يحتفل برنامج الأمم المتحدة للبيئة هذا العام 2024 بيوم البيئة العالمي تحت شعار (دحر التلوث البلاستيكي)، وتقول تقارير المنظمة أن حسب ما أشارت إليه الإحصائيات أنه يُنتج أكثر من 400 مليون طن من اللدائن البلاستيكية سنويًّا في جميع أنحاء العالم، نصفها تقريبًا مصمم للاستخدام مرة واحدة فقط، بمعنى أنه لا يُعاد تدوير سوى أقل من 10%، والبقية الباقية والتي تقدر بما يتراوح ما بين 19 إلى 23 مليون طن فينتهي به المطاف في البحيرات والأنهار والبحار، وهذا يعادل وزن برج إيفل 2200 ضعف تقريبًا.
وبات الجميع اليوم يعرف خطورة المواد البلاستيكية سواء على البيئة أو حتى على الصحة، فهذا الأمر لم يعد خافيًا على أحد، لذلك فإن الجميع يحاول –بقدر الإمكان– أن يتجنب استخدام هذه المواد حتى وإن كانت منتشرة في حياتنا اليومية، ولكن اليوم وجد تهديد ناتج من المواد البلاستيكية آخذ في التزايد مع الاستمرار، وذلك بسبب رمي البلاستيك في البيئة المحيطة، وقد اعتُمد مصطلح (اللدائن الدقيقة) لتوضيح هذه النوعية من التلوث، ومن الجدير بالذكر أنه تم إطلاق هذا المصطلح خلال العقد الماضي لوصف القطع الصغيرة من البلاستيك الموجودة في البيئة، والتي تُعرّف عمومًا على أنها قطع صغيرة من البلاستيك التي يقل قطرها عن 5 ملم.
وجدت دراسة نشرت عام 2023 في مجلة (International Journal of Molecular Sciences) أن المواد البلاستيكية الدقيقة تنتشر في الجسم وتسبب تغيرات سلوكية مثيرة للقلق، وتقول الدراسة إن الجزيئات البلاستيكية الصغيرة تُعد من أكثر الملوثات شيوعًا وانتشارًا حيث تشق طريقها إلى الهواء والماء والغذاء. وحسب ما ذكرت الدراسة أنه قد أظهرت بعض الأبحاث أن المواد البلاستيكية الدقيقة تتسلل إلى الجسم على نطاق واسع كما تفعل في البيئة.
وقام باحثون في جامعة (رود آيلاند) بتعريض الفئران الصغيرة والكبيرة لمستويات متفاوتة من اللدائن الدقيقة في مياه الشرب مدة ثلاثة أسابيع. ولاحظ الباحثون أن الحيوانات بدأت تتحرك وتتصرف (بشكل غريب)، وأظهرت سلوكًا مشابهًا للخرف لدى البشر ويبدو أن الحيوانات الأكبر سنًا هي الأكثر تضررًا. وقال جايمي روس، كبير الباحثين المشاركين في الدراسة، في بيان: «بالنسبة إلينا، كان هذا مذهلا، لم تكن هذه جرعات عالية من المواد البلاستيكية الدقيقة، ولكن في فترة قصيرة فقط من الزمن، رأينا هذه التغييرات».
وبعد تشريح الحيوانات، وجد الفريق أن الجزيئات بدأت تتراكم في كل عضو، بما في ذلك الدماغ وفي فضلات الجسم. ونظرًا إلى أن اللدائن الدقيقة يتم ابتلاعها عن طريق الفم، كان من المتوقع العثور عليها في الجهاز الهضمي والكبد والكلى، لكن انتشارها إلى أنسجة أخرى كان صادمًا.
وأشار الباحثون إلى أن اختراق المواد البلاستيكية الدقيقة لأنسجة المخ قد يؤدي إلى انخفاض في البروتين الحمضي الليفي الدبقي (GFAP) الذي يدعم عمليات الخلايا في الدماغ.
وتستمر الأبحاث لدراسة الآثار الدائمة للمواد البلاستيكية الدقيقة، إذ أشارت بعض الدراسات أنها تشق طريقها إلى قلب الإنسان ويمكن أن تنتقل من النساء الحوامل إلى أجنتهن.
وتقول منظمة البيئة غالبًا ما تنتهي اللدائن البلاستيكية الدقيقة في طعامنا وشرابنا والهواء الذي نتنفسه، ولقد وجد أن كل شخص على هذا الكوكب يستهلك أكثر من 500 ألف جزيء بلاستيكي سنويًا، وربما أكثر من ذلك بكثير إذا اٌحتسبت الجزئيات البلاستيكية في الهواء.
وفي تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، إذ حلل الباحثون 17 دراسة سابقة اهتمت بتأثيرات الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على الخلايا البشرية، وسلطوا الضوء على كمية اللدائن التي يمكن أن تلحق الضرر بالخلايا، من خلال مياه الشرب الملوثة والمأكولات البحرية وملح الطعام. واكتشف العلماء أن مستويات المواد البلاستيكية الدقيقة التي تتسرب للجسم من خلال كميات الأكل العادية، تسبب موت الخلايا والحساسية.
وأكدت تلك الدراسات أن «هناك سببًا وجيهًا لتزايد الأبحاث حول التأثير الصحي للمواد البلاستيكية الدقيقة، وهو أننا نتعرض لها يوميًا من خلال الطعام والهواء، ولا نعرف حقًا كيف تتفاعل معها أجسادنا».
لنترك موضوع البلاستيك، إذ أشبع بحثًا، وسنتكلم فيه خلال الأيام القادمة، ولننتقل إلى الوضع البيئي والصحي في غزة، ترى ماذا سنجد؟
الوضع البيئي في غزة
ربما تأتي احتفالات العالم بيوم البيئة لهذا العام في ظل ظروف بيئية وصحية قاسية تمر على قطاع غزة، ونعتقد أنه كان من الأحرى على برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن تحتفل هذا العام بيوم البيئة بعنوان (البيئة في ظل الحروب) أو شيء من هذا القبيل.
فالجميع يعرف أن البيئة تُعد من أكثر الأجسام هشاشة في العالم، فجميعنا يذكر كل الحروب التي مرت على دول الخليج العربي وكيف استخدمت البيئة كسلاح خطير لتهديد دولنا مثل قضايا بقع الزيت، حرق آبار النفط وغيرها من الأمور، وللأسف فإن البعض لا يعرف أن يفرق بين المعركة مع الجيوش والمعركة مع البيئة، وفي الحقيقة فإن هذا يحدث اليوم في غزة.
فقد استهدفت قوات الاحتلال البنية والمباني السكنية ومنازل ومدارس ومستشفيات وأماكن عبادة وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء في غزة، حتى تشير الإحصائيات حتى اليوم أنه ما يزيد على خمسة آلاف منشأة فلسطينية تدمرت بشكل كامل، وهذا التدهور للبيئة يُعد انتهاكًا صريحًا وواضحًا لحقوق الإنسان في العيش في بيئة صحية مستدامة، وجميعًا يعرف أن هذا مرتبط بحقوق الإنسان الأخرى التي تضع الحق في الصحة على رأسها، مثل حق الإنسان في المياه والصرف الصحي، والحق في الغذاء، والحق في الصحة، وهذا ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1948.
في تقرير نشر خلال بضعة أسابيع يشير إلى أن دولة الاحتلال قد:
1. سعت إلى تلوث مصادر المياه الجوفية والسطحية بشكل كبير في القطاع نتيجة للتدمير المباشر جراء القصف لشبكات المياه وشبكات الصرف الصحي ومصادر المياه في القطاع، مما أثر سلبًا وبشكل مباشر في إمكانية الوصول إلى مياه نقية. وتجدر الإشارة إلى أن ما نسبته 45% من المياه المتاحة للاستخدام في غزة هي مياه غير صالحة للاستخدام الإنساني، حيث تصل كميات المياه الملوثة في غزة إلى 97% من مياه الآبار الجوفية.
2. يواجه المواطنون في قطاع غزة المحتل تحديات كبيرة فيما يتعلق بمياه الصرف الصحي إذ تعتبر المياه العادمة غير المعالجة في قطاع غزة المحتل مصدرًا رئيسيًا لتلوث مياه البحر، وخزان المياه الجوفية إذ يصل إنتاج قطاع غزة من مياه الصرف الصحي لأكثر من 50 مليون متر مكعب سنويًّا. ومن الجدير بالذكر إلى أن ما يقارب 10% من مياه الصرف الصحي الناتجة في قطاع غزة المحتل تتسرب إلى خزان المياه الجوفي. وتشير التقارير إلى أن هناك خمس محطات رئيسية لمعالجة المياه العادمة في قطاع غزة المحتل إلا أن هذه المحطات تقف أمام تحديات كبيرة حتى تعمل بكامل كفاءاتها التشغيلية لأسباب عدة أهمها الحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال على القطاع والذي يشمل فرض قيود على حركة دخول البضائع والمعدات اللازمة لصيانة هذه المحطات والتي تحتاج إلى صيانة بشكل دوري ومستمر، هذا بالإضافة إلى حاجة هذه المحطات إلى إمداد مستمر من التيار الكهربائي والوقود لتشغيلها في الوقت الذي يعاني فيه قطاع غزة منذ أعوام عديدة من أزمة كهرباء ووقود متنامية.
3. إن حروب الاحتلال المتتالية التي استهدفت قطاع غزة المحتلة على مدى الأعوام الماضية تسببت في ازدياد نسبة التلوث بسبب استخدام الاحتلال لأنواع مختلفة من الصواريخ والمتفجرات والأسلحة التي حولت مساحات شاسعة من قطاع غزة المحتل إلى أراض غير صالحة للزراعة، هذا بالإضافة إلى الغازات المنبعثة من الأسلحة التي يستخدمها الاحتلال في القطاع والتي تؤثر في الصحة بشكل كبير. كما أن عمليات الإعمار وإزالة أكوام الركام والحطام التي يخلفها الاحتلال جراء استهدافه البنية التحتية والمساكن والمنشآت ينتج عنه المزيد من الأمراض القلبية والصدرية والصحة بشكل عام بسبب الأتربة والغبار، وأيضًا تلوث النباتات والمزروعات والذي بدوره يعود سلبًا على الأهالي.
4. إن تدمير البنية التحتية بشكل عام والبيئة بشكل خاص في قطاع غزة تسبب في تدمير الأراضي الزراعية والمناطق الطبيعية وأدى إلى تراجع التنوع الحيوي والذي بدوره أثر في وجود الكائنات الحية والنباتات البرية. وبحسب إحصائيات عام 2023، يحتضن قطاع غزة تنوعًا حيويًا واسعًا، حيث تتراوح عدد الكائنات فيه بين 150 و200 نوع من الطيور، وتوجد حوالي 20 نوعًا من الثدييات، ونحو 25 نوعًا من الزواحف بأصناف متعددة، بالإضافة إلى تنوع كبير في الكائنات البحرية، وتقريبًا 200 نوع من الأسماك.
5. إن تدمير البنية التحتية في قطاع غزة المحتل والموارد سوف تكون له عواقب كارثية فيما بعد إذ سوف ينعكس ذلك على إدارة النفايات في القطاع وبالتالي تراكم النفايات التي بدورها سوف تشكل خطرًا كبيرًا على صحة سكان القطاع. وتجدر الإشارة إلى أنه وبحسب إحصائيات عام 2022، يخلف نحو 2.2 مليون فرد في قطاع غزة يوميًا ما يقارب 1800 طن من النفايات الصلبة و58% منها مواد عضوية و15% نفايات بلاستيكية، و14% نفايات ورق وكرتون وغيرها من مخلفات الأبنية والزراعية والطبية والإلكترونية وغيرها.
ترى ماذا يحدث اليوم؟ وهذا سؤال كبير موجه إلى منظمة الأمم المتحدة للبيئة، فهل قامت بدراسة بيئية صحية إنسانية بسبب الأحداث التي تجري اليوم في غزة؟ هل يتمتع الإنسان بكل حقوقه الإنسانية والقانونية التي سنها الإنسان نفسه لحماية الإنسان؟ ناهيك عن الحقوق والقانون الإلهي الذي يجب أن يتمتع به الإنسان.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك