ‬على‭ ‬قائمة‭ ‬أغنى‭ ‬أغنياء‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬تنشرها‭ ‬الصحف‭ ‬الأمريكية‭ ‬والبريطانية،‭ ‬ربما‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬أحدهم‭ ‬سيوصي‭ ‬لي‭ ‬ببعض‭ ‬ماله‭ ‬‮«‬دون‭ ‬سابق‭ ‬معرفة‮»‬‭!  ‬ولم‭ ‬لا؟‭  ‬فالعشرات‭ ‬منهم‭ ‬تركوا‭ ‬الملايين‭ ‬لقططهم‭ ‬وكلابهم‭ ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬يمنع‭ ‬قيام‭ ‬أحدهم‭ ‬بترك‭ ‬بعض‭ ‬ماله‭ ‬لي‭ ‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬التقاني‭ ‬عرضاً‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬باص‭ ‬في‭ ‬نوتنجهام،‭ ‬أو‭ ‬تعرفت‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬عجالة‭ ‬خلال‭ ‬زيارة‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬ثم‭ ‬سمع‭ ‬أنني‭ ‬صرت‭ ‬مشردا‭ ‬بسبب‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬بلادي،‭ ‬فقرر‭ ‬منحي‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬ما‭ ‬يعينني‭ ‬على‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬الأمان،‭ ‬أو‭ ‬التقيته‭ ‬مصادفة‭ ‬في‭ ‬‮«‬مطعم‭ ‬جمايكا‮»‬‭ ‬في‭ ‬شبردس‭ ‬بوش‭ ‬في‭ ‬لندن،‭ ‬حيث‭ ‬الوجبة‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬‮«‬كورسات‮»‬‭ ‬بجنيه‭ ‬واحد،‭ ‬ربما‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تبقى‭ ‬في‭ ‬بطنك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ساعة‭ ‬واحدة‭ ‬بسبب‭ ‬البراكين‭ ‬التي‭ ‬تفجرها‭ ‬الشطة‭ ‬والزنجبيل‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬ثلثي‭ ‬الوجبة‭!  ‬وهل‭ ‬تستبعد‭ ‬أن‭ ‬مليونيراً‭ ‬يركب‭ ‬الباص‭ ‬أو‭ ‬يغشى‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬المطاعم؟‭  ‬ما‭ ‬قولك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تيرنس‭ ‬كورنان‭ ‬مصمم‭ ‬الأزياء‭ ‬الشهير‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أغنى‭ ‬أغنياء‭ ‬بريطانيا‭ ‬يحرص‭ ‬على‭ ‬شراء‭ ‬أطعمة‭ ‬معلبة‭ ‬انتهى‭ ‬أمد‭ ‬صلاحيتها‭ ‬لأنها‭ ‬تكون‭ ‬رخيصة،‭ ‬بزعم‭ ‬أن‭ ‬طعمها‭ ‬يكون‭ ‬أفضل،‭ ‬أما‭ ‬الكاتب‭ ‬والمخرج‭ ‬السينمائي‭ ‬مايكل‭ ‬وينر‭ ‬الذي‭ ‬يبلغ‭ ‬رصيده‭ ‬المصرفي‭ ‬نحو‭ ‬100‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬فمعروف‭ ‬عنه‭ ‬أنه‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬أنبوب‭ ‬المعجون‭ ‬فارغاً‭ ‬يستعصي‭ ‬على‭ ‬العصر‭ ‬يقوم‭ ‬بقصه‭ ‬نصفين‭ ‬بالمقص‭ ‬ليحلب‭ ‬آخر‭ ‬نقطة‭ ‬فيه‭ ‬ويعبئ‭ ‬علب‭ ‬الشامبو‭ ‬الفارغة‭ ‬بالماء‭ ‬لاستنزاف‭ ‬آخر‭ ‬قطرة‭ ‬من‭ ‬الرغوة‭ ‬فيها‭. ‬ومغني‭ ‬الروك‭ ‬رود‭ ‬ستيوارت‭ ‬الذي‭ ‬يكسب‭ ‬الملايين‭ ‬شهرياً‭ ‬وأحياناً‭ ‬في‭ ‬ليلة‭ ‬واحدة‭ ‬تقول‭ ‬عنه‭ ‬زوجته‭ ‬السابقة‭ ‬راتشيل‭ ‬هنتر‭ ‬إنه‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يعرض‭ ‬عليها‭ ‬الزواج‭ ‬دعاها‭ ‬إلى‭ ‬مطعم‭...  ‬‮«‬مجازا‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬جحراً‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬شعبي‭ ‬وطلب‭ ‬ساندويتشين‭ ‬من‭ ‬التونة‭ ‬بالخيار‭ ‬والبصل‭ ...  ‬منتهى‭ ‬الرومانسية‭!.‬

وكل‭ ‬هذا‭ ‬كوم‭ ‬وملكة‭ ‬بريطانيا‭ ‬الراحلة‭ ‬صاحبة‭ ‬المليارات‭ ‬كوم‭ ‬آخر،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬تتولى‭ ‬نفقات‭ ‬معيشتها‭ ‬وسفرها،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬تتعشى‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الأحيان‭ ‬بأصابع‭ ‬السمك‭ ‬المجمدة‭ ‬‮«‬فِش‭ ‬فنقرز fish fingers»،‭ ‬وتطوف‭ ‬بنفسها‭ ‬أرجاء‭ ‬قصورها‭ ‬وهي‭ ‬تطفئ‭ ‬المصابيح‭ ‬الكهربائية‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تتضخم‭ ‬فاتورة‭ ‬الكهرباء،‭ (‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬الملكة‭ ‬هذه‭ ‬وجه‭ ‬شبه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الناحية،‭ ‬فرغم‭ ‬أنني‭ ‬أسكن‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬معفي‭ ‬من‭ ‬رسوم‭ ‬الكهرباء‭ ‬كما‭ ‬الملكة،‭ ‬فإنني‭ ‬أطوف‭ ‬بكل‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬لإطفاء‭ ‬أي‭ ‬مصباح‭ ‬مضاء‭ ‬في‭ ‬موقع‭ ‬لا‭ ‬يجلس‭ ‬فيه‭ ‬أحد‭). ‬وكانت‭ ‬أمها‭ ‬التي‭ ‬توفيت‭ ‬عن‭ ‬101‭ ‬سنة‭ ‬تسجل‭ ‬تاريخ‭ ‬تركيب‭ ‬كل‭ ‬مصباح‭ ‬كهربائي‭ ‬حتى‭ ‬تعرف‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬تبقى‭ ‬صالحة‭ ‬فتحدد‭ ‬بذلك‭ ‬نوع‭ ‬وماركة‭ ‬المصابيح‭ ‬الأطول‭ ‬عمراً،‭ ‬وقد‭ ‬ورث‭ ‬عنها‭ ‬الأمير‭ ‬هاري‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬في‭ ‬بلاده‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬أبوه‭ ‬تشارلز‭ ‬ملكا‭ ‬روح‭ ‬التقشف‭ ‬عن‭ ‬جدته‭ ‬الملكة،‭ ‬وتعرض‭ ‬للبهدلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصحافة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬دفع‭ ‬جنيهين‭ ‬بقشيشاً‭ ‬عن‭ ‬وجبة‭ ‬أنفق‭ ‬هو‭ ‬وأصدقاؤه‭ ‬200‭ ‬جنيه‭ ‬إسترليني‭ ‬عليها‭!  ‬وفي‭ ‬تقديري‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬ليس‭ ‬بخلاً‭...  ‬بالعكس‭ ‬هو‭ ‬سلوك‭ ‬مسؤول‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬عاشت‭ ‬ويلات‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬وما‭ ‬رافقها‭ ‬من‭ ‬شح‭ ‬في‭ ‬السلع‭ ‬استوجب‭ ‬ترشيد‭ ‬الإنفاق‭! ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬إرهاق‭ ‬كاهل‭ ‬دافع‭ ‬الضرائب‭ ‬البريطاني‭ ‬بفواتير‭ ‬عالية‭ ‬القيمة،‭ ‬وبالمقابل‭ ‬فإن‭ ‬الممثل‭ ‬الأمريكي‭ ‬الأسود‭ ‬دنزِل‭ ‬واشنطن‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بدور‭ ‬مالكم‭ ‬إكس‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬الاسم‭ ‬ذاته،‭ ‬لا‭ ‬يقدم‭ ‬بقشيشا‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬مائتي‭ ‬دولار‭ ‬حتى‭ ‬مقابل‭ ‬ساندويتش‭ ‬بيرجر‭ ‬بنصف‭ ‬دولار‭!...  ‬غبي

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا